محنة الشباب المسلم فى عصر اللاوعى
16 يونيو، 2025
بناء وتنمية الذات

بقلم الأستاذ : مازن أبو الفضل
بين العامين ٢٠١١ و٢٠١٣ حضرت احتفالية كضيف لأحد الكيانات الطلابية ذات الطابع الإسلامي وقد تحدث فيها عدة من الأيقونات التي يحتذى بها وبعلمها في توجيه أفكار الشباب.
أحد تلك الشخصيات طرح فكرة مفادها “نحن غير مضطرين للتفوق العلمي أو التقني بل فقط مطلوب مننا التميز في التبليغ وإيصال الدين للآخرين، تخيلوا فقط اذا وصلنا الدين الى الصين مثلاً أو اليابان وصار شعوبهم مسلمه ما هي النتيجه؟ سيأتون الينا بتقنيتهم وروبوتاتهم وستكون إضافة للحضارة الإسلامية”
ومع إندهاشي من الطرح أخذ الشباب يسقفون ويهللون.
جربت في مره طرح نفس الفكرة على أحد الشباب الجامعي من محبين الأستاذ سابق الذكر فقال لي ان الفكرة غير مقبولة وكيف، قلت له اني سمعتها من فلان، فصمت من الإندهاش.
في موقف آخر كنت أحضر بعض اللقاءات التثقيفية في جمعية خيرية -قبل ٢٠١١- وكان المتحدث مُلقب بالأستاذ والشيخ أيضاً، كان يتكلم في مفهوم مغاير لكلام الأستاذ الذي ذكرناه من قبل حيث كان يتكلم بغضب عن ذهنية “اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين” التي يحملها الشباب المسلم في التعامل مع الواقع وانها ذهنية سلبية لا تعبر عن الدور الفعال الذي يجب أن يؤمن به المسلم كدافع للظلم ومقيم للعدالة.
الأستاذ الأول يتكلم بذهنية الإخضاع وهي مستلهمة من فتوحات القرون الأولى، توسيع الرقعة الإسلامية وإدخال حضارات أخرى بتنوعها الإقتصادي والنسائي تحت راية الإسلام، وطبعاً الجانب الثقافي هو جانب كافر سيتخلون عنه ويكونوا موحدين أو سيدفعون للدولة مبالغ نظير خدمات.
هذه الذهنية لم تتكلم عن صناعة حضارة وتميز في جوانب الحياة وتقديم نموذج جذاب للعالم ليكون بديلاً للفراغ المُحبط الذي شعر أو سيشعر به العالم بل تحدثت عن ممارسة شكل من أشكال التبشير الذي كان يقوم به الإستبداد الإنجليزي لإخضاع شعوب آسيا وأفريقيا، شكل من أشكال الإستبداد برخصة من الله ورسوله.
الأستاذ الثاني تكلم عن الفاعلية وعن ضرورة التعلم والإبتعاد عن التعامل السلبي مع الأحداث العالمية لكن مساره كان فقط في التعليم الشرعي بعيداً عن دمج هذا في جوانب الحياة لنحقق التميز المطلوب، فقط كن مسلم جيد، هذه هي الرسالة.
هذه الدعاوي هي التي شكلت عقلية الشباب الذين عاصرناهم منذ ٢٠١١ حتى الآن.
طبعاً الشباب السلفي خارج هذه المعادلة لأنه لديه مشايخه ونصوصه المقدسه التي لن يبدلها بأي زخم معرفي، ولعلهم هم المقصودين بكلام الأستاذ/الشيخ عندما تكلم عن ذهنية “أضرب الظالمين بالظالمين” ذهنية تفيد أن الله سيقيم لنا العالم الجميل الذي سنعيش فيه والأمور ستصير الى أحسن حال طالما نقيم السنن والنوافل ونقصر الجلباب ونرتدي النقاب ونكفر من استطعنا اليه سبيلاً.
بإسقاط هذين الموقفين على موقف التيار الإسلامي النخبوي من مرحلة ما بعد طوفان الأقصى يمكننا فهم عدة أمور.
يمكننا فهم ماذا دفع أحد الرموز الدينية أثناء طوفان الأقصى بمقولة “أن الله سخر لنا الشيعة “حزب الله وايران” ليقاتلوا اليهود بدلاً منا، ولعلهم يقضون على بعضهم البعض لنبقى نحن الموحدين وتتحرر فلسطين”
فالسلفية هنا شعب الله المختار الذي ينتظر أن يطيب الله له الدنيا ولديه نصوص ونبؤات تدعم هذا الإعتقاد.
يمكننا أيضاً فهم عقلية الشباب الذي هاجم ايران عندما اعتدت عليها اسرائيل وشمت فيها وقال “اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين” لكن تغير موقفه عندما ردت ايران بعنف وقال ربما يكونوا الشيعة مسلمين قليلاً خاصة بعد ما أقر لهم أحد الرموز للشيعة بإسلامهم المشبوه “كتر خيره”
لكن البعض من المخلصين الموحدين مازال يصر أن هناك جبهتين من الكفار يتقاتلون ويتفضل بمناسبه وغير مناسبه يذكرنا أن الشيعة كفار، لا تنسوا ولا تفرحوا لهم، بل افرحوا لاهل غزه لانهم موحدين مثلنا.
يمكن أيضاً فهم لماذا تهافت شباب التيار الإسلامي على نُصرة المِسلحين في سوريا ورفع صور الشرع/الجولاني واعتبار سوريا أخيراً دخلت العباءة “السُنية” فقط لان بشار كان له هوى شيعي في التوجه والتحالف.
يمكن بسهولة تفسير ذلك الحلم بأن يسقط النظام في ايران وتتدخل امريكا لتعيد ايران للشاه او العلمانيين وتصبح ايران “سُنة” مرة أخرى ويحل السلام في العالم.
حال الشباب الإسلامي حقيقة مأسوف عليه، فهُم بين حالة الجمود العلمي والثقافي والإجتماعي في القرون الهجرية الثلاثة الأولى وبين حلم السيادة القائم على الأفضلية وحق القوة، وتلك الحالتين هما الدافع الأول والأساسي للإلحاد والبُعد عن الدين ومظاهره.
أخيراً نوجز ان الطريق لإعمار الأرض له شقين مادي ومعنوي كحال الإنسان، وإرساء قيم الحق والخير والجمال والعدالة في الذات أولى من ترسيخه في الآخر بل مطلوب أن يراه الآخر في فينجذب، وأن الحضارة تنمو رأسياً وليس أفقياً ، وأن العالم لا يسع الأمم الضعيفة ولابد للأمم أن تتعارف وتتآلف وتبحث عن ما يجمعها ولا يفرقها، علينا أن نتعلم كيف نتعايش مع الآخر بدلاً من تحويله أو إفناءه.