حين صفعت الحقيقة وجوه الواهمين

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة


خرج العدو الصهيوني من جلبابه الزائف، ظنًا منه أن مسلسل البطش بالشعوب العربية الهشة والمتفرقة سيبقى سيناريو متكرراً بلا عواقب. تعوّد أن يسبّ ويشتم ويتجاوز حدوده، كطفل مدلل لم يجد من يوقفه عند حده. نشأ كيان قليل الرباية، يصرخ في وجه الجيران، ثم يخرج للشارع ليعتدي على المارة، لكنه فوجئ بمن لقّنه درسًا لن ينساه أبدًا.

العدو الذي لم يخض حربًا حقيقية منذ 1973، والذي كانت آخر معاركه الحقيقية على الجبهة لا بين الأبراج والملاجئ، توهم أن بإمكانه تكرار بطولاته الوهمية على حساب الأبرياء. اعتاد إذلال شعوب لا تملك الجيوش، واغتصاب أوطان بلا سلاح، وترويض ممالك ضعيفة استسلمت منذ زمن بعيد. راهن على الخوف، واستقوى على المستضعفين، وأبكى الأطفال والنساء، فتوهم القوة وهو لا يعرفها.

لكن هذه المرة، صادف من يعرف طريق النار، ويجيد إشعالها حين تُغلق الأبواب. رأى بأم عينه كيف تُدار الحرب الحقيقية، وكيف يكون الرد حين تهتز الأرض تحت قدميه. تهاوت أسطورته كبيت من زجاج، وارتبكت يداه المرتعشتان حتى أخفى أحد أبطاله يده داخل جيبه، وقد كان بالأمس القريب يزأر كأنه أسد!

ظن العدو أن بضعة صواريخ على لبنان وسوريا، وتدمير قرى غزة وأحيائها البسيطة، وإبادة المدنيين بغير حساب، سيجعل منه نمرًا مرعبًا. وصدق نفسه حين حاصر العُزّل من كل اتجاه، وسرق الدعم الدولي تحت لافتات الإنسانية الزائفة، فانقلب المشهد عليه حين قرر اختبار قوته على دولة لها وزنها، ولها جيش حقيقي، وتحالفات تدرك قواعد اللعب الدولي.

نسي أو تناسى أنه إنما يحارب دولة تعرف الحرب، ولها في التاريخ صفحات من العزة والكرامة، وأنه إن استنجد بحلفائه هذه المرة، فسيجدهم في مأزقٍ شديد؛ لأن الخصم اليوم ليس كما الأمس. كل حلفاء إيران لاعبون نوويون، وإذا انفجر الغضب فلن يبقى أحد في مأمن، ولن تعود الحرب محدودةً كما توهموا، بل ستكون كارثة لا يحمد عقباها. لقد أغفلتهم غطرستهم عن حسابات الواقع، فدفعوا ثمنًا باهظًا.

إننا نرى اليوم بأعيننا ما كنا نظنه بعيدًا؛ قصاصًا لا يُبقي ولا يذر، ورعبًا يطال المدن والمستوطنات، ودمارًا يحيط بكل زاوية من زوايا الكيان الغاصب. لا فرق اليوم بين جندي ومستوطن، ولا بين دبابة وبيت، فالمعادلة انقلبت، والحرب باتت بجد، وليس مجرد ألعاب نارية على شاشات الإعلام.

وإن كان هذا الكيان قد تجرأ هذه المرة، فليعلم أن التفكير في حرب مع مصر سيكون خيارًا انتحاريًا. فمصر ليست لبنان، ولا غزة، ولا حتى إيران، مصر جيشُها يعرف الساحات، ويخوض المعارك بشرف، ويصنع النصر بعرق الرجال لا بكاميرات البروباغندا. وإذا كانت هذه أول مرة يرى فيها العدو حربًا حقيقية، فإن حربه مع مصر إن حدثت ستكون آخر مرة يرى فيها النور.

إن الأيام تدور، والعبرة لا تُستقى من منابر الإعلام الموجّه، بل من جراح الميدان، ومن صراخ الجنود، ومن العيون التي ترى الموت يزحف إليها فلا تجد مهربًا. لقد سقط القناع عن وجه العدو، وتعرّى زيفه، وظهرت هشاشته أمام من ظنهم لا يملكون شيئًا سوى الحجارة. اليوم تعلّم درسًا قاسيًا: أن العزة لا تُقهر، وأن الكرامة لا تُشترى، وأن الدم إن سال على الأرض فلن يُنسى أبدًا.

هذا الكيان الغاصب الذي ظن أن قوته في سلاحه، لم يدرك أن أعظم قوة هي في صدور الأحرار الذين لا يخشون الموت إن نطق بالحق. هذه العلقة السياسية والعسكرية والنفسية ستبقى محفورة في ذاكرته، وستعيد تشكيل توازنه المختل. ستعلمه ألا يستهين بشعوب قاومت القهر قرونًا، وألا يقترب من دول تُجيد قراءة التاريخ، وتصنع المستقبل بوعي وقوة.

أما مصر… فستظل عقدة في حلقومه، وهيبةً لا يستطيع تفسيرها. سيذكر جيدًا أن الدخول في حرب معها ليس نزهة، وأن من اقترب من حدودها، لن يعود كما كان. هيبة مصر وجيشها لا تُختبر، بل تُهاب. وإن كتب الله أن تندلع حرب ذات يوم، فلن تكون كسابقاتها، بل نهاية لمشروع صهيوني وُلد على جماجم الأبرياء.