حديث “لا تسوّدوني”: تحقيق علمي في نصٍّ لم يصح عن النبي ﷺ

بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد

 

ما يزال بعض الناس ينكرون على المسلمين قولهم: “سيدنا محمد”، ويزعمون أن النبي ﷺ قال: “لا تسوّدوني”، ويجعلون من هذا القول حجّة على منع تسويد النبي وتعظيمه، وربما يصل الحال إلى إنكار الصلاة عليه بلفظ السيادة في التحيات والصيغ المعروفة.

فهل ثبت هذا الحديث؟
وهل النهي عن “التسويد” له أصل؟
هذا ما نحاول تبيينه في هذا المقال المختصر، خدمة لسنّة الحبيب المصطفى، وردًا على من ينقل دون تثبّت أو علم.

أولًا: لا أصل لحديث “لا تسوّدوني”

بعد مراجعة دواوين الحديث الشريف، من الصحيحين والسنن والمسانيد والمعاجم، لم نجد أي أثر صحيح أو ضعيف أو حتى موضوع فيه هذا اللفظ: “لا تسوّدوني”، أو “لا تقولوا سيدنا”.

وقد نص على ذلك كبار المحدثين والعلماء:

قال الإمام الزرقاني (في شرح المواهب اللدنية):
“أما ما يُروى عن النبي ﷺ من قوله: لا تسوّدوني في صلاتكم، فحديث لا أصل له”

وقال الإمام السخاوي في “القول البديع”:
“ما نُقل من النهي عن التسويد لا يُعرف، ولا يثبت عنه ﷺ”

وبذلك يتبيّن أن هذا الحديث مكذوب عليه ﷺ، ولا يجوز نسبته إليه، ولا الاستدلال به في أي موضع.

ثانيًا: ما ثبت عن النبي ﷺ يُخالف هذا الزعم

لقد أثبت النبي ﷺ السيادة لنفسه في أحاديث صحيحة مشهورة، منها:

1. «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» (رواه مسلم)
2. «أنا سيد الناس يوم القيامة» (رواه البخاري).

فهذه أحاديث صحيحة قطعية، يُثبت فيها ﷺ سيادته، وهي سيادة شرّف الله بها نبيّه، لا ينال منها شيء، ولا يمنّ بها، بل قالها ليُعلّم الأمة قدره، ويعرّفها مقامه.

ثالثًا: سيادته ﷺ مقررة عند الأمة
لقد أجمعت الأمة على أن النبي ﷺ هو سيد ولد آدم، وأشرف الخلق، وأكرمهم على الله، وقد كان الصحابة يقولون له “سيدنا” من دون نكير.

جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال في مرض النبي ﷺ:
“قوموا إلى سيدكم”  (رواه أبو داود وصححه الحاكم)

وكان الإمام الشافعي يقول:

“أحب أن يُكثر الناس من الصلاة على النبي ﷺ، ولا يُصلى عليه إلا ويقال: اللهم صلّ على سيدنا محمد” (نقله الزركشي في “التذكرة”)

فلم يُنكر النبي ﷺ هذا التسويد، بل أقرّهم، وعلّمه للأمة، ودعاهم إلى محبته وتوقيره، فقال تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: 9]

 رابعًا: التسويد أدب لا غلو
إن بعض الناس يُوهِم أن تسويد النبي ﷺ نوع من الغلو، وهذا من الجهل بمقام النبوة.
فالتسويد لا يعني تأليه النبي، ولا رفعه فوق البشرية، وإنما يعني:

 

الإقرار بمقامه الشريف.
التعظيم الواجب له.
التأدب في النداء والخطاب.
تقديمه في الدعاء والذكر.

وقد أجاز العلماء إدخال لفظ السيادة في التشهد والصلاة الإبراهيمية، واعتبروه مستحبًا، لا بدعة.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، في العالمين إنك حميد مجيد.