حرب الإيمان على الفساد
8 يونيو، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : يوسف محمد السعداوى
من علماء الأزهر والأوقاف
إن تأثير الفساد على المجتمع أشد فتكًا من الحروب، وأشد هدمًا وتدميرًا من القنابل والمتفجرات.
فإذا أردنا أن نقارن الفساد بأخطر الأمراض، فإنه لا شك يساوي مرض انهيار المناعة التام داخل الجسم؛ حيث يصبح الجسم حياله فريسة سهلة لأتفه الميكروبات وأخملها لتقضي عليه بالموت.
والفساد أشد شراسة على أي مجتمع من ذلك.
حين أشار الله تعالى إلى قوة المجتمع وأسبابها، لفت الأنظار إلى أهم عوامل القوة والازدهار، بل والريادة الأممية، فقال: “كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.”
“فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، إلا قليلًا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين.”
فربط سبحانه بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين النجاة من الهلاك والبقاء،
وربط بين الترف والسعي وراءه وانتشار الفساد في الأرض والجرائم الأخلاقية والاجتماعية وبين الهلاك وزوال الأمم.
وقد وضع الإسلام ضوابط شرعية مشددة، ليحمي المجتمع الإنساني من آفات التدمير والهلاك.
فما من خلق، ولا تعامل، ولا عمل، إلا وله أوامر ونواهٍ وضوابط، تضع الإنسان على طريق البقاء، وتضمن له الحياة الآمنة، الهادئة، المسالمة، الطيبة، التي يتمناها.
ثم ربط نواميس الكون وتحركها لخدمة الإنسان أو لهلاكه بالتزامه أو بعده عن أوامر الله.
وقد كثرت إشارات القرآن في هذا الباب.
عندما تحدث القرآن عن هلاك الأمم، بيّن أسباب ذلك بدقة:
▪ قوم لوط: هلكوا بسبب الفساد الأخلاقي والانخراط في الرذائل.
▪ قوم شعيب: بسبب الفساد المالي والغش في البيع والشراء.
▪ أصحاب السبت: خالفوا الشريعة عمدًا، فاحتالوا على أمر الله واستبدلوه.
▪ أقوام عبدوا غير الله أو نسبوا له ولدًا أو شريكًا: وقعوا في الفساد العقدي والاجتماعي.
فكان اجتماع هذه الألوان من الفساد أو تفرّقها سببًا في هلاك الأمم.
هذا الحديث يُعلن للناس أن لهذا الكون ملكًا قهارًا،
وأن كل شيء يتحرك بأمره، وتحت سلطانه،
وأن على الباغي تدور الدوائر.
الهدف أن يتحرك الإنسان بوازع الحيطة والخوف من مغبة أفعاله،
فيضبط سلوكياته وأخلاقه، فلا يتجاوز الحدود،
فينتهي الفساد من الأرض وتظل صالحة للحياة.
الإيمان بالحياة الآخرة: الحافز العميق
وقد حرّك هذا الوازع الداخلي داخل الإنسان، بأن حدّثه حديثًا مفصلًا عن حياة أخرى بعد هذه الحياة، سعادته وهناؤه فيها متوقف على صلاحه في الدنيا.
وسمّى هذه الحياة بـ الدنيا، لأنها قريبة، وسمّى الأخرى بـ الآخرة، لأنها الباقية.
وجعل من الدنيا نموذجًا للحياة الطيبة والتعيسة، وترك فيها آثار من سبق، ليتّعظ بها الناس، وليكون الدليل واضحًا: أن الله قادر، وقاهر، ويُثيب ويعاقب.
فالواقع أن الفساد يكثر في الأرض عند غفلة الناس، وكثرة الغافلين الذين لا يتنبهون ولا يعتبرون، فيغرقون في فسادهم، حتى يأتي أمر الله.
إن الإيمان بالله واليوم الآخر هو الحرب الحقيقية على الفساد في الأرض.
وبدونه، تضطرب الأرض ويشقى الخلق، وتتحرك نواميس الكون ضدهم.
وشواهد العصر كثيرة :
قسوة الظواهر الطبيعية
تغيُّر المناخ
قسوة الخلق على بعضهم
تسارع الأمم نحو الدمار
التطرف الفكري والعقدي
كلها دلائل على أن البشرية أصبحت في حاجة ماسة للعودة إلى حظيرة الإيمان.
نداء من القرآن إلى الإنسانية
الخطاب القرآني لا يخاطب المسلمين فقط، بل يخاطب جميع الأمم، وجميع الديانات والأعراق:
“إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.”
إنه نداء إلى مصلحي الأمم وعقلائها:
أن يهبّوا، ويأخذوا بأيدي شعوبهم،
ويقفوا صفًا واحدًا أمام هجمات الشيطان على بني الإنسان.
فهل من مجيب؟