الصهاينة.. زي إسلامي وفعل إجرامي داخل الأوطان العربية
20 يونيو، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة
في زمن اختلطت فيه الوجوه وتلبست الذئاب بجلد الخراف، خرج علينا نوع جديد من الأعداء، لا يحمل السلاح جهارًا، ولا يرفع راية الغدر علنًا، بل تسلل بين الصفوف، وتخفّى خلف الشعارات الدينية، ولبس جلباب الإسلام وهو منه براء، ذلك هو “الصهيوني المتأسلم”، جاسوس مدرب، وعميل مموه، يعيش بيننا، يأكل من طعامنا، ويتحدث بلغتنا، ويرفع شعاراتنا، لكنه يحمل خنجرًا خلف ظهره، ويبحث عن الفرصة لينغرس في قلب هذه الأمة.
هؤلاء الجواسيس ليسوا قادمين من الخارج بطائرات مظلمة أو من خلف الحدود المحصنة، بل هم ولدوا هنا أو جُلبوا إلى هنا منذ سنين، وتربّوا على النفاق والخيانة، وزُرعوا داخل جسد الأمة العربية كخلايا سرطانية هدفها واضح: تفتيت الصف، نشر الفوضى، وإضعاف الهوية.
لقد نجح العدو الصهيوني، عبر مؤسساته الاستخباراتية، في أن يصنع عملاء لا يمكن تمييزهم بسهولة، بعضهم يظهر كمصلح اجتماعي، وآخر يتخفى في زي داعية، وثالث يلبس عباءة التاجر الشريف، لكنهم جميعًا يحملون في صدورهم نوايا الخيانة، وفي ألسنتهم كلمات منمقة لتضليل العقول، وفي أفعالهم يد طولى للخراب.
كيف تغلغلوا؟
بدأ الاختراق الصهيوني ناعمًا، طويل النفس، ومدروسًا بعناية. فهؤلاء لا يقتحمون المجتمعات اقتحامًا، بل يتسللون إليها تسللاً هادئًا. دخلوا عبر بوابة الاقتصاد، فتحكموا في الشركات، واستثمروا في الإعلام، وتعاونوا مع ضعاف النفوس. تسللوا إلى المؤسسات التعليمية والثقافية، فشوّهوا المناهج، وروّجوا لأفكار خبيثة تغسل العقول، وتحطم المبادئ، وتعيد تشكيل الوعي وفقًا لأجندتهم.
ثم جاء دور الدين، وهو أخطر مراحل التغلغل. انتقوا بعض المرتزقة، ومولوا من يتحدث باسم الدين دون وعي أو بإرادة الخيانة، فسمعنا فتاوى تُبرر التطبيع، وخطبًا تشكك في المقاومة، وأقلامًا تكتب ضد الشرفاء من العلماء والمجاهدين. لقد لبسوا عمائم، ورفعوا المصاحف، وتحدثوا عن السلم، وهم يعملون لزرع الذل.
امتد تغلغلهم ليشمل الفن والإعلام، فظهرت المسلسلات التي تروّج للصهيوني “المتحضّر” وتشيطن العربي المقاوم، وبرزت أصوات تطالبنا “بالتفاهم” مع القاتل، و”بتجاوز الماضي”، وكأن الدم الذي سُفك لا يعني شيئًا، وكأن القدس ليست قضيتنا، وكأن المقاومة جريمة والسكوت بطولة!
كما اخترقوا الشباب عبر مواقع التواصل، فزرعوا مئات الحسابات المزيفة التي تبث الإحباط، وتسخر من القيم، وتدعو للإباحية، وتشكك في الثوابت، بل وتُشيع أخبارًا كاذبة وقت الفتن، لتشعل النار في المجتمعات من داخلها دون أن يُطلقوا رصاصة واحدة.
يروج هؤلاء لمفاهيم مغلوطة باسم الدين، ويشككون في الجهاد والمقاومة، ويدعون إلى التطبيع مع العدو تحت مسميات براقة، ويسخرون من الشعوب المقاومة، ويحاربون كل صوت حر شريف، ويستميتون في تشويه صورة العلماء العاملين والرموز الوطنية والدينية المخلصة.
أخطر ما في هؤلاء أنهم لا يعلنون عداوتهم، بل يتسللون لعقول الشباب من خلال الإعلام الموجّه، ومواقع التواصل، ومنابر الكذب، يشككون في العقيدة، ويحرّفون التاريخ، ويُطفئون نار الغضب الشعبي، ويطلبون منّا الاستسلام باسم “الواقعية” و”الحكمة”.
وما أشبههم بالمنافقين في زمن الرسول ﷺ، الذين عاشوا وسط المسلمين، وشهدوا معهم الغزوات، لكنهم كانوا أشد خطرًا من الكافرين الظاهرين، لأنهم يعلمون مواطن الضعف، ويخترقون الصفوف، ويتربصون بأمة الإسلام.
علينا اليوم أن نفيق من غفلتنا، وأن نُدرك أن الحرب لم تعد فقط على الحدود، بل في العقول والقلوب، وأن العدو قد يُسلّح نفسه بآيات يُفسرها على هواه، ويختبئ خلف الأحاديث وهو لا يؤمن بها أصلًا.
إن الصهاينة الحقيقيين قد لا يحملون نجمة داوود، بل قد يرفعون السواك، ويُدلون بلحى مزيفة، ويُنادون بكلمات مأثورة لا يفهمون معناها، لكن أفعالهم تفضحهم، وقلوبهم لا تعرف لله طريقًا، ولا للعروبة قيمة.
إنها دعوة لكل عربي ومسلم: لا تكن ساذجًا، دقّق فيما تسمع، وانظر لما يُقال ولمن يقوله، واعرف عدوك، فعدوك الآن ربما يسكن في بيتك الإعلامي، أو مسجدك، أو حتى صفك الدراسي.
أولئك الجواسيس أصحاب الزي الإسلامي والفعل الإجرامي، لا دين لهم ولا مبدأ، شعارهم النفاق، وسلاحهم الكذب، وغايتهم تدمير أمة لا تزال تتنفس رغم أنوفهم.
ولتعلم الأمة كلها، من المحيط إلى الخليج، أن المعركة القادمة لن تكون فقط مع الدبابات والطائرات، بل مع العقول التي يُعاد تشكيلها كل يوم، ومع الضمائر التي يُشترى صمتها، ومع المنابر التي تُستخدم لتزييف الوعي. فالحذر كل الحذر من كل فكر يُشكك في القيم، ومن كل داعية يدعو للاستسلام، ومن كل فنان يبيع الحقائق باسم الإبداع.
العدو اليوم أكثر ذكاءً، وأكثر خُبثًا، وأشد تغلغلًا. لا يظهر في زيه العسكري، بل في صورة رجل الدين، والمثقف، والمحلل، والشاعر، والمغني، والمفكر. لذلك، على كل فرد في الأمة أن يكون جنديًا في ميدان الوعي، وأن يرفع سلاح الفطنة في وجه الزيف، وسلاح العزة في وجه التطبيع، وسلاح الكلمة في وجه الخونة، حتى تبقى أمتنا حرة، وتظل راية الحق مرفوعة، رغم أنف الكيان ومن زرعهم بيننا.