اللسان فى روضة النبى العدنان
31 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الدكتور : رزق ندا
أمام وخطيب بوزارة الأوقاف
اللسان هو العضلة التي يعبر بها الإنسان عما بداخله ، ولذا فهو من أهم الجوارح التي توصل صاحبها إما إلى النجاة وإما إلى الهلكة ، وكم من شخص تكلم بكلام أوبق به حياته ، وكم من شخص تكلم بكلام كتب له به الرفعة والسؤدد ، فاللسان كما قيل حصان ، من صانه نجا وسلم ، ومن ركب به كل علو سفل وخاب وخسر وهلك ، ولذلك فالواجب على المرء ألا يتكلم بكلام هو يعلم حينها أنه لا فائدة منه ، وأن الأولى في حقه حينها السكوت ، قال صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت .» ( متفق عليه )
واللسان مهلكة غالبا ، والشخص إذا تكلم بكلام من الصعب عليه أن يرده ، وكما قيل فالإنسان يملك الكلمة ما لم يتكلم بها فإذا تكلم بها ملكته .
والإنسان إذا استشعر أن كلامه مُحصى عليه وأنه قد يهلك بسببه ، أقلَّ الكلام ولم يستكثر منه ، قال تعالى : ” مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ” ( ق: 18 ) .
وعن معاذ بن جبل قال: قلت : يا رسول الله ، أنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم : « ثكلتك أمك يا معاذ بن جبل ، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم » ( أحمد ، والطبراني في الكبير ) .
والمرء قد تكتب له السعادة في الدنيا والآخرة بكلمة ، وقد يكتب عليه الشقاء أيضا بكلمة والعياذ بالله تعالى ، ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها في جهنم “
وقال صلى الله عليه وسلم : « إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه » ( مالك والترمذي وأحمد ) . فبكلمة قد تكتب للمرء النجاة والسعادة ، وبكلمة قد يكتب على المرء الشقاء والتعاسة .
وآفات اللسان كثيرة لا تُحصى ؛ كالكذب ، والسب والشتم واللعن والقذف ، وقول الزور ، والتطاول في أعراض الناس ، والاستهزاء بهم ، والتقليل من شأنهم ، وقول الباطل وإظهاره ، وإخفاء الحق وإقصائه ، والتحريش بين الناس، والتحريض ، ونقل الكلام بينهم للإيقاع بهم ، والغيبة بذكرهم بالسوء ورميهم بالنقيصة ، والسعي بينهم بالنميمة ، والغش والاحتيال والنفاق … والكثير غير ذلك من آفات اللسان .
ومن أقبح صور الكلام المحرم إطلاق العنان للسان للتكلم في أعراض الناس وتتبع عوراتهم وزلاتهم ، قال صلى الله عليه وسلم : « لا تؤذوا عباد الله ، ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم ؛ فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته » ( أحمد )
والتكلم في أعراض الناس دليل على قلة الإيمان وضعف النفس والعقل ، وهو نذير شؤم وهلكة ؛ لما يتولد عنه من مشاكل وأحقاد في قلوب الناس .
عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال : « يا معشر من قد آمن بلسانه ولم يفض الإيمان على قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رَحلِه » ( أبو داود والترمذي وأحمد ) .
ومن صور الكلام المحرم النهي عن المعروف والأمر بالمنكر ، والإعانة على الظلم والعدوان، وإيقاع الناس في الفتن ، وإذكاء الخصومات ، قال صلى الله عليه وسلم : « من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله » ( أبو داود والترمذي ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : « من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال » ( أبو داود والحاكم والبيهقي ) ؛ وردغة الخبال هي عصارة أهل النار .
وعن ابن عباس مرفوعا قال : قال صلى الله عليه وسلم : « من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم » ( الحاكم، والطبراني في الكبير ) .
ومن صور الكلام الحرام نقل الأخبار والتكلم في كل شيء يسمعه المرء وكأنه وكالة أنباء متنقلة ، يروج الأخبار ولا يتأكد من مدى صحتها ، ومن كان شأنه ذلك فهو ولا شك واقع في الكذب لا محالة ؛ لأن ليس كل ما يقال صحيح وصدق ، قال صلى الله عليه وسلم : « كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع » ( مسلم ) .
وأعلم أخي المسلم أن كثرة الكلام تعني كثرة السقطات والأخطاء ، فمن كثر كلامه كثرت أخطاؤه وزلاته. ، والمرء في حقيقة نفسه كثير الأخطاء والخلل والزلل لو كان يعلم ويعقل ، والعاقل من حاسب نفسه وكف عن عيوب الناس ، والجاهل من أشغل نفسه بعيوب الناس وترك عيوب نفسه ، قال صلى الله عليه وسلم : « لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية » ( مالك والترمذي ) .
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل : أي الناس أفضل؟ فقال : « كل مخموم القلب صدوق اللسان » قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب؟ قال : «هو التقي النقي ، لا إثم فيه ولا بغي ، ولا غل ولا حسد » ( ابن ماجة ، والطبراني في الكبير ) .
ولنتذكر دعاءه صلى الله عليه وسلم : « وأن يكون نطقي ذكرا » أي يكون ذكرك يا رب دوما على لساني ، فإن نطقت فأنت أول منطقي ولن أتكلم بشيء تكرهه .
اللهم اغفر ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .
اللهم استر عيوبنا وٱمن روعاتنا وعافنا واعف عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين .