بقلم الشيخ : سيد الشاعر الشافعى الأزهرى
كأنِّي أراكَ الآن!
أشعرُ بِك!
أبكي معك!
أرى أمواجاً كالجبال في رأسِك تَهِيج كلَّما أرخى عليكَ الليلُ سُدولَه ، وقد أحكَمَ وِثَاقك بحباله الدَّاكنة ، فلا تقدر على الحركة إلا تَقَلُّباً ، تقلُّبَ مضطرب ، تماماً كهذه النَّفس التي بين جنبيك .
تبكي على نفسِك ، على أحوالك وأحلامك ، تقول من أين ؟! وإلى أين ؟! ، فينقضي ليلك ـ وما أطوله ـ بين فِكرةٍ وعَبرَةٍ ، إذا انتهيت من واحدة ألقَتْ عليك الأخرى شِبَاكها .
صِرتَ تلومُ نفسَك على جبرِ خواطر قومٍ تَنَكَّروا لها بعد ما أفنيتَ في ذلك عُمراً ، تلوم نفسك على وُقُوفِك راسخاً ليستندوا عليك ، ويقذفون بأحمالهم وأثقالهم على رأسك! ، فاستراحوا وتَعِبت ، وفرحوا وحزنت ، وتَعَافوا وتألَّمت ، وسار كلُّ واحدٍ منهم في طريقه ينشُد ضَالَّتَه ، وبقيت في مكانك وحدك!.
أظُنُّكَ الآن لست في ريبةٍ من رؤيتي لك ، وشعوري بك ، وقد وصفتُ حالَك فاستمع لمقالي :
غداً سترى الشمس ترمي بسهامٍ ملتهبةٍ تهتك بها أستار ليلٍ مستبدٍّ طال عليك انتظاره ، سيأتون إليك يتودَّدون ، كأنهم يعتذرون ، لكنَّ نفوسهم تأبى الاعتذار ، لكن دعك من هذا كله ولا تفكر في هذا العبث مرة أخرى ، صحِّح وُجهتك ، فلا تنشغل إلا بواحد! ولا ترجوا إلا واحداً ، إنه ” الله ” جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه .
كنتَ ترغبُ في أن تجد أحداً يشعر بك ويفهمك ، وها قد فعلتُ ، ورُغم ذلك فأنتَ عندي مُلام ، لماذا تُطِيل ليلك ولا تنام ؟! ألم تقرأ قوله سبحانه ” لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ” ، كأنه يقول لك : نَمْ أنتَ واطمئن فأنا لا أنام ، أُدَبِّرُ لك الأمر .
كيف لا تزال قلقاً مضطرباً وأنت تقرأ قوله سبحانه : ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ” ؟!أما زلت تحتاج هؤلاء أو غيرهم ليسألوا عنك ، ويخفِّفوا ما بك من ألم وأنت تقرأ قوله سبحانه : ” أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ”
وقفتَ مع الناس وتحمَّلتَ عنهم وجبرتهم ، لكنك قصرت في نفسك ، وفرطت فيما بينك وبين ” الله ” ، وبعد تفريطك وإسرافك ينادي عليك فيقول : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” .