خطبة بعنوان ( وقفات مع تحويل القبلة ) لفضيلة الدكتور محمد جاد قحيف

خطبة بعنوان ( وقفات مع تحويل القبلة )
لفضيلة الدكتور : محمد جاد قحيف

الحمد لله يجيب من دعاه ، ويكفل من ناجاه ، ويعذب من عصاه واتبع هواه . وأشهد أن لا إله إلا الله أمر ألا تعبدوا إلا إياه .

ونصلي ونسلم على سيد الأنبياء وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد :

فإن من أفضل الشهور مكانة في الإسلام شهر شعبان ، وقد سمي بِذلك ؛ لِأَنَّهُ يتشعب فِيهِ الخير ؛ وَقيل لأَن العرب كَانُوا يتشعبون فيه لطلب المياه ، وقيل تشعبهم في الغارات ؛ وقيل لأنه شَعب أي ظهر بين رجب ورمضان.(زاد الواعظين) ..

قال أبو بكر الوراق البلخي: شهر رجب شهر للزرع ، وشعبان شهر السقي للزرع ، ورمضان شهر حصاد الزرع . وعنه قال: مثل شهر رجب مثل الريح ، وشهر شعبان مثل الغيم ، وشهر رمضان مثل المطر . وقال بعضهم: السنة مثل الشجرة ، شهر رجب أيام توريقها ، وشعبان أيام تفريعها ، ورمضان أيام قطفها ، والمؤمنون قطافها (لطائف المعارف)..

فشهر شعبان أحب الشهور إلى الله جل جلاله..

قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : «كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ أن يصومَهُ شَعبانُ، بل كانَ يصلُهُ برَمضانَ» أخرجه النسائي وسنده صحيح ..

وكان الصحابة يستعدون فيه لاستقبال شهر رمضان المبارك ، ويتسابقون خلاله فى الطاعات، فيكثرون من الصدقات، وتلاوة القرآن الكريم ، وكثرة الصيام للتمرين على الصيام والطاعات في رمضان ، وقد حث النبي الكريم على استثماره في الصيام والعمل الصالح، فعن أسامة بن زيد : قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ ما تَصُومُ مِنْ شعبان قال :

” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ” رواه النسائي ، وسنده حسن ..

بين النبي ﷺ أن شعبان يقع بين شهرين كريمين ، وهما رجب وهو وهو من الأشهر الحرم ، ورمضان وهو شهر القرآن والصيام، فيهتم الناس بعمل الخيرات فيهما ويغفلون عن العمل الصالح في شهر شعبان فكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يكثر من الصيام في هذا الشهر ، وكان يكثر من العبادة ويحث عليها عند غفلة الناس..

قالَ ابْنُ رَجَب: “وفي الحديث دَلِيلٌ على اسْتِحْبَابِ عِمَارَةِ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بالطَّاعَة، وأَنَّ ذَلِكَ مَحْبُوبٌ للهِ -عز وجل-”.

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ» أخرجه الإمام مسلم.

وترفع الأعمال في شهر شعبان ؛ لأنه يعد الشهر الذي يرفع فيه تقرير العباد السنوي ، فهو ختام العام الإيماني ، كما أن يوم الخميس يرفع فيه التقرير الأسبوعي ..

إِنَّهُ شَهْرٌ عَظِيمٌ، تُرْفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العِزَّةِ والجَلَال..

العنصر الأول : الاستجابة والانقياد لأمر الله ورسوله ﷺ .

لقد ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتوجّهون في الصلاة إلى المسجد الأقصى امتثالاً لأمر الله سبحانه ، لكن كان في فؤاد النبي ﷺ أمنية كبيرة طالما راودته، تتمثّل في التوجّه إلى الكعبة ، بدلاً من المسجد الأقصى ؛ ذلك لأنها قبلة أبيه النبي إبراهيم عليه السلام ، وأوّل بيتٍ وضع في الأرض للعبادة ، ولحرصه على أن تتميّز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت ..

واستطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى المسجد الأقصى والكعبة بين يديه ، لكن لما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما ، وبُنيت المساجد، وشرع الأذان، والنبي لم ينس حبّه للكعبة ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين معا كما كان يفعل في مكّة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعاً لأمر الله ، وأن يرفعه أملاً في إجابة دعوته ، ويصف القرآن الكريم هذا الحال فيقول : ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.[البقرة: 144].

وفي السنة النبوية الشريفة “لَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُحِبُّ أنْ يُوَجَّهَ إلى الكَعْبَةِ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}[البقرة: 144].

فَوُجِّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ، وصَلَّى معهُ رَجُلٌ العَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ علَى قَوْمٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: هو يَشْهَدُ أنَّه صَلَّى مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّهُ قدْ وُجِّهَ إلى الكَعْبَةِ، فَانْحَرَفُوا وهُمْ رُكُوعٌ في صَلَاةِ العَصْرِ “أخرجه الإمام البخاري .

فمن أهم دروس تحويل القبلة الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه، فالصحابة رضوان الله عليهم سرعان ما استجابوا وانقادوا لأمر الله ، وتوجهوا في صلاتهم نحو المسجد الحرام ..

لما علم الله برغبة نبيه ﷺ وتطلعه إلى قبلة أجداده بالبيت الحرام أمر بضم الهمزة بالتوجه إلى الكعبة ..

والاستجابة لأوامر الله ورسوله حياة ونور للقلوب.

قال جل في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾الأنفال: 24

ويورد ابن القيم في الفوائد: بعض المعاني الدقيقة لقوله (لما يحييكم)، فقد اعتبر “الْحَيَاة النافعة إِنَّمَا تحصل بالاستجابة لله وَرَسُوله فَمن لم تحصل لَهُ هَذِه الاستجابة فَلَا حَيَاة لَهُ”. كما رأى أن الحياة الحقيقية الطيبة «حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا ، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات ، وإن كانوا أحياء الأبدان ؛ ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول» [«الفوائد لابن القيم» (ص88)].

ومن صور الاستجابة أيضا لما حُرِمت الخمر وسمع المسلمون المنادي ينادي: “ألا إن الخمر قد حرمت”، فقال أبو طلحة لساقيهم أنس: اخرج، فأهرقها، يقول أنس: فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة… وفي لفظ: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل. (متفق عليه). ولما سمعوا آخر آية الخمر: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة:٩١]، قالوا جميعًا: “انتهينا يا رب، انتهينا يا رب” (النسائي).

ومن أهم صور الاستجابة كذلك ، استجابة الصحابة لرسول الله في غزوة حمراء الأسد بعد استشهاد سبعين من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن الجراح والإصابات البالغة لكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني أيام غزوة أحد ..

قال تعالى “يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيم ” ١٧٢/١٧١.

فيا سعادة من استجاب لله وللرسول وأطاع أمرهما ، ويا خسارة من تكبر وتجبر و أعرض عن الاستجابة والانقياد لله ورسوله ﷺ.

العنصر الثالث : وسطيةُ الأمةِ وشهادتُهَا على جميعِ الأممِ.

قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }[ البقرة : 143].

والوسطيةُ هنَا تعنِي الأفضليةَ والخيريةَ والرفعةَ، فالأمةُ وسطٌ في كلِّ شيءٍ، وسطيةٌ شاملةٌ .. فهي وسطٌ في التصورِ والاعتقادِ ، وسطٌ في العلاقاتِ والارتباطاتِ، وسطٌ في النظم والتشريعاتِ ، حريٌّ بالمسلمينَ أنْ يعودُوا إلى وسطيتِهِم التي شرفَهُم اللهُ بهَا في كتابه وسنة رسوله ﷺ

وفي الآية التي قبلها إعجازٌ غيبي ؛ حيث أخبر بكلام السفهاء مستقبلا ، وفي هذه الآية إعجازٌ عدديٌّ ، فعددُ آياتِ سورةِ البقرةِ 286 ÷ 2 = 143 ، هذا هو رقمُ هذه الآيةِ، فكأنَّ الآيةَ نفسَهَا جاءتْ وسطًا، وهذه رسالة لأمة الإسلام لتكونَ وسطًا في كلِّ شيءٍ .

وهذه الوسطيةُ أهلتْ هذه الأمةَ ومنحتهَا الشهادةَ على جميعِ الأممِ، وهذه الشهادةُ قسمان: شهادةٌ على نفسِهَا في الدنيا، وشهادةٌ على غيرِهَا في الآخرةِ.

فشهادتُهَا على نفسِهَا في الدنيا: أنْ يشهدَ بعضُهُم على بعضٍ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ . قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ!!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ” ( متفق عليه واللفظ لمسلم ).وشهادةُ الأمةِ في الدنيا سببٌ في وجوبِ دخولِ الصالحِ الجنة، والطالحِ النار.

أمَّا شهادةُ هذه الأمةِ في الآخرةِ فتكونُ على الأممِ السابقةِ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّ نَعَمْ ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ، فَيُقَالُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ ﷺ وَأُمَّتُهُ ، قَالَ : فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ “.

سورة البقرة آية 143 ، قَال : وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ ” ( البخاري). فأمةُ مُحمدٍ ﷺ تشهدُ لنوحٍ وغيرِهِ بأنّهُم بلغُوا ونصحُوا بموجبِ ما جاءَ في القرآنِ الكريمِ، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام .

العنصر الرابع : الترابطُ بينَ المسجدِ الحرامِ والمسجدِ الأقصَى.

لقد ظهر الترابط الوثيق بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام في قصة الإسراء وحادثة تحويل القبلة ، والمسجدُ الأقصَى أولَى القبلتين وثالثُ الحرمينِ، ومسرَى رسولِ اللهِ ﷺ..

وبيتُ المقدسِ هو مهبطُ النبوةِ قبلَ نبوتِهِ ﷺ، فأنبياءُ بنِي إسرائيلَ بعثُوا في تلك الأرضِ المقدسةِ، وهناك القبلةُ الأولَى التي كَانَ النبيُّ ﷺ وأصحابُهُ يستقبلونَها، إذًا فهناك ربطٌ بينَ هذا النبيِّ الجديدِ وبيئتِهِ وبلدتِهِ الجديدةِ -النبوة الخاتمة- وبينَ مهبطِ النبوةِ السابقةِ لها أيضًا، وفيه إشعارٌ بأنّ هذا النبيَّ ﷺ مكمِّلٌ ومتمِّمٌ لرسالاتِ الأَنْبِيَاءِ قبلَهُ، فهو خاتمُهُم، ولم يأتِ في بابِ التوحيدِ والإيمانِ بجديدٍ عمَّا جاءُوا بهِ في أصَلِ القضيةِ، وإنّمَا دعَا إِلَى ما دعُوا إليهِ.

والمسجدُ الأقصَى وما حولَهُ أرضٌ مباركةٌ، وهي ملكٌ لجموعِ الأمةِ الإسلاميةِ، وهي أرضٌ مقدسة في عقيدة الإسلام ، ليستْ ملكًا لحاكمٍ ولا لشعبٍ، وإنّمَا هي ملكٌ للإسلامِ والمسلمينَ في كلِّ مكانٍ، وهذا يبيِّنُ واجبنَا نحوهَا ونحو أهلِهَا والمقدساتِ التي على أرضِهَا، ويجبُ على الجميعِ التكاتفُ في الدفاعِ عن هذه الأماكنِ المقدسةِ. فعَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :” الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ..”. ( أخرجه الإمام الحاكم وصححه).

إنّ أرضَ فلسطينَ وما حولَها أرضٌ مباركةٌ، بركةٌ حسيةٌ ومعنويةٌ، فالبركة الحسية أنها أخصب بقاع الأرض ، والبركة المعنوية فعلى أرضها بيتُ المقدسِ، وعلى أرضها عاشَ ودفن أنبياءِ الله إبراهيمُ ولوطٌ واسحاق ويعقوبُ وداوود ويحيى وزكريا عليهم السلام، وغيرهم من الرسل والأنبياء والصالحين ..

وأهلها يضرب بهم المثل في الصبر والثبات ، فهم على مدار التاريخ صابرون صامدون مباركون ..

قال ﷺ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».(أخرجه الإمام البخاري). وفي رواية أحمد: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: ” بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ “..

وختاما :

إن من أهم أهداف قصة قبلة المسلمين

١- الامتحان والاختبار:

اختبار المؤمن الذي يتبع أمر الله ونبيه ممن يرتد على عقبيه ..

قال تعالى : ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.البقرة /١٤٣.

٢-الكشف عن عداوة اليهود للمسلمين التاريخية ..

لقد كشف الله للمسلمين ما سيقوله اليهود والمشركون والمنافقون مستقبلاً عن تحويل القبلة، قال تعالى : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾البقرة: /١٤٢.

ويقول النبي ﷺ:”إنَّهم لا يَحسُدونا على شيءٍ كما يَحسُدونا على يومِ الجمُعةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى القِبلةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى قولِنا خلفَ الإمامِ: آمينَ”. (متفق عليه)..

وهذه العداوة دائمة ومستمرة إلى عصرنا هذا كما هو واضح من المشروع الصهيو أمريكي في أرض العرب والمسلمين ..

مطلوب من المسلمين أن يتنازلوا عن جزء من أوطانهم ، ويتخلون عن بعض أحكام دينهم ؛ حتى يوصفون بالاعتدال !!..

فعلى العرب والمسلمين الاتحاد صفا واحدا ضد مشاريعهم ومتطلباتهم الجائرة ..

٣- وحدة الأمة :

أمة نبيها خير الرسل والأنبياء ، وقبلتها واحدة ، يتجه إليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف الألوان والأجناس ..

وإلهها واحد ، وهذا حالها الذي لا يخفى على أدنى تأمل ..

٤-الدعاء والالتجاء إلى الله

كان النبي ﷺ يعجبه قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام ،

وقبلة الأجداد إلى إسماعيل عليه السلام ، فعلينا أن نلتجأ إلى الله خاصة في وقت الأزمات والصعوبات ، ليس لها من دون الله كاشفة ..

يا أخوة الإسلام إن الهدف ليس الاتجاه إلى الشرق أو الغرب ، فالمشرق والمغرب كلاهما ملك لله ، المهم الانقياد والاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإحياء الضمائر التي فسدت عند أغلب الخلق في هذا الزمان..

فهيا بنا لنترك سيء العادات ، فكيف نصلي ونصوم ، ونطفف في الكيل والميزان ، ونغش في البيع والشراء..

فيا أخوة الإسلام لننظر كيف حالُنا مع اللهِ ؟. هل نحن مستعدٌّون للموتِ ولقاء الله ؟ ..

هل ما زلنا منغمسون في المعاصي والمنكرات ،

هل ما زالت قلوبنا مشحونة بالخصام والبغضاء ؟! .

ينبغي لنا أن نتصالح مع الله ، ونتصالح مع أنفسنا، ونتراحم فيما بيننا ، ولا سيّمَا ونحن مقبلون على ليالي وأيام مباركة ، أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وليلة النصف من شعبان ، وأصح ما جاء في فضل ليلة النصف من شعبان قوله عليه الصلاة والسلام : «إنَّ اللهَ تعالى لَيطَّلِعُ في ليلةِ النصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلْقِه، إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ» .(صحيح الجامع) ..

فمِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ تَطْهِيرُ القَلْبِ مِن الحِقدِ والحَسَدِ، والشَّحْنَاءِ والبغضاء..

قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ؛ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ”..  (أخرجه الإمام مسلم).

وَمَنْ دَخَلَ عَلَيهِ شَعْبَانُ، وَبَقِيَ عَلَيهِ قَضَاء رَمَضَان؛ فَلْيُبَادِرْ إلى قَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَان! قالتْ السيدة عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ”(متفق عليه).

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان ..

مسألة مهمة: هل يجوز الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان ؟!.

يستحب الإكثار من الصيام في شهر شعبان كله بخلاف يوم الشك وهو اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان ، كما أنه يسن الفصل بين صيام السنة وصيام الفرض بيوم أو يومين ..

أما حديث «إذا انتَصَف شَعْبانُ فلا تصوموا»..أخرجه ابو داود..

فقد ضعفه بعض العلماء ، وصححه البعض ، فعلى فرض صحته فهو محمول على أن الذي لم يصم أول شهر شعبان، ليس له أن يصوم بعد النصف، ولذلك لا يبتدئ الشخص الصيام بعد النصف الثاني من شهر شعبان .. وما كان عادته صيام الاثنين والخميس من بداية شهر شعبان فيستحب له الصيام .. كما أن من عليه أيام من رمضان يجب عليه القضاء ولو في النصف الثاني من شعبان ..والله أعلم..

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان واجبرنا واجبر إخواننا في فلسطين وجميع بلاد المسلمين جبرا يتعجب منه أهل السموات والأرض..

اللهم كن للمستضعفين عونا وسندا ونصيرا وظهيرا ، وانصر الإسلام والمسلمين ، وأيقظهم من رقدات الغفلة.. واحفظ مصر وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين..

واللهم استجب دعاءنا ، ولا تخيب رجاءنا ، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا اللهم آمين يارب العالمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *