خطبة الجمعة القادمة (بداية جديدة وأمل جديد ) للشيخ احمد عبدالله عطوه

خطبة الجمعة القادمة (بداية جديدة وأمل جديد )
لفضيلة الشيخ : احمد عبدالله عطوه

الموافق ٢ محرم ١٤٤٧هـ ـ الموافق ٢٧يونيو ٢٠٢٥م

العناصر الرئيسية التالية :

١•الاعتبار بانقضاء الأعمار.
٢• بين توديع عام واستقبال آخر.
٣• الهجرة وفن صناعة الأمل.
٤• ما أحوجنا في هذا الزمان إلى فن صناعة الأمل.

المقدمة :

الحمد لله الذي فتح لعباده باب الأمل وحذرهم من اليأس والقنوط، لأن أهلهما من الهالكين، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أوذي في سبيل الله كثيرًا، وحوصر بكرة وأصيلا فتمسك بالأمل وهاجر في سبيل الله من مكة إلى المدينة فكانت الهجرة المباركة طريق الأمل وبها ساد المسلمون فاللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين حطموا قيود اليأس والقنوط، وضربوا أروع الأمثلة في فن صناعة الأمل ففتح الله عليهم فتحًا مبينًا وهداهم صراطًا مستقيما، وجعلهم سادة في الدنيا وفي الآخرة هم المفلحون.

أمابعد أيها الأخوة الأحبة:

تَمُرُّ بنا ذكرى الهجرة في مطلع العام الهجري فتوقظ في الواحد منا الشُّعور بالعزَّة، والأملَ بالفرجِ والنَّصرِ والتقدُّم.

 

تَمرُّ بنا ذكرى الهجرة فتذكِّرنا بقيام دولة الإسلام الأُولى، التي كانت برِئَاسة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدَّولة القائمة على التقوى الدَّاعيةُ إلى التوحيد والعمل الصالح، والصَّبْرِ والثبات على الحق.

 

هذه الذِّكرى التي تذكِّرنا بأننا أُمَّة واحدة؛ ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾

نعم، إنَّنا أمة واحدة، مهما تعدَّدَت الأجناس ومهما تباعدت البلدان وتذكِّرنا هذه الذِّكرى بَهُوِيَّتنا التي تقوم على العقيدة والتميُّز بين الأمم.

 

ومن أهمِّ عناصر هويَّة أمَّتِنا التَّأريخ الْهجري هذا التأريخ الذي اقترَحَه أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب المُلْهَم رضي الله عنه وأقرَّه عليه كلُّ الصحابة وجعله مرتبطًا بِهِجرة الرسول ولَم يَجْعله مرتبطًا بولادته ولا بوفاته ولا بِبَعْثتِه هذا التأريخ الذي كان السِّجلَّ الذي ضمَّ بطولاتِ أجدادنا وأحداثَ أمَّتِنا ومعاركَها المظفَّرة إن علينا أن نُحافظ على هذا التأريخ، الهجرة من أعظم الذكريات في تاريخنا.

 

نقف في جمعتنا اليوم بين مقامين مقام الوداع لعامٍ مضى ورحل وانقضى وانصرم، ومقام الاستقبال لعام جديد هلَّ وأقبل وكلا المقامين: مقام الوداع ومقام الاستقبال يتطلب منا وقفات عديدة ولعل أهم هذه الوقفات في مقام الوداع:

 

الوقفة الأولى: وقفة الذكرى والعبرةوالمحاسبة

أيُّها السادة الأفاضل:

لِنَجعل يومَ بداية العام يومَ مُحاسبة لنا نُحاسب فيه أنفسنا ونسألها: هل قُمْنا فيما مضى من عمرنا بِما أوجب الله علينا؟

وهل انتهينا عمَّا حرم الله؟

 

تمر الشهور بعد الشهور والأعوام بعد الأعوام ونحن في سبات غافلون. ومهما عشت يا ابن آدم فإلى الثمانين أو التسعين. وهبك بلغت المئين. فما أقصرها من مدة وما أقله من عمر. قيل لنوح عليه الصلاة والسلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف رأيت هذه الدنيا فقال: كداخل من باب وخارج من آخر. قال صلى الله عليه وسلم -: “اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك. وصحتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك. وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك”. هكذا أوصانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. باغتنام هذه الخمس قبل حلول أضدادها ” كم عمرك ” ؟؟

 

وقفة :

لقي الفضيل بن عياض رجلا ؛ فقال له الفضيل : “كم عُمُرك ؟ قال الرجل : ستون سنة

قال الفضيل : إذا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل

فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون

قال الفضيل : هل تعرف معناها ؟؟

قال : نعم أعرف أني عبدالله وأني إليه راجع

فقال الفضيل : يا أخي ، من عرف أنه لله عبد ، وانه إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف بين يديه ،ومن علم أنه موقوف فليعلم انه مسئول ، ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جوابا فبكى الرجل وقال ما الحيلة ؟؟

قال الفضيل : يسيرة قال وماهى يرحمك الله ؟ قال : تُحسن فيما بقى ، يغفر الله لك ماقد مضى وما بقى فإنك إن أسأت فيما بقى أُخذت بما مضى وما بقى “

إذا كان التفريط في الماضي جريمة فإن التفريط في المستقبل أشد جرما !!!!

أُفٍّ لِهَذَا الْإِنْسَانِ حِينَ يَظُنُّ أَنَّهُ خُلِقَ لِيَتَعَالَى عَلَى خَلْقِ اللَّهِ!

أُفٍّ لِهَذَا الْإِنْسَانِ حِينَ يَضِلُّ سَعْيُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا!

أُفٍّ لِهَذَا الْإِنْسَانِ حِينَ يبدل نعمة الله كفرًا، وماله وجاهه أشرًا وبطرًا.

أُفٍّ لِهَذَا الْإِنْسَانِ حِينَ يبدل شريعة اللهِ وحكمتِهِ وعدلِهِ برأيه وظلمه.

أُفٍّ لِحَضَارَاتٍ وَدُوَلٍ تَسْتَرْخِصُ الدِّمَاءَ، وَتَتَسَلَّطُ عَلَى الضَّعَفَةِ وَالْأَبْرِيَاءِ، وَلِسَانُ حَالِهَا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟!.

يَا وَيْلَ مَنْ نُزِعَتْ مِنْ قُلُوبِهِمُ الرَّحْمَةُ، فأذلو العباد وقهروا العباد، وَجَرَّعُوا مَرَارَاتٍ مِنَ الْأَسَى بُيُوتًا مسلمة.

يَا وَيْلَ مَنْ تحمل أمانة الدين، فاشترى بآيات الله ثمنا قليلا، وباع دينه بدنيا غيره.

 

الوقفة الثانية :

2- الهجرة وصناعة الأمل:

حينما ينظر المرء حوله في هذا الواقع المرير ربما دخل اليأس الي القلوب واستولى على النفوس القنوط وظن البعض أنه لا قيام للدين مرة أخرى، ولعل هذه تكون الحالقة.

عند ذلك تأتي الهجرة بأحداثها لتحيي في القلوب الأمل وتزرع في نفوس اليائسين الرجاء.

فتعالوا بنا لنرجع بعجلة الزمان قبل أن يداهمنا الوقت الي زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل الهجرة بقليل، وتقييم واقع المسلمين الأول تكاد ترى واقعا أشد مما نحن عليه الآن.

 

فقد عاش هؤلاء الكرام مع نبيهم ثلاث عشرة سنة من الخوف والألم والتعذيب والتنكيل رأى المسلمون فيها ألوان الهوان وصنوف الإذلال.

ثلاث عشرة سنة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يطوف على القبائل ويدور على أصحاب الزعامات والرئاسات يقول “من يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي فما يجد إلا العنت والاستهزاء”.

 

ثلاث سنوات كاملة من الحصار في شعب أبي طالب مقاطعة كاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حصار اقتصادي واجتماعي حصار شديد حتى أكل الناس ورق الشج، وإلى أن تشققت الأشداق وحتى وضع الناس كما تضع العنز، وربما خرج أحدهم ليبول فيسمع تحت ماء البول قعقعة، فاذا بها جلدة ميتة فيأخذها من شدة الجوع فيغسلها ويضعها على النار ليتقوى بها علي ما به من جوع.

 

ثلاث عشرة عامًا والنبي – صلى الله عليه وسلم – يلقي الأذى في نفسه، رغم مكانته فكيف بأصحابه.

 

ربما سجد عند الكعبة فيضع الكافرون سلى الجزور على ظهره، وربما قابلوه فتجمعوا حوله يدفعونه ويهددونه ويحاولون خنقه، حتى يأتي أبو بكر فيدفعهم عنه ويقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فيلهون بأبي بكر عن رسول الله فيضربونه ضربًا مبرحًا وما تركوه حتى ظنوا أنه ميت.

 

ثلاثة عشرة سنة وأصحابه – رضي الله عنهم – يلاقون من الأذى ما لا تحتمله الجبال الرواسي، تحريق بالنار، وتغريق في الماء، وضرب بالسياط حتى كلّت السياط وأيدي الضاربين، وحتى أكلت رمال الصحراء المحترقة طبقات جلودهم، وهذا بلال يشهد وكذا خباب بن الأرت.

 

لذا اضطر المسلمون الأوائل أن يتركوا بلادهم مهاجرين إلى الحبشة مرة بعد مرة حتى إذا زاد بهم البلاء واشتد بهم الكرب قام قائمهم إلى رسول الله يقول إلا تستنصر لنا فيقول – صلى الله عليه وسلم – مصبرًا ومبشرًا “كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع علي رأسه فيشق باثنين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله أو الذئب علي غنمه ولكنكم تستعجلون” أخرجه البخاري.

 

وفي وسط هذا الظلام الحالك، ومن بين كل هذا البلاء وتلك الشدة من كان يعتقد أن يأتي الفرج علي يد ستة أنفس لا وزن لهم ولا زعامة ولا وجاهة لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج فكلمهم وما يرجوا إلا أن يستنقذهم من النار ويؤدي حق الله عليه في دعوتهم للدين الجديد، فكانوا الفجر الذي انقشع به ظلام الكفر، والنور الذي أضاءت بسببه أرجاء الأرض والأمل الذي بدد سحب اليأس، إنها التقادير يوم يأذن الله بالفرج من عنده، ويأتي النصر من قلب المحنه والنور من كبد الظلماء، والله تعالى هو المؤيد والناصر، والبشر عاجزون أمام موعود الله.

 

إن من عبرات ودروس الهجرة صناعة الأمل؛ الأملُ في موعود الله، الأمل في نصر الله، الأمل في مستقبل مشرق، الأمل في الفرج بعد الشدة، والعزة بعد الذلة، والنصر بعد الهزيمة.

 

مرة أخرى يصنع الأمل في حادثة سراقة، ولا يلتفت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى سراقة، ولا يبالي به وكأن شيئًا لم يكن يقول له أبو بكر يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فيقول له مقالته الأولى ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

 

لقد اصطنع الأمل في الله ونصره فنصره الله وساخت قدما فرس سراقة فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء كالدخان فأدرك سراقة أنهم ممنوعون منه وجاء النصر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

 

وهكذا تعلمنا الهجرة في كل فصل من فصولها كيف نصنع الأمل ونترقب ولادة النور من رحم الظلمة، وخروج الخير من قلب الشر وانبثاق الفرج من كبد الأزمات.

الخطبةالثانية

الحمدُ للهِ العزيزِ الجبارِ، القويِ القهارِ، مُكورِ النَّهارِ على الليلِ، ومُكورِ الليلِ على النَّهارِ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على فضلِه وخيرِه المدرارِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، يُعزُّ من يَشاءُ، ويُذلُّ من يشاءُ، ويخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المصطفى المختارَ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه الأطهارِ، وصحابتِه الأخيارِ، وسلمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ القَرارِ.

أما بعد: عبادَ اللهِ: الوقفة الثالثه

3- ما أحوجنا في هذا الزمان إلى فن صناعة الأمل:

ما أحوجنا ونحن في هذا الزمان زمن الهزائم والانكسارات والجراحات إلى تعلم فن صناعة الأمل فمن يدرى ربما كانت هذه المصائب باباً إلى خير مجهول ورب محنة في طيها محنه أوليس قد قال الله: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216].

إن اليأس والقنوط ليسا من خلق المسلم قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: “أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله”.

• اذا اشتملت على اليأس القلوب

وضاق لما به الصدر الرحيب

• ولم تر لانكشاف الضر وجه

ولا أغنى بحيلته الأريب

• أتاك على قنوط منك غوث

يمن به اللطيف المستجيب

• وكل الحادثات وإن تناهت

فموصول بها الفرج القريب’