قصة أصحاب الفيل

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

لما اشتد الأذى بالنبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه في مكة أنزل الله تعالي سورة الفيل تسلية لهم وتذكيرا لهم بما فعله الله تعالى بأبرهة وجنوده، وأن الله تعالى ناصرهم كما نصر أهل مكة على الظالمين المعتدين، وكانت قصة الفيل مقدمة وإرهاصا بين يدي ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وُلِد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل.

ويذكر أهل السير أن أبرهة الحبشي رأى أن يبني بيتا في صنعاء اليمن يدعو العرب إلى حجه بديلا عن حجهم للكعبة؛ لتحويل التجارة والمكاسب من مكة إلى اليمن، وهذا يؤكد أن الحروب في أصلها اقتصادية، وتم صبغها بالصبغة الدينية(يهودية أو مسيحية أو إسلامية)؛ لتجنيد أكبر عدد من الناس بلا مقابل، والأديان كلها قد حرمت الاعتداء والقتل، وبني أبرهة كنيسة عظيمة لم يبن مثلها في التاريخ، فجاء رجل قرشي ـ في فعل صبياني متهور كاد أن يكون سببا في هدم الكعبة ـ فتغوط بجوارها ولطخ جدرانها بالعذرة، فثار غضب أبرهة؛ فقرر ببطشه على الفور أن يستغل الحدث الفردي الخسيس لهدم الكعبة بجيشه الذي جهزه لغزو مكة، وكان معه ثلاثة عشر فيلا ومن بينها فيل يدعى محمود وهو أكبرها وساروا حتى انتهوا إلى قرب مكة.

وقد ساق أبرهة وجنوده في طريقهم أموالاً لأهل مكة، وفيها إِبل لعبد المطلب، فجاء إلى أبرهة، وكان عبد المطلب رجلًا مهيبًا حتى دخل عليه، وطلب منه إِرجاع إِبله، فقال أبرهة متعجبا: جئنا لهدم البيت الذي هو عزكم وشرفكم وأنت تطلب الإِبل، فقال عبد المطلب: أنا رب الإِبل وللبيت رب يحميه، وكان لهذه الكلمة أثرها في نفس أبرهة، أما قريش فقد عجزت عن المواجهة وخرجت إِلى رؤوس الجبال حتى لا تصطدم مع جنود أبرهة.

وواصل أبرهة سيره حتى بلغ وادي محسر بين المزدلفة ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى الكعبة، وكانوا كلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق يقوم يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبينا هم كذلك إذ أرسل الله عليهم {طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل: 3 – 5]، وكانت طيرا صغارا، مع كل طائر ثلاثة أحجار مثل الحمصة ، حجر في منقاره، وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحدا إلا تتقطع أعضاؤه، وتهلكه، وصيرته كالعصف المأكول، أي: كعشب أكلته الدواب وداسته بأرجلها فأصبح مهروساً؛ لأن قطرة من الزقوم لو قُطِرَتْ في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، كما قال صلى الله عليه وسلم.

وخرج الباقون هاربين يموج بعضهم في بعض فتساقطوا بكل طريق، وهلكوا على كل سبيل، وأما أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء، إلا وهو مثل الفرخ، ثم هلك.

وبعد هذه الكرامة وهذا النصر الإلهي أصبحت لقريش مكانة في العرب، ورزقاً وفيراً؛ ولهذا جاءت سورة قريش بعد سورة الفيل مباشرة تذكيرا لهم بنعمة الله عليهم، {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش: 1 – 4].