المجدِّدون

بقلم الدكتور / الفاتح محمد

(إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا).
هذا الحديث الشريف من الأحاديث المبشرة، وفيه ما يبعث الطمأنينة بأن الخير فى هذه الأمة متصل.

وللإمام السيوطى (٩١١هجرية) أرجوزة ذكر فيها المجددين حتى عصره؛ وهم كالآتى:
المائة الأولى: عمر بن عبد العزيز.
المائة الثانية: الإمام الشافعى.
المائة الثالثة: ابن سريج، أو أبو الحسن الأشعرى.
المائة الرابعة: الباقلانى أو سهل الصعلوكى أو الإسفرايينى.
المائة الخامسة: أبو حامد الغزالى.
المائة السادسة: الفخر الرازى، أو الرافعى.
المائة السابعة: ابن دقيق العيد.
المائة الثامنة: البُلقينى، أو زين الدين العراقى.

ثم يرجو السيوطى من الله أن يكون هو المجدد للمائة التاسعة. ولعله كذلك.

والملاحظ فى هذه القائمة أن أكثر من فيها شافعية.
ولكن يتبقى ملحوظتان؛ الأولى أنه قد أصبح من السائد أن تسمع أن محمدا بن عبد الوهاب هو المجدد للمائة الثانية عشرة؛ لأنه قد توفى سنة ١٢٠٦هجرية.
وهذا الادعاء لا يخلو من إشكالات كفيلة بهدمه من أساسه؛ ببساطة لأن ابن عبد الوهاب قرر أمورا فى التوحيد والشرك، واستحلَّ تكفير عموم المسلمين وعوامهم بها؛ فإما أن تكون هذه الأمور التى قررها غير صحيحة ويكون ذلك غلوًّا منه فلا يصح أن يكون مجددا.
وإما أن تكون هذه التقريرات صحيحة، وبناء عليها فإنه يستوجب أن نأتى بالمجددين فى كل قرن الذين كانوا على النهج الذى رآه ابن عبد الوهاب…!
لذلك إذا سمعت أحدا يصف ابن عبد الوهاب بالمجدد فاسأله: ومن المجددون الذين كانوا فى القرون السابقة عليه؟؟؟

وجدير بالذكر أن قرن محمد بن عبد الوهاب قد حوى عددا من العلماء الذين حازوا القبول كالشيخ أحمد الدردير المالكى “توفى ١٢٠١هجرية”، والعلامة مرتضى الزَّبيدى “توفى ١٢٠٥هجرية” وغيرهما.

الملحوظة الثانية أن الإخوان يزعمون أن حسنا البنا هو مجدد قرنه… وهم يعتقدون فى هذا الوهم اعتقادا جازما.
وهذا الادعاء يتعارض مع واقع المجددين فى القرون الماضية كلها؛ لأن المجددين كانوا من العلماء الراسخين الذين طلبوا العلم بمنهجه المألوف، أما حسن البنا فمدرس خط، تعلم بعض العلم عن بعض الشيوخ، ولكنه لم يكن عالما؛ وإن كان له نشاط فى الدعوة بارز كحال كثيرين فى أزمنة ماضية، لكنهم لم يكونوا علماء؛ فهذا الادعاء المتوهَّم يسوى بين العلماء والهواة.. أضف إلى ذلك حجة أخرى قد تنسف هذه الدعوى، وهى أن المجدد يكون على رأس المائة، والبنا توفى ١٣٦٨هجرية فلم يكن على رأس مائة؛ فمن ادعى أمامك أن البنا هو المجدد فاسأله: هل هو مجدد المائة الثالثة عشرة أم المائة الرابعة عشرة؟

ومثل هذه التخرصات أصبحت مألوفة فى هذا الزمن، حتى إن بعضهم وصل به الحال لأن يعد نجم الدين أربكان وإردوغان من المجددين!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *