الوهابية بين ادّعاء الاتباع وحقيقة الابتداع
18 يونيو، 2025
الوهابية ومنهجهم الهدام

بقلم الشيخ : عبد الله قدري سعد
من أبرز الظواهر التي أثّرت على واقع المسلمين في القرون المتأخرة، بروز حركة دينية تُعرف بالوهابية، نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب (ت. 1206هـ)، والتي رفعت شعار “تجديد التوحيد” و”تنقية العقيدة”، بينما في حقيقتها انحرفت عن منهج أهل السنة والجماعة، وابتدعت في الدين ما لم يكن فيه، ونازعت جماعة المسلمين في أصولهم وفروعهم.
أولًا: دعوى الاتباع
ادّعى مؤسس هذه الحركة أنه جاء لتصحيح عقائد المسلمين، وتخليصهم مما سماه مظاهر الشرك والبدع، ورفع لواء “التوحيد” بمعناه الخاص الذي فسره وفق فهمه الخاص للآيات والأحاديث، من غير الرجوع إلى ما عليه جمهور العلماء سلفًا وخلفًا.
وقد أدّى هذا الفهم إلى:
تكفير عموم المسلمين بسبب زيارتهم للقبور، أو توسّلهم بالصالحين، أو تبركهم بآثار النبي ﷺ.
استباحة الدماء والأموال، كما وقع في غزواتهم للمدن الحجازية والعراقية والشامية.
اتهام علماء الأمة، من الأزهر والشام والمغرب والهند، بأنهم غارقون في الضلال.
ثانيًا: مظاهر الابتداع
رغم ادّعائهم محاربة البدع، فإن الوهابية ابتدعت في العقيدة والموقف من الأمة أمورًا جسيمة، من أبرزها:
1. التكفير بالظنون: حيث يكفّرون من يتوسّل أو يزور قبر نبي أو ولي، مع أن هذا الفعل كان عليه الصحابة والتابعون، كما في حديث الأعمى في التوسل بالنبي ﷺ، وقصة بلال حين زار قبره الشريف فبكى.
2. التجسيم: حيث يُثبتون لله الحد والمكان والجهة، مخالفةً لما عليه جمهور أهل السنة من تنزيه الله تعالى عن الحدود والأبعاد.
3. هدم القبور والمشاهد: خالفوا بذلك إجماع الأمة على حرمة هدم قبور الأنبياء والصالحين، وعلى جواز زيارتها للاتعاظ والدعاء، كما ورد في حديث: “زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة” (رواه مسلم).
4. العداء للتصوف: رغم أن التصوف السني هو علم التزكية الذي دعت إليه النصوص، وبه عمل السلف، ومنه تخرّج آلاف العلماء من أمثال: الجنيد، والشيخ عبد القادر الجيلاني، وأبي الحسن الشاذلي، وغيرهم.
ثالثًا: موقف الأمة من الوهابية
لم تلق هذه الحركة قبولًا عامًا في العالم الإسلامي، بل قاومها العلماء الكبار، وأصدروا الفتاوى والمصنفات في الرد على بدعها، ومن ذلك:
كتاب الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية للشيخ سليمان بن عبد الوهاب (أخو المؤسس).
والدرر السنية في الرد على الوهابية للإمام أحمد زيني دحلان.
وكتب العلامة يوسف النبهاني، والشيخ الكوثري، والعلامة محمد أبو زهرة.
وقد ثبت تاريخيًا أن هذه الدعوة لم تنتشر إلا بقوة السيف والسياسة، خاصة بعد تحالفها مع آل سعود ودعمها من القوى الاستعمارية في بدايات نشأتها.
رابعًا: العودة إلى الجادة
إن نجاة الأمة اليوم تكمن في العودة إلى جماعة أهل السنة والجماعة، التي تواطأ عليها السواد الأعظم من المسلمين عبر القرون، والتي تجمع بين:
العقيدة الأشعرية أو الماتريدية.
الفقه على المذاهب الأربعة.
التصوف السني في التزكية والتربية.
وهذا ما حافظ على وحدة الأمة، وحمى تراثها، وأثمر حضارتها.
ختاما
الوهابية ليست امتدادًا للسلف، بل خروجٌ عنهم، وليست دعوةً للتجديد، بل منبعٌ لكثير من الغلو والانحراف.
فلنحرص على بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، ولنُبرز وسطية الإسلام وسَعة مذاهبه، ولنحذر من فكر التفريق الذي يُلبس على الناس باسم التوحيد والسنة.