فضائل شهر شعبان
7 فبراير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : محمد جاد قحيف
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
وبعد: فإنَّ من نعم الله على عباده أنه فضَّل بعضَ الأزمان على بعض، وبعضَ الأماكن على بعض، ويوالي عليهم مواسمَ الخيرات والبركات والنَّفحات؛ ليتفضَّل عليهم بجوده..
وكلما انتهى موسم أردفه آخر حتى لا يخلو الزمان من وقت للعبادة فاضل، ومن هذه المواسم شهر شعبان ، فهو أفضل الشهور مكانة في الإسلام ، وقد سمي بِذلك ؛ لِأَنَّهُ يتشعب الخير فِيهِ ؛ وَقيل لأَن العرب كَانُوا يتشعبون فيه لطلب المياه ؛ وقيل تشعبهم في الغارات ؛ وقيل لأنه شَعب أي ظهر بين رجب ورمضان (زاد الواعظين) .
قال أبو بكر الوراق البلخي: شهر رجب شهر للزرع ، وشعبان شهر السقي للزرع ، ورمضان شهر حصاد الزرع . وعنه قال: مثل شهر رجب مثل الريح ، وشهر شعبان مثل الغيم ، وشهر رمضان مثل المطر . وقال بعضهم: السنة مثل الشجرة ، شهر رجب أيام توريقها ، وشعبان أيام تفريعها ، ورمضان أيام قطفها ، والمؤمنون قطافها .. (لطائف المعارف).
وقد تعددت نواحي الأفضلية لهذا الشهر ومن ذلك :
١- شهر شعبان أحب الشهور إلى الله جل جلاله :
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : «كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ أن يصومَهُ شَعبانُ، بل كانَ يصلُهُ برَمضانَ» أخرجه النسائي وسنده صحيح .
وقد حث النبي الكريم على استثماره في الصيام والعمل الصالح، فعن أسامة بن زيد : قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ ما تَصُومُ مِنْ شعبان قال : ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ” رواه النسائي ، وسنده حسن صحيح .
قال ابْنُ القَيِّم: “عَمَلُ الْعَامِ: يُرْفَعُ فِي شَعْبَان. وَعَمَلُ الْأُسْبُوعِ: يُرْفَعُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَعَمَلُ الْيَوْم يُرْفَعُ فِي آخِرِه، وَعَمَلُ اللَّيْل يُرْفَعُ في آخِرِهِ”.
وَمِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ عِندَ رَفْعِ الأَعمالِ: تَطْهِيرُ القَلْبِ مِن الحِقدِ والحَسَدِ، والشَّحْنَاءِ والبغضاء.
قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ؛ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ”..
(أخرجه الإمام مسلم).
قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: “أَفْضَلُ الأَعْمَال: سَلَامَةُ الصُّدُوْرِ، وَسَخَاوَةُ النُّفُوْس”.
وترفع فيه الأعمال؛ لأنه يعد الشهر الذي يرفع فيه تقرير العباد السنوي ، فهو ختام العام الإيماني ، كما أن يوم الخميس يرفع فيه التقرير الأسبوعي ..
إِنَّهُ شَهْرٌ عَظِيمٌ، تُرْفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العِزَّةِ والجَلَال..
وبين النبي ﷺ أن شعبان يقع بين شهرين كريمين ، وهما رجب وهو وهو من الأشهر الحرم ، ورمضان وهو شهر القرآن والصيام، فيهتم الناس بعمل الخيرات فيهما ويغفلون عن العمل الصالح في شهر شعبان فكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يكثر من الصيام في هذا الشهر ، وكان يكثر من العبادة ويحث عليها عند غفلة الناس..
قالَ ابْنُ رَجَب: “وفي الحديث دَلِيلٌ على اسْتِحْبَابِ عِمَارَةِ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بالطَّاعَة، وأَنَّ ذَلِكَ مَحْبُوبٌ للهِ -عز وجل-”.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ» أخرجه الإمام مسلم.
وكان رسول الله ﷺ يكثر من صيام شعبان؛ فعن عائشة رضى الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» متفقٌ عليه.
إن النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، “لَمْ يَكُنْ يَصومُ مِنَ السَّنَةِ”، أي: مِنْ سائرِ أَشْهُرِ السَّنَةِ، “شَهْرًا تامًّا”، أي: غيرَ رمَضانَ، “إلَّا شَعْبانَ، يَصِلُه برمَضانَ”، أي: كان يَصِلُ صِيامَ شعبانَ بصيامِ شَهْرِ رَمضانَ، والمُرادُ بإتمامِه لشعبانَ صيامُ مُعظَمِه؛ لِمَا ثَبَتَ في الحديث السابق أنَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمْ يُكْمِلْ صيامَ شَهْرٍ إلَّا رمضانَ..
كما أن الله عز وجل أنزل الأمر بفرضية الصيام في شهر شعبان في السنة الثانية من هجرة النبوية الشريفة ..
وقال ابن رجب رحمه الله: صيام شعبان كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام، ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.. (لطائف المعارف)..
٢- شهر نزول الأمر بالصلاة على النبي ﷺ
من فضائل شهر شعبان أنه نزل فيه الأمر بالصلاة على رسول الله..
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(الأحزاب: ٥٦).
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ : ” أَولَى النَّاسِ بي يومَ القيامَةِ أكثَرُهم علَيَّ صلاةً ” أخرجه الإمام الترمذي وسنده حسن..
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «من صلى عَلَيَّ صلاةً ؛ صلى اللهُ عليه عشْرًا، وحُطَّتْ عنه عَشْرُ خطيئاتٍ، ورُفِعَتْ له عَشْرُ درجاتٍ» رواه النسائي وابن حبان.
فاكثروا من الصلاة على النبي ﷺ ومعلوم أن كثرة الصلاة على سيدنا رسول الله ﷺ سبب للخير وتفريج الكربات ..
عن أبى بن كعب رضي الله عنه قال: «قلتُ يا رسولَ اللهِ! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ، قلت: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟! قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟! قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك» ابن حجر..
٣- يستحب فيه تلاوة القرآن الكريم وقيام الليل
عن سلمةُ بن كهيل: كان يُقال: شهرُ شعبان شهرُ القرَّاء، وكان عمر بن قيس إذا دخل شعبانُ أَغْلق حانوتَه، وتفرَّغ لقراءة القرآن.
كما أن على المسلم أن يقيم الليل ولو بركعتين ..
عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «عليكمْ بقيامِ الليلِ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، و منهاةٌ عنِ الإثمِ، و تكفيرٌ للسيئاتِ، و مطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ» رواه السيوطى.
٤- أنه الشهر الذي فرض فيه ركن الزكاة
فرضت الزكاة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك في السنة الثانية قبل فرض رمضان،
ثم فرضت زكاة الفطر في رمضان، وفرض الزكاة بعد فرض الصلاة (المكتبة الشاملة)..
ويستحب كذلك كثرة الصدقات فهي من أبواب الخيرات وكثرة البركات
وَمَنْ دَخَلَ عَلَيهِ شَعْبَانُ، وَبَقِيَ عَلَيهِ قَضَاء رَمَضَان؛ فَلْيُبَادِرْ إلى قَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَان! قالتْ السيدة عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ”(متفق عليه).
وَلا يُشْرَعُ تَقَدُّمُ رَمَضَان بَصَوْمِ يَومٍ أو يَوْمَينِ. مَا لَمْ يَكُنْ صَوْمًا وَاجِبًا؛ مِثْل قَضَاءِ رَمَضَان، أَوْ وَافَقَ صَوْمًا مُعْتَادًا؛ كَصِيَامِ الإِثْنَينِ والخَمِيس، قالَ -عليه الصلاة والسلام-:
“لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ، إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ”(متفق عليه).
وَيَحْرُمُ صَوْمُ يَومِ الشَّكِ بِقَصْدِ الاِحْتِيَاطِ لِرَمَضَان. وَيَوْمُ الشَّكِ: هُوَ الَّذِي يشك فيه أنه من رمضان ، و في السَّماءِ مَا يَمْنَعُ رُؤْيَة الهِلَال؛ فَحِيْنَئِذٍ يَجِبُ إِكْمَال شعبانَ ثَلاثِينَ يَوْمًا؛ قالَ عَمَّارُ بُنُ يَاسِر-رضي الله عنه-: “مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي شك فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم .. أخرجه الإمام الترمذي وسنده حسن صحيح..
وقال الإمام النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى: “فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ؛ فَالْفَرْضُ أَوْلَى”.
وختاماً : فيا إخوة الإسلام أَكْرِمُوا شَهْرَ شَعْبَان؛ فَهُوَ سَفِيرُ رَمَضَان، ومَحَطَّةٌ لِلْتَّزَوّدِ مِنْ الإِيمانِ، والتَّرْوِيضِ على فِعْلِ الطَّاعَات، وتَرْكِ المُنْكَرَات؛ اِسْتِعْدَادًا لِشَهْرِ الخَيْرَاتِ.كما كان يفعل صحابة رسول الله يستعدون في شهر شعبان لاستقبال شهر رمضان المبارك ..
كما ينبغي لنا أن نتصالح مع الله ، ونتصالح مع أنفسنا، ونتراحم فيما بيننا ، ولا سيّمَا ونحن مقبلون على ليالي وأيام مباركة ، أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وليلة النصف من شعبان ، وأصح ما جاء في فضل ليلة النصف من شعبان قوله عليه الصلاة والسلام : «إنَّ اللهَ تعالى لَيطَّلِعُ في ليلةِ النصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلْقِه، إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ» .(صحيح الجامع) .
اللهم بارك لنا في شهر شعبان وبلغنا رمضان وارزقنا فيهما عمل الصالحات ، واللّهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها ، واللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر