جوهر الخلاف مع الجماعات الإسلامية المتطرفة

بقلم الدكتور : مصطفى حسن الأقفهصى ( أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية )

في البداية أحب أن أبين للقارئ الكريم أننا لسنا في خلاف مع المتطرفين بأشخاصهم وذواتهم، بل كل شخص منا له احترامه وتقديره، وأن من مات منهم فهو بين يدي ربه، وقد أفضى إلى ما قدَّم، أيَّا كانت أسماء هؤلاء الأشخاص وأعمارهم وأعمالهم ودراساتهم وبحوثهم وأطروحاتهم وأماكن نشأتهم..

إنَّ جوهر الخلاف مع هذه الجماعات لا يكمنُ في شخصٍ أو في آخر، أو في فكرةٍ أو أُخرى، أو تَصَرُّفٍ أو آخر، أو جيلٍ قديمٍ أو جيلٍ حديثٍ، بل جَوهَر الخلاف في الأصل هو (المنهج المتطرف وطريقة التفكير المضطربة):

– منهج هدم الأمة الإسلامية بأكملها والعمل على إعادة تشكيلها مرة أخرى؛ حيث لم يَعد هذا المنهج -في نظرهم- يَشمل كلَّ من يَشهد الشهادتين، بل يقتصر على مَن يعتنق أفكارهم ويعتقد معتقدهم.

– منهج إقامة حزبٍ أو جماعة على أساس ديني، تستخدم الدين كسلاح في ساحة السياسة، والعمل على إقامة دولة دينية لم يقل بها قرآنٌ أو سُنَّة، واعتبار أنهم وحدهم (المسلمون)، وما يقولونه وما يفعلونه في الماضي والآن وغدًا، كله من صحيح الإسلام؛ بل هو صحيح الإسلام وسيقودهم حتمًا إلى فراديس الجِنان.

– طريقة من التفكير رجعت بالضرر على البلاد والعباد، ومثَّلت الخطر الجسيم على أفراد الأمة، وشكَّلت الاضطراب الشديد في حياتهم، وكوَّنت العدوان الغشيم على نصوص الوحي الشريف.

جَوهَر الخلاف مع هذه الجماعات يَنْصَبُّ على مقولات وردَت في خطابات قادات هذه الجماعة ومؤسسيها؛ حكمت بها بالكفر على الموحِّدين من أهل القبله (حكامًا ومحكومين)، واعتبرت أنها وحدها الإسلام دون غيرها:
فمثلًا: محمد بن عبد الوهاب النجدي مؤسس جماعة الوهابية؛ يقول في “قواعده” -القاعدة الرابعة-: [إنَّ مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأولين؛ لأنَّ الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائمًا في الرخاء والشدة].

ثم يقول: [فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوله وآخره وأُسُّه ورأسه: شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها، وأحبوها، وأحبوا أهلها، وأحبوا إخوانكم، ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، وعادوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم].

وكذلك حسن البنَّا ؛ عندما قَدَّم (منهاج) جماعته أمَامَ المؤتمر الخامس، يؤكّد صراحةً على أنَّ: [هذا المنهج كله من الإسلام، وكل نقصٍ منه نقصٌ من الإسلام ذاته].

ولذلك يرون أنه لا يمكن لأي إنسان مهما أوتي من العلم والصلاح أن ينتقد فقرة أو عبارة أو حتى كلمة من هذا المنهج المبرمج الذي وضعوه، ولكن ماذا إذا فعل أحدٌ ذلك: فكيف يكون الموقف حينئذٍ؟! وبماذا ستكون الإجابة؟!

هم أجابوا عن ذلك كثيرًا: مرةً بالعنف والإرهاب والاغتيال، ومرةً أخرى بالتلاعب بالألفاظ، ومرةً ثالثة بالصمت، لكنهم أبدًا لم يستطيعوا أن يقبلوا أيَّ نقد في أي عبارة!! لأنهم يعتبرونها من صميم منهجهم وصحيح دعوتهم .

مما يؤكِّدُ على أنَّ الاختلاف مع هؤلاء المتطرفين إنما جاء من اختلال المنهج وسوء التعامل مع نصوص الوحي الشريف، وهو المعنى الذي استفتحَ به سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما نقاشه مع الخوارج الأول ومحاورته لهم؛ قائلًا:
“جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عند المهاجرين والأنصار، ولا أرى فيكم أحد منهم، وعليهم نزل القرآن (فهم أعلم بتأويله منكم)، وليس فيكم منهم أحد”.
فبيَّن لهم مواضع القوة في منهجه، ثم سلَّط الضوء على مواضع النقص والخلل والعَوَز في منهجهم.

وهو المعنى الذي أجاب به سيدنا عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أيضًا، حينما سأله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن سبب اختلاف هذه الأمة؛ فعن إبراهيم التيمي، قال: خلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم فجعل يُحَدِّثُ نفسه، فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كيف تختلف هذه الأمة، وكتابها واحدٌ، ونبيها واحدٌ، وقبلتها واحدة؟

قال ابن عباس رضي الله عنهما: “يا أمير المؤمنين: إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه (وعلمنا فيمَ نزل)، وإنه يكونَ بَعدَنا أقوامٌ يقرءون القرآن (ولا يعرفون فيم نزل، لكل قومٍ فيه رأي)، فإذا كان لقوم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا”، فَزَبَرَهُ عُمَرُ رضي الله عنه وَانْتَهَرَهُ، فانصرف ابن عباس رضي الله عنهما، ثم دعاه بعدُ فَعَرَفَ الذي قال، ثم قال: “أيها أعد” .

جوهر الخلاف مع هذه الجماعات يرتكزُ في أنَّ أفكارهم باتت متطابقة المضمون والنسبة مع أفكار الخوارج ومناهجهم، ظهر ذلك بوضوح في نشأة كل جماعة منها، وتكوينها، وتطوُّرِها، والأفكار التي تبنتها، والأطروحات التي قدمتها، وما إلى ذلك.

ولكَ أن تعرف أيُّه القارئ أنَّ مقصودنا الأصيل من هذا الخلاف: هو الأفكار والأطروحات، لا الأشخاص والذوات، فنواجه الفكر بالفكر، وننقد الأطروحات وَفقَ منهج العلم، ولا يعنينا أن فلانًا يستوجب العقاب الأخروي، أو أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، بل ننأى بأي أحدِ أن يقحم نفسه في ذلك، والله أعلم بما هنالك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *