هل المشكلة الآن في كثرة المساجد أم قلة المصلين؟!

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

 

 

في زمن امتلأت فيه شوارعنا بالمساجد، وتعددت فيه الزوايا في الحي الواحد، يبرز سؤال جوهري لا بد أن نواجهه بجرأة: هل المشكلة الحقيقية في كثرة المساجد؟ أم أن المأساة الأعمق تكمن في قلة المصلين؟!

صحيح أن الدولة لم تدخر جهدًا في بناء المساجد وتطويرها، وشاهدنا في السنوات الأخيرة افتتاح آلاف منها، بعضها تحف معمارية تُبهر النظر. لكن المؤلم أن كثيرًا منها، خصوصًا في الصلوات اليومية، يعاني من عزوف الناس، وصفوف شبه فارغة، وكأن الحجر انتصر على البشر، والمبنى سبق المعنى.

ليست القضية في عدد المساجد، بل في عدد من يلبون النداء، من يخشعون في الصلاة، من يتفاعلون مع الخطب، ويخرجون بقلوب مطمئنة. الواقع يشهد أن كثيرين باتوا يصلّون في منازلهم، والبعض تأخذه الحياة، فتغلبه الغفلة، وتسرقه المشاغل. شباب اليوم، وهم طاقة الأمة، لا يترددون على المساجد كما يجب. ربما لوجود فجوة بين ما يُقال في المنبر، وبين همومهم وآمالهم، وربما لأننا لم نخاطبهم بلغتهم بعد، ولم نمد إليهم الجسور الصحيحة.

لم تعد المساجد في بعض الأماكن كما كانت، قلب الحي وروحه، وملتقى للعلم والنقاش والرحمة. بعض الأئمة أدّوا ما عليهم بإخلاص، لكن البعض الآخر بقي حبيس النصوص، بعيدًا عن واقع الناس، فصار المسجد طاردًا لا جاذبًا، ومنارة صامتة لا ناطقة.

وما نراه في بعض الزوايا التي تتكرر بشكل عشوائي، يطرح إشكاليات كثيرة: إمام غير مؤهل، مكبر صوت يزعج ولا يهدي، وأحيانًا خطبة لا تضيف شيئًا. نحن لا نرفض الزوايا، لكننا ندعو لتنظيمها، ولتركيز الجهود في مساجد جامعة تُدار باحتراف دعوي حقيقي.

نحتاج اليوم أن نعيد تعريف دور المسجد، أن نجعل منه بيتًا للناس لا فقط للصلاة، مركزًا لبناء الوعي لا مجرد أداء شعائر. نريد أئمة يزرعون الطمأنينة، وينزلون إلى أرض الواقع، ويربون الجيل الجديد على أن الدين رفيق لا خصم، نور لا عبء.

المساجد ليست كثيرة إن كانت القلوب عامرة، وليست كافية إن كانت خاوية. فالقضية لم تكن يومًا في عدد المساجد، بل في عدد من يعمرها بالإيمان والعمل. في من يستمع إلى “حي على الصلاة” فينهض، لا من يسمعها وكأنها نداء في الهواء.

لذلك، فلنتعاون جميعًا: الدولة بتخطيطها، والأوقاف بخطابها، والأئمة بصدقهم، والإعلام برسالته، والمدرسة بتربيتها، والأسرة بتوجيهها. فلعلنا نعيد للمسجد مكانته، وللصلاة روحها، وللأمة بوصلة كانت تائهة.