التاريخ الهجري .. هوية أمة
23 يونيو، 2025
الإسلام وبناء الحضارة

إعداد فضيلة الشيخ : أحمد عزت
الباحث فى الشريعة الاسلامية
التاريخ الهجري .. هوية أمة
اِقتضت حكمة العليم الخبير أن يستخلف بني آدم في الأرض لوقت معلوم بقدرمحتوم، فجعل لهم الزمن يعمل فيهم وهم فيه يعملون ثم إنهم بعد ذلك لميتون ثم يُلاقوا يومهم الذي يُوعدون، فتُجزى كل نفس بما عَمِلَت ثم هم من بعد ذلك خالدون. فجعل لهم أيامًا وليالي وقسَّمها لهم أوقاتًا بُنيت عليها الحاجات من كسب ونوم وطعام ورُتِّبت عليها العبادات كالصلاة والصيام، حتى إنه لا يصح عمل أحدهما في الآخر. فلا يُصام الليل ولا يُقام النهار، ناهيك عمَّا افترضه عليهم من عبادات موقوتة لا تصح في غير وقتها كالصلاة والحج {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ …} [البقرة:١٨٩].
قال أبو جعفر: “يسألونك يا محمد عن الأهلة ….، وما المعنى الذي خَالف بينه وبين الشمس؟ فقلْ يا محمد: …. مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرُّم عِدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم، فجعلها مواقيت للناس”.
المواقيت: جمع ميقات والميقات من الوقت والوقت هو الزمن وكل حدث من الأحداث يحتاج إلى زمان وإلى مكان، إذن فالزمان والمكان مرتبطان بالحدث فلا يوجد زمان ولا مكان إلا إذا وُجِدَ حدث، كما أن الزمان والمكان مقترنان يمثلان الوجود الذي يمكن إدراكه أو تصوره في هذا الكون حيث دلت الدراسات أن عالمنا الأرض و كل ما حولنا من نجوم وأفلاك ومجرات في حركةٍ دائبة مِصداقًا لقوله تعالى {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠].
ونتيجة لذلك؛ فإن تحديد الزمان مرتبط بالمكان وكذلك تحديد المكان مرتبط بالزمان، ويظهر ذلك جليًا في الشمس حيث تبزغ في أقصى الشرق ويُسمَّى الوقت شروقًا ثم تسير باتجاه الغرب حتى تضمحل ويُسمَّى ذلك الوقت غروبًا وبينهما الضحى والزوال والعصر وكلها أوقات يدلنا عليها مكان الشمس في قبة السماء، فإضافة إلى الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع يأتي بعد رابع وهو الزمن حتى يمكن الحكم بوجود الشيء بالفعل.
فالزمن وُجِد للحادث، كما أن الزمان يتحكم أحيانًا في المكان، فنقول الزمان هو الأصل، والمكان طارئ عليه، ومرة يكون المكان هو الأصل والزمان طارئ عليه ومرة يتلازم الزمان والمكان. فالإنسان إذا أراد الحج فإنه يبدأ بالإحرام من الميقات أي المكان حال وصوله إليه سواء كان الوقت صباحًا أو مساءًا.
وأما في الصوم فإن الزمن يصبح هو الأصل ففي أي مكان تذهب إليه، فإن الزمان هو الذي يُحدِّد مواعيد الصوم وهكذا يكون الزمن ميقاتًا،
ومرة يتحكم الزمان والمكان معًا في الفعل مثل يوم عرفة.
وهكذا نعرف معنى {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} فنحن بالهلال نعرف بِدء شهر رمضان، وعيد الفطر، وموسم الحج وعدة المرأة، والأشهر الحُرم. والشمس تدلنا على اليوم فقط. وقال ابن القيم رحمه الله: “ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله، لا حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمة، وحفظًا للدين لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذَّر الغلط والخطأ، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والخطأ ما دخل في دين أهل الكتاب”.
ولكي تحتفظ أي أمة بهويتها وتاريخها لا بد لها من تقويم خاص، تسجل به الأحداث والانتصارات، وتضبط به الأعياد والشعائر، وتحافظ من خلاله على ذاكرتها.
والتقويم الهجري هو رمز وهوية لأمة العرب المسلمين، وهو واحد من المؤشرات التي يُستدل بها على قوة الدولة؛ فقد ظل التقويم الهجري سائدًا في الدولة العربية الإسلامية، تُؤرخ به الأحداث والوقائع، والمواليد والوفيات، منذ اعتماده في الخلافة الراشدة حتى سقوط الدولة العثمانية.
حكاية التقويم الهجري وظهوره
والجدير بالذكر أن العرب قبل الإسلام لم يكن لهم تقويم ثابت ومعروف، وكانت قبل بعثة النبي ﷺ تعظم الأشهر الحُرم، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرَّم، ورجب؛ حتى في زمن شركهم وجاهليتهم وهذا من بقايا وحي السماء الذي توارثوه عن كل من نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام اللذان كانا يؤرخان بالقمر. فقد عرفوا التقويم القمري، ولكن شهوره كانت تختلف من قبيلة لأخرى، حتى اجتمع سادة العرب في مكة قبل ١٥٠ عامًا من الهجرة النبوية، واتفقوا على توحيد أسماء الأشهر العربية، فصارت كما نعرفها اليوم.
ومما يؤكد ذلك أن جميع التكاليف الشرعية قد ربطها الشارع الحكيم بالأهلة.
يقول الإمام الرازي: “واعلم أن مذاهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمريَّة لا شمسيَّة، وهذا حكم توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فأما عند اليهود والنصارى فليس كذلك” (تفسير الرازي: [١٦ /٥٠]).
وقبل ذلك كان العرب يسمون السنة بالأحداث المهمة والشهيرة التي وقعت فيها ويؤرخون بها، ومن ذلك تسميتهم “عام الفيل”، وعام “الإذن بالرحيل” إشارة إلى السنة الأولى من استقرار الرسول ﷺ في المدينة بعد هجرته إليها، بينما سُميت السنة الثانية بعام “الأمر بالقتال”، أي الجهاد ضد قريش في موقعة بدر. واستمر الحال هكذا في عهد الرسول ﷺ، ثم في خلافة أبي بكر الصديق وحتى السنة الرابعة من خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وتحديدًا في سنة ١٧هـ؛ حين شكا له أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه يأتينا منك الكتب ليس لها تاريخ.
وحكاية التقويم الهجري وظهوره اقترنت بحادثة حصلت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه؛ فقد وصل في سنة ١٧ هـ خطاب إلى أبي موسى الأشعري عامل البصرة مؤرَّخ في شهر شعبان، وهو أرسله بدوره إلى الخليفة عمر بن الخطاب يستفسره عن الكتب التي تصل مؤرخة بالأشهر دون ذكر السنوات،
فقال: أي الشعبانين؟! هل شعبان الماضي أم الحالي؟!
وهذا من شأنه أن يُحدث خلطًا بين الرسائل؛ فأرشد هذا اللغط عمر بن الخطاب لأهمية تأريخ الحوادث في الدولة بشكل خاص بالمسلمين.
وقبل ذلك لم يستحسن عمر بن الخطاب تقويم اليهود الذي كان شائعًا في ذلك العصر، ويبدأ بميلاد الإسكندر الأكبر، ورفض تقويم الفرس الذي يبدأ بتولية كل ملك وينتهي بوفاته، ورفض تقويم المسيحيين الذي يبدأ بميلاد المسيح ويتبع السنة الشمسية.
فكان أن جمع عمر بن الخطاب أهل الشورى، وعرض عليهم رغبته في إحداث تقويم إسلامي يؤرخون به، وقد عرض المجتمعون أربعة أحداث مهمة في تاريخ الإسلام والمسلمين وهي: مولد الرسول ﷺ، ومبعثه، وهجرته، ووفاته؛ ثم وجدوا أن مولد الرسول ﷺ ومبعثه ليسا محددين بالسنة تحديدًا دقيقًا، فاستُبعد الاقتراحان، الأول والثاني، وكذلك رفض المجتمعون التقويم بوفاة الرسول ﷺ؛ لأنه لا يليق أن يبدأ تاريخ المسلمين بوفاة نبيهم، فالإسلام ودولته العظمى باقيان ما دامت السماء والأرض؛ ولما في تذكره من التألم.
ليستقر الأمر على أن أفضل تأريخ للمسلمين هو التأريخ الذي يبدأ بهجرة الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة، وكان هذا رأي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، على اعتبار أن الحدث مهم في تاريخ المسلمين، وترتب عليه نشر الإسلام ونجاح الدعوة، وقيام دولة عربية إسلامية مكتملة الأركان في المدينة؛ وفي ذلك قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: “إن الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها”.
كما أن حادث الهجرة يعتبر نقطة فارقة في تاريخ الأمة، حولت المسلمين من الضعف والخوف إلى الأمن والأمان، ومن الذل والعبودية إلى العزة والحرية، وحولتهم كذلك من القلة إلى الكثرة، ومن الإسرار بالعقيدة إلى الجهر بشعائر الإسلام؛ فكانت الهجرة انتصارًا لسمو النفس البشرية، التي استطاعت أن تترك المال والأولاد والأهل والأرض من أجل هذا الدين.
وقد رأى الصحابة أن يبدأ التقويم الهجري بشهر المحرم وكان هذا رأي عثمان بن عفان رضي الله عنه في الاجتماع؛ لأن هلال المحرم هو أول هلال استهله المسلمون بعد الهجرة، كما أنه يأتي بعد انصراف المسلمين من رحلة الحج، وهو من الأشهر الحرم.
قال ابن الجوزي: وإنما جعلوه من أول المحرَّم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه إذ البيعة كانت في ذي الحجة وهي مقدمة لها وأول هلال هل بعدها المحرَّم ولأنه منصرف الناس من حجهم فناسب جعله مبتدأ”.
وبذلك يعتبر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هو أول من وضع التقويم الهجري للدولة الإسلامية، وقد بدأ المسلمون يعملون بهذا التقويم منذ سنة ١٧ هـ، وهو ما زال مستمرًا في البلاد الإسلامية، ولكن -للأسف- بدون اهتمام كبير من المؤسسات الحكومية لاعتماده بشكل رسمي، وإننا نجد أن بعض الشعوب العربية ما زالت تجهل أسماء الأشهر وأبعاد كل شهر وأحكامه، إلا ما كان من رمضان فإنه شهر عالمي في حضوره العام.
وقد ذكر بعض العلماء أن في القرآن الكريم إشارة إلى ابتداء التاريخ الإسلامي بالهجرة وذلك في قوله تعالى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:١٠٨]. ففي قوله تعالى {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} دلالة على أن ذلك اليوم ينبغي أن يكون بداية التاريخ الإسلامي.
الحكمة من التأريخ بالأهلة:
للتأريخ الهجري العديد من المزايا التي لا تتوافر للتقويم الشمسي أو الميلادي، ومن ذلك:
١- التيسير:
فمن المعلوم أن التاريخ الهجري يتميز بأنه يعتمد على الأهلة وهي علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رؤي الهلال أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق، وبإلقاء نظرة على القمر يعرف الناظر هل هو في أول الشهر أو وسطه أو آخره، بينما لا يمكن ذلك في الشهر الميلادي لكونه مرتبطًا بحركة الشمس.
٢- في العمل:
من رحمة الله بعباده ودلائل الإعجاز أن كانت التكاليف الشرعية محسوبة بالقمر حتى تسيح المنازل القمرية في البروج الشمسية، فيأتي التكليف في كل جو وطقس من أجواء السنة، فالعبادات الحولية كالصوم والحج والعيدين تتقلب بين فصول السنة، وفي هذا ما فيه من الحكمة البالغة فتراوح الحج بين الصيف والشتاء فيه رحمة بالمسلمين في المناطق الباردة مثل أوروبا الذين يشق عليهم الحج في رمضاء مكة المكرمة في الصيف، فكان موسم الشتاء فرصة لهم لقضاء فريضة الحج دون عناء.
وكذلك؛ في طول الليل وقصر النهار في شهر رمضان فيسهل الصيام ويكثر القيام أو العكس، فيطول النهار ليشعر الصائم بعَظة الجوع فيتذكر نعم الله عليه وحاجة إخوانه فيكثر البذل والعطاء ويقصر الليل حتى لا يجهده طول القيام مع الصيام.
وفي تنقل العيدين بين المواسم وما يكون فيهما من العادات في أنواع المآكل والمشارب والنزهات ما يزيد فرحة الأعياد.
٢- الثبات والحماية من التلاعب والعبث العبث بالتقويم الميلادي (اليولياني) قديم فقد نقل يوليوس قيصر بداية السنة من شهر مارس إلى شهر يناير في (سنة ٤٥ ق.م) وقرَّر أن يكون عدد أيام الأشهر الفردية ٣١ يومًا والزوجية ٣٠ يومًا عدا فبراير ٢٩ يومًا، وإن كانت السنة كبيسة يصبح ثلاثون يومًا، وتكريمًا ليولوس قيصر سمي شهر كونتليس (الشهر السابع) باسم يوليو وكان ذلك في (سنة ٤٤ ق.م).
وفي (سنة ٨ ق. م) غيّر شهر سكستيلس باسم القيصر الذي انتصر على أنطونيو في موقعة أكتيوم (سنة ٣١ ق. م)، ومن أجل مزيد من التكريم فقد زادوا يومًا في شهر أغسطس ليصبح ٣١ يومًا بأخذ يوم من أيام فبراير وترتب على هذا التغيير توالي ثلاثة أشهر بطول ٣١ يومًا (٧، ٨، ٩) نتيجة لذلك أخذ اليوم الحادي والثلاثين من كل شهري سبتمبر ونوفمبر وأضيفا إلى شهري أكتوبر وديسمبر، وقد حدث تعديل آخر في عهد الباب (غريغور الثالث عشر) الذي قام بإجراء تعديلات على التقويم اليولياني حيث عالج الثغرات الموجود في التقويم اليولياني، وقد عُرِف هذا التقويم باسم التقويم الغريغوري أو الجوريجي وهو التقويم الذي يعمل به حاليًا التقويم الميلادي.
والناظر في هذه التغييرات بعين النقد يتبين له هزالة هذا التقويم.
٣ – عدم الخطأ:
اعتبر التقويم اليولياني من أعظم إنجازات يوليوس قيصر الحضارية، ولقد مرَّ التقويم الشمسي بمراحل من الأخطاء الفلكية والحسابية وما زال بحاجة إلى التصحيح وقد يحتاج المتخصصون إلى قرون للكشف عن تلك الأخطاء المتراكمة وهذا ما حدث بالفعل.
أما النظام التقويم القمري فيستحيل عليه الخطأ وإن وقع الخطأ فيكون من جهة البشر وبإمكان أي إنسان أن يكتشفه في غضون يوم أو يومين ويتم تصحيح العمل به تلقائيًا.
والتقويم القمري تقويم رباني سماوي كوني توقيفي قديم قِدَم البشرية ليس من ابتداع أحد الفلكيين، وليس للفلكيين سلطان على أسماء الشهور العربية القمرية، ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها، وإنما يتم كل ذلك في حركة كونية ربانية.
وقد تم تحديد عدد الشهور السنوية في كتاب الله القويم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:٣٦].
وفي الوقت الذي عبث الفلكيون بتقويم الأمم الأخرى -في أسماء شهورها وأطوالها وهيئاتها وتسلسلها- فإنه لا سلطة للفلكيين أو غيرهم على التقويم القمري؛ بحيث لا يستطيع أحد استبدال اسم شهر بشهر أو موقع شهر بشهر أو يزيد فيه يومًا، أو ينقص منه يومًا، فهو تقويم كامل لا يحتاج إلى تعديل أو تصحيح، وهو رباني من تقدير العزيز العليم.
٤- دخول الشهر القمري وخروجه: يثبت دخول الشهرالقمري برؤية الهلال لقوله ﷺ: «صوموا لرؤيَتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ، فإنْ غبِّيَ عليكم فأكمِلوا عدِةَ شعبانَ ثلاثينَ» (رواه البخاري).
المؤامرة لطمس التاريخ الهجري:
إن إزالة التاريخ الهجري وتجهيل الشعوب الإسلامية به؛ مؤامرة استمرت قرونًا متوالية
ولقد تعرضت أمتنا الإسلامية لمؤامرات عديدة لطمس الهوية الإسلامية؛ ومن هذه المؤامرات طمس التأريخ الهجري؛ ففي القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) أرادت الدولة العثمانية تحديث جيشها وسلاحها، وطلبت المساعدة من الدول الأوربية العظمى، فتمت الموافقة على مساعداتها بشروط، منها إلغاء التقويم الهجري في الدولة العثمانية، ومع الأسف وافقت الدولة العثمانية على ذلك.
وعندما أراد خديوي مصر أن يستقرض مبلغًا من الذهب من إنجلترا وفرنسا لتغطية مصاريف فتح قناة السويس، اشترطت عليه الدول الأوربية عدة شروط، منها إلغاء التقويم الهجري في مصر، فتم إلغاؤه أيضًا -مع الأسف- سنة ١٢٩٢هـ/ ١٨٧٥م.
إلى أن جاءت الموجة الاستعمارية وما تبعها من تغريب وفقدان للهوية أدَّت إلى سقوط الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك الذي أصدر قرارًا بإلغاء التاريخ الهجري واستبداله بالتاريخ الروماني (الميلادي) عام ١٣٤٤هـ الموافق ١٩٢٦م، وبعد ذلك حرص المستعمر الصليبي على محو الهوية الإسلامية للبلاد المستعمرة من خلال فرض التاريخ الميلادي على تلك البلاد في جميع تعاملاتها الرسمية والاجتماعية وعمل على بقاء العمل به حتى بعد جلاء الاستعمار عنها.
وختامًا
نستطيع أن نقول: إن التأريخ الهجري والتقويم الهجري يعبر عن هوية الأمة الإسلامية، وهو رمز لها يجب الحفاظ عليه من الذوبان والانطماس، وكشف المؤامرات التي تهدف إلى طمسه لأنه هو الذي يُذكِّر الأمة بأمجاده؛ وعلينا كمسلمين إحياء حادثة الهجرة النبوية بما يتناسب مع عظمة الحدث الذي غير مجرى التاريخ الإنساني، وترتب عليه قيام الدولة العربية الإسلامية، التي غزت البر والبحر، وخاطبت الملوك والأمراء، وبنت الكيان الإنساني المتكامل روحا ومادة ، ثم أصبحت فيما بعد إمبراطورية مترامية الأطراف امتدت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وقدمت للإنسانية حضارة عظيمة أبهرت العالم.. فعلينا الاهتمام بهذا التاريخ، وإنه لأجدى للمؤسسات العربية بكافة أشكالها أن تهتم بهذا التقويم بجانب التقويم الميلادي، وأن تؤرخ به لأحداثها ومسيرتها.