بقلم فضيلة الشيخ : إبراهيم رضوان مسؤل المركز الإعلامي باوقاف القاهرة
خرج النبي محمد ﷺ من الطائف، ودماؤه تسيل على جسده الطاهر. لم يكن في خروجه طلبًا لملك أو سلطان، ولا رغبة في جاه أو مال، بل خرج يحمل في قلبه رسالة رحمة، ودعوة حق، وكلمة هدى، أراد بها الخير لقومه، فكان جزاؤه الأذى والتكذيب والطرد.
لم يُؤذِ أحدًا، ولم يرفع سيفًا، ولم يُجبر أحدًا على اتباعه. لكنه واجه قلوبًا غُلِّفت بالكراهية، وعيونًا أُغلقت عن النور، وآذانًا صُمّت عن الحق.
وفي لحظةٍ من أشد لحظات الألم، حين أوشك الجسد أن ينهار، بقي القلب متماسكًا بالله، فرفع رأسه إلى السماء، يناجي ربّه بكلمات تهزّ الوجدان: “إن لم يكن بك غضبٌ عليّ، فلا أبالي.”
يا لها من كلمات! فيها تسليم مطلق، ورضا عميق، وصبر لا يعرف حدودًا. كلمات لا تخرج إلا من نبيٍّ تربّى على اليقين، وعاش حياته كلها يحمل همّ الناس، ويقابل الإساءة بالإحسان، والجفاء بالرحمة.
سلامٌ على قلبٍ صابر، احتمل الأذى لأجلنا. وسلامٌ على صدرٍ وسِع الناس حُبًا ومغفرة، حتى وهم يؤذونه. وسلامٌ على رسول الرحمة، ما هبّت نسائم العفو، وما تليت آيات الصبر.
لقد قدّم ﷺ درسًا خالدًا في الثبات أمام الشدائد، وعلّمنا أن قيمة الإنسان لا تُقاس بما يملكه، بل بما يحتمله من أجل الحق، وما يزرعه من خير في قلوب الآخرين، ولو قابلوه بالجفاء.
وفي زمن كثرت فيه الصراعات، نعود إلى سيرته، فنجد فيها بلسمًا للجراح، ونورًا يهدي الطريق. فهو ﷺ لم يكن نبيًّا لقوم دون آخرين، بل رحمةً للعالمين