القمار الإلكتروني

بقلم الشيخ / محمود عطا

ماجستير في العلوم الانسانية

القمار الإلكتروني أصبح يشكل خطرًا متزايدًا في العصر الحالي، حيث يتسلل بطرق مبتكرة إلى العالم الافتراضي ويستهدف فئة الشباب بشكل خاص، مغريًا إياهم بفكرة الثراء السريع والسهل. ومن هنا يأتي تحذير الدين من القمار واعتباره من الأعمال المحرمة التي تورث الأذى وتدمّر حياة الأفراد والمجتمعات، كما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَـمْرُ وَالْـمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

في هذا العصر، وبالرغم من وعي الناس بمخاطر القمار التقليدي وابتعادهم عنه، إلا أن القمار الإلكتروني ظهر بشكل مستحدث عبر الإنترنت والأجهزة الذكية، واتخذ أشكالًا متنوعة، كالمراهنات الإلكترونية والألعاب التي تعتمد على المخاطرة، مما يجعله لا يقل خطورة عن القمار التقليدي، إن لم يكن أشد خطرًا. هذه الأشكال الافتراضية تستدرج الأفراد إلى مغامرات مالية تنتهي غالبًا بخسائر فادحة، حيث يجد الكثيرون أنفسهم مديونين وضغوطهم النفسية متفاقمة، وقد تصل ببعضهم إلى مراحل مؤلمة من اليأس.

ما يزيد من خطورة القمار الإلكتروني هو سهولة الوصول إليه، ما يدفع بعض الشباب إلى الاعتقاد بأنهم قادرون على جني أرباح سريعة دون جهد يُذكر، غير مدركين أن هذه الألعاب والتطبيقات مبنية على أسس المراهنة والمخاطرة. بعض الألعاب، مثل كونكير وaviator، تشكل أمثلة على هذا النوع من القمار الإلكتروني الذي يتطلب الحذر الشديد، إضافة إلى تطبيقات المراهنات التي تسعى لجذب الشباب وتوريطهم في دوامة الإنفاق المالي على وعود بالربح السريع.
وبهذا، ينبغي توجيه الوعي للشباب والأسر حول مخاطر هذا النوع من الألعاب، وتشجيعهم على تجنبه حفاظًا على سلامتهم النفسية ومالية.

المقامرة :

هي نشاط يعتمد على وضع مال أو شيء ذي قيمة في رهان، بهدف الفوز بمكافأة مادية أكبر، وغالبًا ما يكون هذا النشاط مرتبطًا بعناصر الحظ والمخاطرة. في المقامرة، يعتمد اللاعب بشكل أساسي على الحظ وليس المهارة أو التخطيط، حيث لا يوجد ضمان لتحقيق الفوز، وهذا ما يجعلها محفوفة بالمخاطر.

بعض النماذج الشائعة للمقامرة:

1. القمار في الكازينوهات: تشمل ألعاب الورق مثل البوكر والبلاك جاك، وألعاب الماكينات كالروليت.

2. المراهنات الرياضية: يتم فيها الرهان على نتائج المباريات أو الأحداث الرياضية، حيث يضع الأفراد أموالهم على فريق معين أو نتيجة معينة.

3. اليانصيب: حيث يتم شراء تذاكر ويقوم اللاعبون بانتظار سحب الأرقام للفوز بجوائز كبيرة.

4. الرهان عبر الإنترنت: تشمل الألعاب الإلكترونية أو مواقع الرهان عبر الإنترنت التي تتيح للأفراد وضع رهاناتهم على عدة أنواع من الألعاب.

يعد الإسلام المقامرة محرمة لأنها تعتبر من المعاملات المالية التي تعتمد على الغرر والجهالة وتؤدي إلى ضرر اقتصادي واجتماعي للفرد والمجتمع.

وقد وردت أدلة واضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية تحرم المقامرة، وسأذكر بعض هذه الأدلة:

1. القرآن الكريم

قال الله تعالى في سورة المائدة:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”

(سورة المائدة: الآية 90)

في هذه الآية، ذُكر “الميسر” (وهو المقامرة) بجانب الخمر والأنصاب والأزلام، ووُصف بأنها “رجس من عمل الشيطان” وأُمِر المسلمون باجتنابها لتحقيق الفلاح.

كما يقول الله تعالى في نفس السورة:

> “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”

(سورة المائدة: الآية 91)

وهذه الآية تُبين أن المقامرة تُسبب العداوة والبغضاء بين الناس وتُشغلهم عن ذكر الله وعن الصلاة

2. السنة النبوية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

> “من قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق”

(رواه البخاري ومسلم)

في هذا الحديث، يُحذر النبي صلى الله عليه وسلم من مجرد الدعوة إلى المقامرة، ويأمر بالتصدق تكفيرًا لمن يفعل ذلك.

الحكمة من تحريم المقامرة:

المقامرة تعتمد على أخذ المال بالباطل دون مقابل حقيقي، وفيها نوع من أكل أموال الناس بالباطل.

تؤدي المقامرة إلى إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، إذ إن الخاسر قد يشعر بالغيظ والحقد تجاه الفائز.

تُشجع على الاعتماد على الحظ بدلاً من العمل الجاد والسعي في الرزق الحلال.

تحريم المقامرة في الإسلام يهدف إلى حماية المجتمع من الأضرار المالية والأخلاقية والاجتماعية التي قد تنتج عنها، ويشجع المسلمين على الاعتماد على الجد والاجتهاد في كسب المال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *