من دروس الإسراء والمعراج
26 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد
الحمدلله الذى أيد نبيه بالآيات البينات فأسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فأراه الآيات الكبرى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد؛ فيا عبادالله: لقد جاء لقاء سيدنا رسول الله ﷺ بالأنبياء السابقين في الإسراء والمعراج تأكيداً على أن الأنبياء إخوة ودينهم واحد؛ فالإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾(آل عمران: ١٩)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى، وأنا أوْلى النَّاسِ بعيسى ابنِ مَريمَ» رواه أبو دواد.
وعنه قال رسول الله ﷺ: «مَثَلِي ومَثَلُ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيانًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ مِن زَواياهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به ويَعْجَبُونَ له ويقولونَ: هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ قالَ فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتَمُ النبيِّينَ»، وفي رِوايَةٍ:«مَثَلِي ومَثَلُ النبيِّينَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ» رواه مسلم.
قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد ﷺ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ﷺ، فمن لقي الله بعد بعثته محمداً ﷺ بدين على غير شريعته، فليس بمتقبل؛ قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(آل عمران: ٨٥)،
– ولقد جاءت صلاة سيدنا رسول الله ﷺ بالأنبياء إماما في بيت المقدس لتؤكد هذا المعنى، وفى المعراج استقبل أكابر الأنبياء والمرسلين سيدنا رسول الله ﷺ فاستقبله في السماء الأولى آدم عليه السلام ورحب به، واستقبله في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام، وفى السماء الثالثة استقبله يوسف عليه السلام، وفى الرابعة إدريس عليه السلام وفى السماء الخامسة يلتقى بهارون عليه السلام فيرحب به ويستقبله، وفى السماء السادسة يكون في استقبال سيدنا رسول الله ﷺ موسى عليه السلام، وفى السماء السابعة يستقبله خليل الله إبراهيم عليه السلام كما استقبله في كل سماء مقربوها.
– وفى هذا أبلغ دليل على أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين وأن محمداً ﷺ هو أفضلهم وأن كتابه أفضل الكتب وأن أمته أفضل الأمم مما يوحى برفعة وعظمة مكانته ﷺ عند ربه جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾(المائدة: ٤٨)، فالإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها فهو الدين الموافق لسعادة الناس جميعاً في معاشهم ومعادهم وفى كل زمان ومكان.
– فالإسلام دين نوح عليه السلام؛ حيث قال نوحٌ عليه السلام لقومه: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(يونس: ٧٢).
-والإسلام هو الدِّينُ الذي أمَرَ الله عز وجل به أبا الأنبياءِ إبراهيمَ عليه السلام: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(البقرة: ١٣١).
– والإسلام هو وصية الأنبياء لأبنائهم؛ قال تعالى: ﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: ١٣٢-١٣٣)
– وقال يوسفُ عليه السلام: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾(يوسف: ١٠١)،
– وقال كليم الله موسى عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾(يونس: ٨٤)،
– وقال السَّحَرَةُ لما آمنوا؛ ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾(الأعراف: ١٢٦)،
– وقالت بِلْقِيسُ ملكة سبأ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(النمل: ٤٤). وقال الحَوَارِيُّون لعيسى عليه السلام؛ ﴿آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(آل عمران: ٥٢)،
– وحين سَمِعَ فريقٌ من أهل الكتاب القرآنَ الكريم: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾(القصص: ٥٣)
– وأمر اللهُ عز وجل خاتم الأنبياءِ والمرسلين ﷺ: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾(الأنعام: ١٦٢-١٦٣)
– أي: مِنْ هذه الأُمَّةِ. فالإسلام – في لُغَةِ القرآنِ- ليس اسْمًا لدينٍ خاص، وإنما هو اسمٌ للدِّينِ المُشْتَرَكِ الذي أُرسل به جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
– فالعقائد وأصول الأحكام كالصلاة والصيام والزكاة والحج كلها كانت لدى الأمم السابقة؛ قال تعالى عن نبيه إسماعيل عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾(مريم: ٥٥).
– والصيام كان مشروعاً للأمم السابقة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(البقرة:١٨٣)،
– والحج موجود من عهد سيدنا إبراهيم ، قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾(الحج: ٢٧)،
– والأخلاق جاءت على لسان جميع الأنبياء والمرسلين؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» وفي رواية: «لأتمم مكارم الأخلاق» مصنف ابن أبي شيبة.
– إن ما نسخ من شرائع الرسل السابقين هي بعض التفاصيل، أما العقيدة وأصول العبادات والأخلاق فهي واحدة متفقة.
يقول الشاطبي رحمه الله:
القواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات لم يقع فيها نسخ، وإنما وقع النسخ في أمور جزئية، بدليل الاستقراء …بل قال الأصوليون أن الضروريات مراعاة في كل ملة…وهكذا يقتضي الأمر في الحاجيات والتحسينيات؛ وقد قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾(الشورى: ١٣)، وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(الأحقاف: ٣٥)، وقال بعد ذكر كثير من الأنبياء عليهم السلام: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾(الأنعام:٩٠)، وقال تعالى: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾(المائدة:٤٣).. الموافقات للشاطبى.
– ومن هذا المنطلق يجب التنبيه على أن الدين واحد وهو الإسلام لكن الشرائع جاءت تناسب كل قوم حسب زمانهم، والصواب أن يقال: الشرائع السماوية، لا الأديان السماوية.
– فالإسلام بالمعنى العام هو: التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادت التي جاءت بها رسله، فمنذ أن خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة. فهو على هذا المعنى يشمل ما جاء به نوح، وما جاء به موسى، وما جاء به عيسى؛ قال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾(الأحقاف: ٩)، والمؤمنون من أتباع الأنبياء السابقين كلهم كانوا مسلمين بالمعنى العام، يدخلون الجنة بإسلامهم، فإذا أدرك أحدهم مبعث سيدنا رسول الله ﷺ لم يُقبل منه إلا اتباعه.
– قال ابن تيمية رحمه الله: فمن كان متبعاً لشرع التوراة أو الإنجيل الذي لم يبدَّل ولم ينسخ فهو على دين الإسلام، كالذين كانوا على شريعة التوراة بلا تبديل قبل مبعث المسيح عليه السلام، والذين كانوا على شريعة الإنجيل بلا تبديل قبل مبعث محمد ﷺ.. مجموع الفتاوى.
– عباد الله: لقد ختم الله عز وجل الأنبياء والمرسلين بسيدنا رسول الله ﷺ؛ قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾(الأحزاب: ٤٠)، وأكمل له ولأمته الدين؛ قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة: ٣)، ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية لتستوعب الزمان كله والمكان كله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..
كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الأحد ٢٦ من رجب ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ٢٦ من يناير ٢٠٢٥ ميلادياً