خطبة الجمعة القادمة لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع
بتاريخ 7 فبراير 2025 م – 8 شعبان 1446 هجرية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه )
العناصر
أولا : شؤم المعاصى وعقوبتها
ثانيا : معاصى الجوارح والقلوب
ثالثا : كيف النجاة
العنصر الأول شؤم المعاصى وعقوبتها
فإن للطاعةِ من البركةِ ما يبقى حتى بعدَ موتِ صاحِبِها. قال سبحانه: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].
وقال سبحانه في قصة موسى مع الْخَضِر: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82].
فَحَفِظ الله الأبناء بصلاح الآباء، وذلك من بركة الطاعة.
وإن للمعصية ضررًا وشؤمًا يلحقُ صاحبَها ولو بعد الموت، قال سبحانه عن آل فرعون: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45، 46]. وقد حذرنا ربنا من المعاصى سواء كانت ظاهرة أو باطنة فقال ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون )
وقال جل جلاله عن بني إسرائيل: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا… ﴾ [الأعراف: 167، 168].
قال ابن القيم – رحمه الله –: وما الذي أخرجَ الأبوينِ من الجنّةِ دارَ النَّعيمِ والبهجَةِ والسرور إلى دارِ الآلام والأحزانِ والمصائب؟
وما الذي أخرجَ إبليسَ من ملكوتِ السماءِ وطردَه ولَعَنَه، ومسخَ ظاهرَه وباطنَه، فَجَعَلَ صورتَهُ أقبحَ صورةٍ وأشنَعها، وباطِنَه أقبحَ من صورتِه وأشْنَع، وبُدِّلَ بالقربِ بُعدًا، وبالرحمةِ لَعْنَةً، وبالجمالِ قُبْحًَا، وبالجنة نارًا تلظى، وبالإيمان كفرا، وبموالاةِ الوليِّ الحميدِ أعظمَ عداوةٍ ومُشاقّةٍ، وبِزَجَلِ التسبيحِ والتقديسِ والتهليلِ زَجَلَ الكفرِ والشركِ والكَذِبِ والزورِ والفحش، وبلباسِ الإيمانِ لباسَ الكفرِ والفسوقِ والعصيانِ، فهانَ على الله غايةَ الهوانِ، وسَقَطَ من عينه غايةَ السقوطِ وحَلَّ عليه غضبُ الربِّ تعالى فأهْواهُ، ومَقَتَهُ أكبرَ المقتِ فأرداهُ، فصار قَوّادًا لكل فاسقٍ ومجرم. رضي لنفسه بالقيادةِ بعد تلك العبادةِ والسيادةِ! فَعِيَاذًا بك اللهمَّ من مخالفةِ أمرِك، وارتكابِ نهيِك.
وماالذي أغرقَ أهلَ الأرضِ كلَّهم حتى علا الماءُ فوقَ رؤوسِ الجبال؟ وما الذي سلطَ الريحَ على قومِ عادٍ حتى ألقتْهُم موتى على وجهِ الأرضِ، كأنهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ؟ ودَمَّرَتْ ما مَرَّتْ عليه مِنْ ديارِهم وحروثِهم وزروعِهم ودوابِّهم، حتى صاروا عبرةً للأممِ إلى يومِ القيامة.
وما الذي أرسلَ على قومِ ثمودَ الصيحةَ حتى قَطّعَتْ قلوبَهم في أجوافِهم، وماتوا عن آخرهم. وما الذي رفعَ قرى اللوطيةِ حتى سَمِعَتْ الملائكةُ نبيحَ كلابِهم، ثم قَلَبَهَا عليهم فجعل عاليَها سافِلَها فأهلكَم جميعا، ثم أتْبَعَهُم حجارةً من السماءِ أمطرَها عليهم؟ فَجَمَعَ عليهم مِن العقوبةِ ما لم يَجْمَعْهُ على أُمّةٍ غيرِهم، ولإخوانهم أمثالُها، وما هي من الظالمين ببعيد.
وما الذي أرسلَ على قومِ شُعيبٍ سحابَ العذابِ كالظُّلَلِ، فلما صار فوقَ رؤوسهم أمطرَ عليهم نارًا تلظى؟
وما الذي أغرقَ فرعونَ وقومَه في البحر، ثم نَقَلَ أرواحَهم إلى جهنمَ؛ فالأجسادُ للغرقِ، والأرواحِ للحَرَقِ؟
وما الذي خسفَ بقارونَ وداره ومالِهِ وأهلِه؟
وما الذي أهلكَ القرونَ من بعد نوحٍ بأنواعِ العقوباتِ ودمَّرها تدميرا؟
وما الذي بعثَ على بني إسرائيل قومًا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسُوا خلالَ الديارِ، وقَتَّلُوا الرجال، وسَبَوا الذراريَ والنساء، وأحرقوا الديارَ ونهبوا الأموالَ، ثم بعثهم عليهم مرةً ثانيةً فأهْلَكُوا ما قَدَرُوا عليه، وتَبَّرُوا ما علو تتبيرا؟
إنها الذنوبُ المهلكات. قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 6].
وقال جل جلاله: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾ [غافر: 21].
وصدق الله: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
إن الذّنوب تُورِث الذِّلّة والمهانة.
روى الإمام أحمدُ في الزُّهد وغيرُه عن جُبيرِ بنِ نُفيْر قال: لما فُتِحَتْ قبرص فُرِّقَ بين أهلِها فبكى بعضُهم إلى بعض، ورأيتُ أبا الدرداءِ جالسًا وحدَه يبكي، فقلتُ: يا أبا الدرداء! ما يبكيكَ في يومٍ أعزَّ اللهُ فيه الإسلامَ وأهلَه؟ قال: ويحَك يا جبير؛ ما أهونَ الخلقِ على اللهِ إذا أضاعوا أمرَه. بينما هي أمةٌ قاهرةٌ ظاهرةٌ لهم الملكُ، تركوا أمرَ اللهِ فَصَارُوا إلى ما ترى إنه ليس هناك أحدٌ بينه وبين الله نَسب، ولذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه. رواه مسلم.
فَعَمَلُ المسلم هو حسبُه ونسبُه وهو فخره وشرفُه في الدنيا والآخرة.
كم رفَعَ العِلم أقوامًا، وكم خفض الجهل آخرين.
كان عطاء ابن أبي رباح عُبيدًا أسودًا لامرأة من مكة وكان أنفه كأنه باقلاء، فجاءه سليمان بن عبدالملك وهو أمير المؤمنين جاء هو وابناه إلى عطاء، فجلسوا إليه وهو يصلي فلما صلى انفتل إليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حوّل قفاه إليهم ثم قال سليمان لابنيه: قوما؛ فقاما، فقال: يا بَني لاتَنِيَا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلّنا بين يدي هذا العبد الأسود.
وكان محمد بن عبد الرحمن الأوقص عنقُه داخلٌ في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زُجّان، فقالت أمه: يا بني لا تكون في مجلس قوم إلا كنت المضحوكَ منه المسخورَ به، فعليك بطلب العلم؛ فإنه يرفعك، فولى قضاء مكة عشرين سنة، وكان الخصم إذا جلس اليه بين يديه يرعد حتى يقوم. ومرت به امرأة وهو يقول: اللهم اعتق رقبتي من النار، فقالت له: يا ابن أخي وأي رقبة لك!
فالعلم الذي يُثمر تقوى الله والبعد عن معصيته هو العلم الحقيقي، فإن مَن كان بالله أعرف كان منه أخوف.
إنه لو لم يكن من شؤم المعصيةِ إلا أن صاحبَها وإن مضى في الغابرين، وذهَبَ في الذّاهبين لا يزالُ يُكتبُ عليه إثمُها، ويجري عليه عذابُها، إذا كانت متعدية.
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « لا تُقتلُ نفسٌ ظُلما إلا كان على ابنِ آدمَ الأولِ كفلٌ مِنْ دمها لأنه أولُ من سَنَّ القتل » رواه البخاري ومسلم.
ومثله آثام المُغنّين والمُغنّيات، وسائر أهل الفجور الذين لا تزال معاصيهم بين الناس عبر الأشرطة المرئية والمسموعة، فإنه كلما استمعها مُستَمِع أو شاهدها مُشاهِد كُتِبَ عليهم مثل آثام مَن استمع أو شاهَد، ويتوب الله على مَن تاب.
يدلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: « من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده مِن غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده مِن غير أن ينقص من أوزارهم شيء » رواه مسلم.
قال ابن القيم: ومن آثار الذنوب والمعاصي إنها تحدث في الارض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، فالمراد بالفساد والنقص والشر والالآم التي يُحدثها الله فى الأرض بمعاصي العباد، فكل ما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة، كما قال بعض السلف:كل ما أحدَثْتُم ذنبا أحدَث الله لكم من سلطانه عقوبة، والظاهر والله أعلم أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ [الروم: 41] فهذا حالنا، وإنما إذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة.
ومن تأثير معاصي الله في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكُون، ومَن شُرب مياهِهم، ومن الاستسقاء من أبيارهم لتأثير شؤم المعصية في الماء، وكذلك شؤم تأثير الذنوب فى نقص الثمار، وما ترى به من الآفات، وقد ذكر الإمام أحمد فى مسنده فى ضمن حديث قال: وُجِدَتْ في خزائن بعض بني أمية حنطةٌ الحبة بقدر نواة التمرة، وهي في صرةٍ مكتوب عليها: كان هذا يَنْبُتْ في زمن من العدل.
وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب.
وإن مِنْ شؤمِ المعصية على صاحِبِها ما يلي:
أن المعصيةَ تُورِثُ صاحِبَها وحشةً في القلب، وتكونُ سببًا في حِرْمانِ العلم.
وذلك أن القلبَ بيتُ الرب – كما يقول ابن القيم – فإذا عُمِرَ بغير ذكر مولاه أظلم، وبِقَدْر إعراض العبد عن ذِكْرِ الله يكون لديه من الضّنْكِ وضيق الصّدر وانقباض النفس، وإن انطَلَقَ صاحبها في الحياة فهو غير سعيد، لأن التّقيَّ هو السعيد، وأما العلم فهو نورٌ، ونورُ الله لا يؤتاه عاصي – كما قال الإمام الشافعي –.
والمعصية سبب في ضيق الصدر، وقَلَق النفس، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124].
وهذا بخلاف الطاعة التي تشرح الصدر، وتطمئن معها النفس، قال جل جلاله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
أنّ صاحبَ المعصيةِ تلعنُه حتى البهائم، بخلاف صاحب الطاعة.
قال مجاهدٌ في تفسير قولِه تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159] قال: إن البهائمَ تلعنُ عصاةَ بنى آدم إذا أشتدت السنةُ وأمسكَ المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن ادم.
أما صاحب الطاعة فقال فيه صلى الله عليه وسلم: إن اللهَ وملائكتَه وأهلَ السماوات والأرَضين حتى النملةَ في جحرها وحتى الحوتَ ليُصَلُّون على معلمِ الناس الخير. رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم لما مُرَّ عليه بجنازة: مستريح ومستراح منه. قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. رواه البخاري ومسلم.
حِرْمانُ الطاعة، كما قال ابن القيم:
حُبُّ الكتابِ وحبُّ ألحانِ الغناء في قلبِ عبدٍ ليس يجتمعان.
وذلك أن الطاعة قُربةٌ إلى الملك الديان، فلا يجد عبدٌ لذة الطاعة إلا بابتعاده عن المعصية، ولذا قال سبحانه في المنافقين: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46].
قال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك.
وقال شابٌ للحسن البصري: أعياني قيام الليل، فقال: قيدتك خطاياك.
وقال ابن تيمية: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الاخرة.
أن المعاصي سببٌ لِهوانِ العبدِ على ربِّه، فلا عِزّةَ إلا في طاعةِ العزيزِ سبحانه.
قال الحسنُ البصري عن العصاة: هانُوا عليه فَعَصَوه، ولو عزُّوا عليه لَعَصَمَهُم.
وقال عبدُ الله بن المبارك:
رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ
وقد يورثُ الذُّلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ
وخيرٌ لنفسِك عِصيانُها
قال الحسن بن صالح: العملُ بالحسنة قوةٌ في البدن، ونورٌ في القلب، وضوءٌ في البصر، والعملُ بالسيئة وهنٌ في البدن، وظلمةٌ في القلب، وعمىً في البصر.
وقال إبراهيم بنُ ادهم: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعَةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القبر والقلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبُغْضَةً في قلوب الخلق.
أن المعصية إذا أحاطتْ بصاحبها أدخَلَتْهُ النار، قال سبحانه: ﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 81].
قال القرطبي: السيئة الشرك. قال ابن جريج: قلت لعطاء: ﴿ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾ قال: الشرك، وتلا: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾ [النمل: 90] وكذا قال الحسن وقتادة، قالا: والخطيئة الكبيرة.
وإن الذنوب إذا اجتَمَعتْ أهلكتْ صاحبها، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقَّرات الذنوب،فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فَحَضَرصنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجئ بالعود حتى جمعوا سوادًا؛ فأجَّجوا نارًا وأنضَجَوا ما قَذَفوا فيها. رواه الإمام أحمد وغيره.
أن الذنوب تَخُونُ صاحبَها في أحلك الظروف، وأصعب المواطن، خاصة عند الموت.
قال ابن القيم: ومن عقوباتها أي المعاصي أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه … وثَمّ أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمرّ، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال الى الله تعالى، فربما تعذّر عليه النطق بالشهادة، كما شاهَدَ الناس كثيرا من المحتضَرين أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فقال: آه آه. لا أستطيع أن أقولها… وقيل لآخر:قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء… وقال: وما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركبتها ثم قَضَى، ولم يَقُلْها، وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يُغْنِي عَنِّي، وما أعلم أني صليت لله تعالى صلاة، ثم قَضَى ولم يقلها، وقيل لآخر ذلك فقال: هو كافر بما تقول، وقَضَى، وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها فلساني يُمسِك عنها.
وهل تُهزمُ الجيوش، وتَذِلُّ الأمم إلا بالذنوب والمعاصي.
وهل أصاب الصحابة ما أصابهم يوم أحد وحُنين إلا بشؤم المعصية.
﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 90].
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25].
فهؤلاء الأخيار الأبرار أصابهم ما أصابهم بذنبٍ واحدٍ، فما بال من جَمَع المئين.
يا ناظرًا يرنو بعينيّ راقدِ
ومُشاهِدًا للأمر غيرُ مشاهِدِ
تَصِلِ الذنوب إلى الذنوب وترتجي
درج الجنان ونيل فوز العابد
أنسيتَ ربك حين أخرج آدما
منها إلى الدنيا بذنبٍ واحدِ
أن الذنوب تكون بمثابة الغطاء على القلب، فلا يذكر الله عز وجل، ولا يتذكّر الدار الآخِرة، فيُحجب قلبُه في الدنيا عن ربِّه، ثم يَحجِبْه ربُّه جل جلاله عن رؤية وجهه الكريم ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [المطففين: 14 – 17].
أن الذنوب والمعاصي سبب في زوال النِّعم.
قال سبحانه وبحمده: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
قال الإمام الشافعي:
إذا كنت في نعمةٍ فارعَها
فإن المعاصي تُزيلُ النّعم
وحُطها بطاعةِ ربِّ العباد
فرَبُّ العبادِ سريعُ النِّقَم
ومن شؤم المعصية أنها تكون سببًا في عذاب القبر، فقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: أمَا إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله. رواه البخاري ومسلم.
ومِنْ عقوبات المعاصي في الآخِرة:
عذاب المتكبّرين،
قال صلى الله عليه وسلم: يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذّل من كل مكان، فَيُساقُون إلى سِجن في جهنم يُسمى بولُس، تعلوهم نار الأنيار، يُسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال. رواه أحمد والترمذي، وهو صحيح.ومن عذاب الله على العاصى
إعراض الله وحجابه عن العاصِين، فيا حسرة على العباد عندما يُعرِض عنهم رب العِزّة سبحانه.
قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى. رواه أحمد والنسائي.
أن أهل المعاصي والكبائر خاصة يُعتبرون من أهل الجرائم، فيُحشرون يوم القيامة سُود الوجوه.
قال عز وجل: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴾ [طه: 102].
قال البغوي: والزُّرقة هي الخضرة في سواد العين، فيُحشرون زرق العيون سود الوجوه، وقيل: زُرقا: أي عميا، وقيل: عِطاشا.
ويوم القيامة تسودّ وجوه العُصاة. قال تبارك وتعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [آل عمران: 106].
هذا غيضٌ من فيض، ونزرٌ يسير مِن آثار الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع، في الدنيا والآخِرة، لتكن على بصيرة قبل أن تُقدم على معصية الله، وليِّ نعمتِك، ومانحَك الصحة والعافية، ومعافيك في بدنك، ومؤمّنك في وطنِك، ومسبغ عليك نِعمَه ظاهرة وباطنه.
أود توضيح أمرٍ، والإجابة على سؤال قد يطرأ، وهو سؤال يرد أحيانًا: لماذا يتنعّم الكفّار في هذه الحياة الدنيا، ولا تُصيبُهم هذه العقوبات؟
وجوابًا عليه أقول:
أولًا: لا يخفى على كلِّ ذي لبٍّ ما يُصيبَهم من كوارث وزلازل وأعاصير وفيضانات وغيرها مما هو مُشاهَدٌ وواضح.
ثانيًا: أن الكفار عُجِّلتْ لهم طيّباتهم في هذه الحياة، قال الحقّ تبارك وتعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20].
وصحّ عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر. رواه مسلم.
وإذا كان الأمر كذلك فإن الكفار يعيشون جنّتهم في هذه الحياة الدنيا، وما يُصيبُهم من أمراض وكوارث وغيرها إنما هي بعض عقوباتهم، بخلاف المسلم فإن ما يُصيبه في هذه الحياة الدنيا إنما هو كفّارة لذنوبه وتمحيصٌ له.
وقد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسنات ماعمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزى بها. رواه مسلم.
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32].
والله سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال حبة من خردل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40].
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].
وما يُصيب الناس من مصائب وكوارث وأمراض إنما هو بما كسبتْ أيديهم، وهو مؤاخذةٌ لهم ببعض ما كسبوا، قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
العنصر الثانى معاصى الجوارح والقلوب
وهما معصيتان يؤثر كل منهما على الإنسان، لكن قد يظن البعض أن معاصي الجوارح هي الأكثر خطورة؛ بينما معاصي القلوب قد تكون أشد خطرًا إذا لم يُنتبه لها. ولنشرح معًا هذه المعاصي وكيفية تجنبها.
أولًا: معاصي الجوارح
الجوارح هي الأعضاء التي يتنقل بها الإنسان في حياته اليومية، مثل العينين والأذنين واللسان واليدين والقدمين. هذه الأعضاء يمكن أن تقع في المعاصي إذا لم يتم التحكم فيها وفقًا لشرع الله.
معاصي العين
من معاصي الجوارح التي تقع كثيرًا في زماننا النظر إلى ما حرم الله، مثل النظر إلى المحرمات من النساء أو إلى الأفلام والصور التي تؤدي إلى الفتن. وقد حذرنا الله تعالى في كتابه الكريم من هذا حيث قال:
“قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ” [النور: 30].
النظرة المحرمة قد تفتح أبوابًا من الشهوات والأفكار السيئة التي تؤدي إلى الوقوع في معاصٍ أخرى.
معاصي اللسان
اللسان من أعظم نعم الله علينا، ولكن إذا لم نحسن استخدامه فإنه قد يؤدي إلى معاصٍ عظيمة، مثل: الكذب، والغيبة، والنميمة، والسخرية من الآخرين. قال صلى الله عليه وسلم:
“من صمت نجا” [رواه الترمذي]. وقال النبى صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
وقال أيضا من يضمن لى مابين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة
فاللسان هو الذي يشعل الفتن في كثير من الأحيان، ويجب على المسلم أن يتحفظ من الكلام إلا بما يعود عليه وعلى المسلمين بالخير.
معاصي اليدين والقدمين
اليدين والقدمان يمكن أن تقع في معاصي عظيمة إذا لم يُوجه الإنسان تصرفاته بشكل صحيح. قد تتسبب اليدان في السرقة أو في إيذاء الآخرين، كما أن القدمين قد تقودان صاحبها إلى أماكن تُغضب الله مثل الحانات أو الأماكن المحرمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أريع عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه” [رواه الترمذي].
هنا يظهر أثر معاصي الجوارح على حياة المسلم وعلى أعماله يوم القيامة.
ثانيًا: معاصي القلوب
إن معاصي القلوب قد تكون أكثر خطورة من معاصي الجوارح، لأن القلوب هي محل الإيمان والعلاقة مع الله. وهنالك العديد من الأمراض القلبية التي قد تفتك بالإيمان وتؤدي إلى الضلال والعياذ بالله.
الكبر
الكبر هو مرض في القلب يمنع صاحبه من التواضع أمام الله والآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” [رواه مسلم].
الإنسان المتكبر يحرم نفسه من الكثير من الخيرات، لأنه لا يستطيع أن يتواضع ولا يعترف بخطئه.
الرياء
الرياء هو أن يعمل الإنسان الأعمال الصالحة ليُرى من الناس أو ليحصل على مدحهم، وليس لوجه الله تعالى. قال تعالى:
“إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” [الإنسان: 9].
الرياء يقضي على حسنات العمل ويجعلها لا قيمة لها في ميزان الله، لأن النية تكون لأجل الناس لا لأجل الله.
* الحسد
الحسد من المعاصي التي تفتك بالقلب وتغضب الله. الحاسد لا يتمنى للآخرين الخير بل يتمنى أن تزول النعمة عنهم، وهذا يُضعف الإيمان ويؤدي إلى التوتر والقلق في النفس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها” [رواه البخاري].
الحسد من أفتك الأمراض التي تؤثر في علاقاتنا بالآخرين وبالله.
الشرك بالله
الشرك بالله هو أعظم المعاصي التي تؤثر في القلب، وتجعل صاحبه بعيدًا عن الله. قال الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء . فاشرك هو فساد القلب الأكبر، ولا يمكن أن يُغفر إلا بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله.
العنصر الثالث كيف النجاة
التوبة
أمرنا الله جميعًا بالتوبة فقال سبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فإذا أردنا الفوز بالجنة والنجاة من النار فلنتب إلى الله بإخلاص، توبة صادقة، نترك الذنوب والمنكرات الظاهرة والباطنة، ونعمل بالواجبات بقدر الاستطاعة، فالتوبة هي: تركُ الذُّنوب الظاهرة والباطنة، والنَّدمُ على الوقوع في المعصية والتفريطِ في الطاعة، والعزيمةُ على الاستقامة على عبادة الله، والتوبة هي حقيقة الإسلام، والدِّينُ كلُّه داخلٌ في مُسمَّى التَّوبة، وبهذا استحقَّ التائبُ أن يكون حبيب الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
والتوبة هي الرجوع عمَّا يَكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يُحبُّه ظاهرًا وباطنًا، فيكون التائب في جميع أحواله حتى في خلواته كما يحب الله، والتوبة غايةُ كلِّ مؤمن، وهي بدايةُ الأمر وآخره، فكل مسلمٍ مأمور بالتوبة وتجديدِها دائمًا ما دام حيًّا، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة،
والتعظيم والخشية؛ ولذلك شُرِع لمن فرغ من صلاته أن يستغفر الله، وقال الله سبحانه: ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ [فصلت: 6]، فأمر الله بالاستقامة أولًا، ثم أمر بالاستغفار ثانيًا.
التوبةُ واجبةٌ على كل مسلم ومسلمة من كلِّ معصية، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله لا تتعلق بحقِّ آدميٍّ فلها شروطٌ ثلاثة، وهي:
1- أن يُقلِع عن المعصية، سواء كانت أمرًا محرَّمًا يقع فيه، أو كانت أمرًا واجبًا يتهاون به، فيتوب إلى الله بترك المعصية وفعل الواجب.
2- أن يندم على فعل المعصية.
3- أن يعزم على ألَّا يعود إلى المعصية أبدًا، فهذه شروط التوبة المقبولة، وهي ثلاثة شروط: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، ويُزاد شرطٌ رابع
إذا كانت المعصية تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ، وهي أن يبرأ من حقِّ صاحبه؛ فإن كان مالًا ردَّه إليه، وإن كان غِيبةً استحلَّه منها إن أمكن بلا مفسدة، أو أثنى على من اغتابه ودعا له وتصَدَّق لنيته ونحو ذلك، ويجب على كل مسلم أن يتوب من جميع الذُّنوب، فإن تاب من بعضها صَحَّت توبته من ذلك الذَّنب، وبقي عليه التوبة من باقي المعاصي والمخالفات التي لم يتُبْ منها، وإنما التوبة بالعمل، والرجوعِ من المعصية إلى الطاعة، وليست التوبة بالكلام، ولا بالاستغفار بلا إقلاعٍ ولا ندمٍ، ولا عزيمة على الاستقامة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، ووصف الله عباده الصالحين بقوله: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]، وقال سبحانه: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].
عباد الله، لا يقبل الله توبة العبد إذا حضره الموت، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18].
الله يريد أن يتوب علينا، ومن أسمائه التوَّاب، فهو كثير التوبة على من تاب، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28].
يا عباد الله، من أراد الجنة فلا بد له من التوبة، فقد جعل الله التوبة شرطًا لدخول الجنة، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8]
أيها المسلمون، لنتب إلى الله جميعًا توبةً نصوحًا، توبةً من الذنوب الظاهرة والخفية، توبةً من المعاصي التي نقترفها، توبةً من الفرائض والواجبات والسنن التي نتهاون بها، توبةً من المكروهات التي نفعلها بلا حاجة، توبةً من سوء الأخلاق، فالمسلمُ من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، توبةً من إيذاء الجيران والضعفاء والتقصير في حقوقهم، توبةً من إيذاء الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها، والتقصير في حقوق الزوجية، فخير الرجال خيرهم لأهله، وخير النساء خيرهن لأهلها.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)).
الابتعاد عن المحرمات بيدينا وقدمي
اليدان والقدمان يمكن أن تقودنا إلى معاصٍ مثل السرقة أو الإيذاء أو الذهاب إلى أماكن محرمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه” [رواه الترمذي]
تطهير القلب من الكبر
الكبر هو مرض قلبي يؤثر في سلوك الإنسان ويمنعه من التواضع أمام الله وأمام الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” [رواه مسلم].
علينا أن نُبصر أنفسنا ونتذكر أن الكبر لا ينفع الإنسان، وأن الله هو الذي يرفع من يشاء ويخفض من يشاء. فلنتواضع في القول والعمل، ونتذكر أن كل شيء بيد الله تعالى
الدعاء
لا شيء يمكن أن يحفظنا من المعاصي مثل الدعاء المستمر. نسأل الله أن يوفقنا للابتعاد عن المعاصي وأن يُطهر قلوبنا وأعمالنا.
الصحبة الصالحة
الصحبة الجيدة تذكرنا بالله وتساعدنا على الالتزام بالفضائل، فهي تَسهم في تقوية إيماننا وتُحسن سلوكنا. قال الله (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا)
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن تشم منه ريح طيب أو تبتاع منه ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تشم منه ريح خبيث)