خطبة بعنوان ( أيام الرحمة والمغفرة ) لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع
2 يونيو، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان ( أيام الرحمة والمغفرة )
لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع
بتاريخ 10 من ذى الحجة 1446 هجرية – 6 يونيو 2025 م
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ
أيام الرحمة والمغفرة
العُنْصُرُ الْأَوَّلِ : فَضْلٌ صِلَةِ الْأَرْحَامِ
وَنَحْنُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ يَوْمَ عِيدٍ الْأَضْحَى خَيْرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا قَالَ النَّبِيُّ خَيْرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْقَرِّ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ عِيدِ الْأَضْحَى أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
أَرَادَ اللَّهُ لِأَهْلِهِ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً مُتَحَابَّيْن، وَأَحَبَّه مُتَوَاصِلِين، فَشَرَعَ لَهُمْ مِنْ الشَّرَائِعِ مَا يُقَوِّي بَيْنَهُمْ رَوَابِطُ الْإِخْوَة وَأَوْاصر الْمَحَبَّةُ، كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَكَفَالَة الْأَيْتَام، وَحُقُوق الْإِخْوَان، وَالْإِحْسَانِ إلَى الْجِيرَانِ، وَمِنْهَا أَيْضًا صِلَة الْأَرْحَام.
رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ! أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك؟! قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكَ لَك).
وَالْأَرْحَام هُمْ الْقَرَابَاتُ مِنْ النَّسَبِ، وَالْقَرَابَات مِنْ الْمُصَاهَرَةِ، فَهُمْ قَرَابَة الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ أَوْ أَمَةً، وَذَوُو نَسَبُه.
وَهَؤُلَاء جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ حَقًّا زَائِدًا عَنْ بَقِيَّةِ الْخَلْقِ فِي وُجُوبِ صِلَتُهُمْ وَبِرُّهُمْ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ.. وَأَثْبَتَ لَهُمْ ذَلِكَ الْحَقِّ فِي شَرِيعَتِهِ الَّتِي هِيَ كِتَابَةُ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ أَتَمَّ الصَّلَوَات وَالتَّسْلِيمَات.
فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: {وَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}. وَأَعَاد الْأَمْر بِلَفْظِه تَأْكِيدًا لَهُ فِي سُورَةِ الرُّومِ: {فَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقِّهِ}.
وَقَالَ فِي النِّسَاءِ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}[النِّسَاءِ:36].
وَقَالَ أَيْضًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام}
وَلَمَّا سَأَلَ الصَّحَابَةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّفَقَات وَالصَّدَقَات، أَجَابَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْبَدْء بِالْوَالِدَيْن وَالْقَرَابَات فَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَينِ وَالأَقْرَبِينَ}[الْبَقَرَة:215].
وَجَعَلَ اللَّهُ صِلَةٌ الرَّحِم حَقًّا وَاجِبًا فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَعَلَى مَرِّ الْعُصُورِ وَالْأَزْمَانِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى}[الْبَقَرَة:83].
صِلَةُ الرَّحِمِ فِي السَّنَةِ
وَأَمَّا سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ سَبْرِهَا وَدَرَسَهَا أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا وَجَدَهَا مَلْأَى بِصِلَةِ الرَّحِمِ قَوْلًا وَفِعْلًا.. فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُصَلُّوا أَرْحَامَهُمْ وَيُقَدِّمُوهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُدْوَةً لَهُمْ فَكَانَ يُصَلِّ قَرَابَاتِه وَأَرْحَامِه بِكُلّ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، يَعُود مَرِيضِهِمْ، وَيُعْطَى فَقِيرُهُمْ، وَيَتَفَقَّد مُحْتَاجَةٌمْ، وَيُوَاسِيَهِمْ فِي أَفْرَاحِهِمْ وَأَتَرَاحِهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ، وَيُثْنِي عَلَيْهِمْ، وَيُطْلَبُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُرَاعُوه فِيهِمْ {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}[الشُّورَى:23]، وَبِهِمْ كَانَ يَبْدَأُ فِي كُلِّ خَيْرٍ، بَلْ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنَّ يَبْدَأُ بِهِمْ دَعْوَتُهُ فِي مَكَّةَ فَقَالَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ}[الشُّعَرَاء:214 ].
لَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ بِصِلَةِ الأَرْحَامِ أَصْلًا فِي دَعْوَتِهِ، وَسَمَه بَارِزَةٌ مِنْ سِمَاتِ رِسَالَتِه، بِهِ بَدَا دَعْوَتُهُ فِي مَكَّةَ، فَفِي حَدِيثِ هِرَقْل مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: سَأَلَه هِرَقْل: مَا يَقُولُ لَكُمْ؟ قَالَ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَة وَالْعَفَاف وَالصِّلَة”.
يَقُولَ عَمْرٌو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (قَدِمْتُ مَكَّةَ أَوَّلَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: نَبِيُّ. قُلْتُ: وَمَا نَبِىٌّ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّهِ. قُلْتُ: بِمَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ)[رَوَاهُ الْحَاكِمِ].
وَكَمَا كَانَ الْأَمْرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ أَوَّلُ مَا بَدَا بِهِ فِي مَكَّةَ، كَذَلِكَ كَانَ أَوْ مَا بَدَا بِهِ عِنْدَ هِجْرَتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ.. فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِى النَّاسِ، لأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهٍ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، إنْ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)[صَحِيحِ ابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ].
وَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ .. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: (مِنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَه).
كَيْفَ نَصِلُ الْأَرْحَامِ:
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَوْ سَأَلَ سَائِلٌ: مَاذَا تُقْصَد بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْوَاصِلِينَ؟ فَنَقُول:
. بِمَحَبَّتِهِمْ وَمَوَدَّتِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَجْلِ قَرَابَتِهِمْ.
. وَالْمُبَادَرَةُ إلَى مُعَاوَنَتُهُمْ وَمُسَاعَدَتَهُمْ عِنْد حَاجَتِهِمْ.
. وَالْإِسْرَاعُ إِلَى الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ شِقَاقُهُم وَعَدَاوَتِهِمْ.
. وَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ بِإِجَابَة دَعْوَتُهُمْ وَالْمُشَارَكَةِ فِي أَفْرَاحِهِمْ وَأَتَرَاحِهِمْ.
. وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَتَقْدِيم الْعَوْن لَهُمْ فِي حَالِ غِنَاك وَفَقْرِهِمْ، وَقُوَّتِك وَضَعْفِهِمْ.
. وَالْبَشَر عِنْدَ لِقَائِهِمُ، وَالْبَسْمَة فِي وُجُوهِهِمْ، وَالتَّلَطُّف مَعَهُمْ وَالتَّوَاضُعِ لَهُمْ خُصُوصًا إذَا كُنْت غَنِيًّا وَهُمْ فُقَرَاءُ، أَوْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَأَنْتَ مِنْ ذَوِي الْمَكَانَة وَالْوَجْهُاء.
تَقْدِيمُهُمْ فِي الصَّدَقَاتِ
. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمُوا فِي الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ فَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى الْقَرِيبِ صَدَقَةٌ وَصِلَة).
وَعِنْدَمَا تَصَدَّقَ أَبُو أَيُّوبَ بِبُسْتَانِه بِبَيْرُحَاء قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُرِيَ أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ). فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ”.[مُتَّفَق عَلَيْهِ].
قَالَ عَلَى: “لِأَنَّ أَصْلَ أَخًا مِنْ إخْوَانِي بِدِرْهَم أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنَّ أَتَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا”.
. وَمَنْ أَعْظَم الصِّلَةِ أَنْ تُسَدَّ دَيْن مَيِّتِهِمْ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: “مَا مَاتَ ذُو قَرَابَةٍ لِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا قَضَيْت دَيْنِه”.
يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ الأَنْسَابِ مَا يَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ”، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مِنْ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ، فَمَنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَرْحَامَ لَيْسُوا مُتَسَاوِينَ فِي دَرَجَةٍ قَرَابَتِهِمْ، بَلْ هُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ صِلَتُهُمْ إنَّمَا تَكُونُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّك، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاك.
فَضْلَ صِلَةِ الرَّحِمِ وَأَثَرُه:
أَنْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ ثِمَارًا يَانِعَة وَاثَارًا عَجِيبَة عَلَى الْوَاصِلِين، فَضْلًا عَنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالْأَجْرِ الْكَبِيرِ.. فَمَنْ ذَلِكَ:
* صِلَةٌ الرَّحِم عَلَامَةُ الْإِيمَانِ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَه).
* سَبَب صِلَة الرَّحْمَنِ: فَفِى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مِنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعَتْه).
* أَعْجَل الْأَعْمَال ثَوَابًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلُ عِقَابًا مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ). رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيّ.
* سَبَبَ دُخُولِ الْجَنَّةِ: فَفِي الْحَدِيثِ: (أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ غَنِيّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ)[رَوَاه مُسْلِمٍ].
* سَبَبُ مَحَبَّةِ الْأَهْلِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ: فَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِلَةُ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ)[رَوَاه أَحْمَد].
* سَبِيل لِسَعَة الرِّزْق وَطُولِ الْعُمْرِ: (مِنْ أَحَبِّ أَنْ يَبْسُطَ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)[رَوَاه مُسْلِم].
* عَلَامَةً عَلَى كَمَالِ الْعُقُول: وَسَمَه لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَذَوِي الْفُهُوم قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَاَلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}[الرَّعْد].
العُنْصُرُ الثَّانِي : عُقُوبَةِ قَاطِعِ الرَّحِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ
مَعْنَى قَطِيعَةِ الرَّحِمَ:
أَنْ قَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ تَكُون بِهَجْرِهِمْ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الزِّيَارَةِ الْمُسْتَطِاعَة، وَعَدَمُ مُشَارَكَتَهُمْ فِي مَسْرُاُتُّهِم، وَعَدَمُ مُوَاسَاتُهُمْ فِي أَحْزَانُهُمْ، كَمَا تَكُونُ بِتَفْضِيل غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي الصِّلَاتِ وَالْعَطَاءات الْخَاصَّةِ، الَّتِي هُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ.
مِنْ عُقُوبَاتِ قَاطِع الرَّحِم:
قَاطِعُ الرَّحِمِ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } . (سُورَة مُحَمَّدٍ:32-33).
قَالَ عَلَى بْنِ الْحُسَيْنِ لِوَلَدِهِ : يَا بَنِي لَا تَصْحَبَنَّ قَاطِعُ رَحِمٍ فَإِنِّي وَجَدْتُه مَلْعُونًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةٍ مَوَاطِن .
وَاثْنَتَانِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثُ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (سُورَة مُحَمَّد:32-33).
{وَاَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرَّعْد:25).
أَمَّا الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ فَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَلَعَلَّهُ يَقْصِدُ قَوْلُه تَعَالَى:
{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ} (الْبَقَرَة:27) .وَاَللَّه أَعْلَم.
قَاطِعُ الرَّحِمِ مِنْ الْفَاسِقِينَ الْخَاسِرِين:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِين * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُٰيَك هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الْبَقَرَة:26-27).
فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْفَاسِقِين الْخَاسِرِين الضَّالِّين قَطْعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إنْ يُوصَل وَمِنْ ذَلِكَ صِلَةٌ الْأَرْحَام.
قَاطِعُ الرَّحِمِ تُعَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنْ الْعُقُوبَةِ فِي الْاخِرَة:
فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الْاخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ” . (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ).
وَقَدْ رَأَيْنَا مِصْدَاق هَذَا فِي دُنْيَا الْوَاقِع ، فَقَاطِع الرَّحِم غَالِبًا مَا يَكُونُ تَعَبًا قَلِقًا عَلَى الْحَيَاةِ ، لَا يُبَارَكَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، مَنْبُوذًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ وَضْعُ وَلَا يَهْدَأ لَه بَالَ.
وَعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَنْ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ الْقَطِيعَةِ : قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ : فَذَلِكَ لَكَ ” . رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ.
وَمَا أَسْوَأُ حَالِ مَنْ يَقْطَعُهُ اللَّهُ .. وَمَنْ قَطَعَهُ اللَّهُ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَصِلُهُ؟.
الْعُقُوبَةُ فِي الْاخِرَةِ
الْحِرْمَانِ مِنْ الْجَنَّةَ:
وَمَنْ أَعْظَمَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا قَاطِعُ الرَّحِمِ إنْ يُحْرَمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ”. (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ). يَعْنِي قَاطِعَ رَحِم.
وَمَعْنَى عَدَمِ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: ( “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ” هَذَا الْحَدِيثِ يَتَأَوَّل تَأْوِيلَيْن سَبَقَا فِي نَظَائِرِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَحَدُهُمَا: حَمْلُهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطِيعَة بِلَا سَبَبٍ وَلَا شُبْهَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهَا فَهَذَا كَافِرٌ يَخْلُدُ فِي النَّارِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ وَلَا يَدْخُلُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يُعَاقَبُ بِتَأَخُّرِه الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى).(انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ).
لَا يَرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ وَلَا يُقَبِّلُهُ اللَّه:
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي ادَمَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَشِيَّةَ كُلِّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ”.(رَوَاه أَحْمَد).
مَوْعِظَة وَدَرْس بَلِيغ:
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(النُّور22) قَالَ: (أَيْ: لَا تَحْلِفُوا إلَّا تُصَلُّوا قَرَابَاتِكُمْ الْمَسَاكِينِ وَالْمُهَاجِرِين . وَهَذِهِ فِي غَايَةِ التَّرَفُّق وَالْعَطْفِ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ; وَلِهَذَا قَالَ : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) أَيْ : عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ مَنْ الْإِسَاءَة وَالْأَذَى، وَهَذَا مِنْ حَلَمَةِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ وَلُطْفِه بِخَلْقِه مَع ظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ .
وَهَذِهِ الْايَةُ نَزَلَتْ فِي الصِّدِّيقِ، حِينَ حَلَفَ أَلَّا يَنْفَعَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بِنَافِعَة بَعْدَمَا قَالَ فِي عَائِشَةَ مَا قَالَ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ . فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ ، وَطَابَتْ النُّفُوسِ الْمُؤْمِنَةِ وَاسْتَقَرَّتْ ، وَتَابَ اللَّهُ عَلَى مَنْ كَانَ تَكَلَّمَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ ، وَأُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ – شَرَعَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ ، يُعْطَف الصَّدِيقِ عَلَى قَرِيبِهِ وَنَسِيبُه ، وَهُو مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ ، فَإِنَّهُ كَانَ ابْنُ خَالَةِ الصِّدِّيقِ ، وَكَانَ مِسْكِينًا لَا مَالَ لَهُ إلَّا مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَقَدْ وَلْق وَلَقِّه تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهَا ، وَضُرِبَ الْحَدَّ عَلَيْهَا . وَكَانَ الصِّدِّيقُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مَعْرُوفًا بِالْمَعْرُوف ، لَهُ الْفَضْلُ وَالْأَيَادِي عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ . فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْايَةِ إلَى قَوْلِهِ: (إلَّا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) أَيْ : فَإِنْ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ ، فَكَمَا تَغْفِرْ عَنْ الْمُذْنِب إلَيْك نَغْفِرْ لَك ، وَكَمَا تَصَفَّح نَصْفَح عَنْك . فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الصِّدِّيقُ : بَلَى ، وَاَللَّهِ إنَّا نُحِبُّ – يَا رَبَّنَا – أَنْ تَغْفِرَ لَنَا . ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِسْطَحٍ مَا كَانَ يَصِلُهُ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا ، فِي مُقَابَلَةِ مَا كَانَ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَنْفَعُه بِنَافِعَةٍ أَبَدًا ، فَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ هُوَ الصَّدِيقُ).
العُنْصُرُ الثَّالِث : الْعَفْو وَالتَّسَامُح
الْعَفْوِ عِنْدَ الْمُقَدَّرَةِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَرْقَى الْأَخْلَاق وَأَرْفَعِهَا وَتَظْهَر الْجَمَّال الْمُصَاحِب لِأَخْلَاق الْإِيمَان وَعُلُوّ كَعْبٍ صَاحِبُ الْعَفْوِ وَقُوَّة إيمَانِه ، فَالْعَفْو وَالتَّسَامُح سَمْتِان هَامِتَان مِنْ سِمَاتِ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ وَدَلَالَةٌ عَلَى نَبْل أَخْلَاقِه، وَفِيه اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِالصَّفْح وَالْمَغْفِرَة.
وَلِلْعَفْو عِنْد الْمُقَدَّرَة أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: { فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (الْحَجْر :85) فَالْصفح وَالْعَفْوُ وَالتَّسَامُح صِفَات هَامَة جِدًّا لِكُلّ أَفْرَاد الأَسِرَّة الْمُسَلَّمَةِ، وَقَدْ كَثُرَتْ الْايَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي مَدْحِ هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي تَرْتَبِطُ بِقُوَّة الْمُسْلِمُ وَلَيْسَ بِضَعْفِهِ كَمَا يَعْتَقِدُ الْبَعْض.
وَتَحْثنا ايَاتُ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْحَمِيدَةِ، قَالَ تَعَالَى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ( ال عِمْرَانَ: 134) .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” ( التَّغَابُن :14). فَالْعَفْو عِنْد الْمُقَدَّرَة مِنْ مَبَادِئِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي يَدْعُو إلَيْهَا الْإِسْلَامِ، بَلْ هِيَ أَعْظَمُهَا شَأْنًا لِأَنَّ الْعَفْوَ مِنْ شِيَمِ الرِّجَال الْكِرَامِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الْأَعْرَاف: 199)، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } (الْبَقَرَةِ:237).
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَك وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فُصِّلَتْ 35:34)
وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْمُقَدَّرَة هِي شِيمَة مِنْ شِيَمِ الْأَنْبِيَاءِ فَهَذَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَفَا عَنْ إخْوَتِهِ الَّذِينَ رَمَوْه فِي الْبِئْرِ وَأَبْعِدُوه عَنْ أَبِيهِ { قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يُوسُفَ: 92]
وَلَنَا فِي نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَقَدْ صَفَحَ عَنْ قُرَيْشٍ عِنْدَمَا مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَعَنْ عَنْ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” الطُّلَقَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالْعُتَقَاءُ مِنْ ثَقِيفٍ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ” (إسْنَادُهُ صَحِيحٌ يَشْرِطْ مُسْلِم ) فَالطَّلْقَاء مِنْ قُرَيْشٍ: هُمْ الَّذِينَ خَلَّى عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَأَطْلَقَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَرِقَّهُمْ، وَمُفْرَدُه طَلِيق وَهُوَ الْأَسِيرُ إذَا أَطْلَقَ سَبِيلَه.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَابْتَدَأْتُهُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي بِفَوَاصل الْأَعْمَالُ. فَقَالَ: “يَا عُقْبَةُ صِلْ مَنْ قَطَعَك وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَك وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَك” (مُسْنَدِ أَحْمَدَ)
هُنَاكَ قَصَص كَثِيرَةٌ عَنْ الْعَفْوِ وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتِي اتَّصَفَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْكَثِيرِ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ بِاعْتِبَارِهِمْ الْقُدْوَة الصَّالِحَة وَالْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ فِيمَا بَعْدُ وَتَمَثِلُوا بِسِيرَتِهِمْ الْجَلِيلَةِ، الَّتِي نَوَّرَتْ صَفَحَاتِ التَّارِيخِ الْإِنْسَانِيِّ..وَهَذِهِ بَعْضُ الْقَصَص وَالدُّرُوس وَالْعِبَر:
فِي الْعَامِ الثَّامِنِ لِلْهِجْرَة، عَادَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى مَكَّةَ رُفْقَة جَيْشٌ عَظِيمٌ لِفَتْحِهَا. وَذَلِكَ بَعْدَ كُلِّ الظُّلْم وَالتَّعَسُّف الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَهْلِ قُرَيْش، وَالْحَرْب الَّتِي شَنُوها ضِدُّ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَمَعَ ذَلِكَ، عَفَا ﷺ عَنْهُمْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَرُبَّمَا كَانَ الْهَدَفُ الرَّئِيس مِنْ عَفْوِهِ ﷺ أَنْ يَرْسُمَ فِي خِيَالنا أَنْوَاعُ الظُّلْم وَالْأَذَى الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ أَنْقَى النَّاس وَأَطْهِرُهُمْ، لِنْتَفَاجَأ بِرَدِّ فَعَلَه الْمُتَسَامُح اتِّجَاهِهِمْ. وَسَبَبُ ذَلِكَ لَيْسَ فَقَطْ كَوْنَهُ نَبِيًّا، بَلْ إنْ الرِّسَالَة أَعْمَق وَأَكْبَر كَوْنِه قُدْوَة.
نَبِيَّ اللَّهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي عُفِيَ عَنْ إخْوَتِهِ الَّذِينَ حَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ وَرَمَوْه فِي الْبِئْرِ، وَعَمِلُوا عَلَى تَفْرِقَتِهِ وَإِبْعَادُهُ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ صَغِيرًا، فَعَفَا عَنْهُمْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: “قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”(يُوسُفَ:92).
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَائِمًا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَإِذَا بِرَجُلٍ مِنْ الْكُفَّارِ يَهْجُمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَاسِك بِسَيْفِه وَيُؤْقظه، وَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي. فَيَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ بِكُلّ ثَبَات وَهُدُوء: (اللَّه)، فَاضْطَرَبَ الرَّجُلُ وَارْتَجَف، وَسَقَطَ السَّيْفِ مِنْ يَدِهِ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ ﷺ السَّيْفِ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: (وَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟)، فَقَالَ الرَّجُلُ: كُنْ خَيْرَ أَخَذ. فَعَفَا النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فِي يَوْمِ مِنْ الْأَيَّامِ أَرَادَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ أَنْ يَقْتُلَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الأَسْرَى كَانَ قَدْ أَسَرَهُمْ فِي أَحَدِ الْمَعَارِك فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ: نَحْن إِسْرَاك وَبِنَا جُوعٍ وَعَطَشٍ فَلَا تُجْمَعُ عَلَيْنَا الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْقَتْلِ، فَقَالَ مَعْنُ: أَطْعِمُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ. فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَرِبُوا، قَالَ أَحَدُهُمْ: لَقَدْ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، فَأَصْبَحْنَا مِثْل ضُيُوفك، فَمَاذَا تَفْعَلُ بِضِيوفك؟، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَفَوْت عَنْكُمْ.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِغُلَامِه: “لَمْ أَرْسَلْت الشَّاةِ عَلَى عَلَفِ الْفَرَسِ؟”، قَالَ: أَرَدْت أَنْ أَغْيَظك، قَالَ: “لَأَجْمَعَنّ مَع الْغَيْظ أَجْرًا؛ أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى”.
سَبِّ رَجُلٍ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَلَمَّا انْتَهَى قَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “انْتَهَيْت، قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، وَإِنْ أَرَدْت أَنْ أَزِيدَكَ زِدْتُك، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا جَارِيَةُ، ائْتِنِي، فَسَكَن الرَّجُلُ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: بِمَاذَا سَيَأْمُرْهَا؟ فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ ائْتِنِي بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ عَبْدَك هَذَا سَبَّنِي، وَقَالَ عَنِّي مَا لَمْ أَعْلَمْهُ مِنْ نَفْسِي، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا صَادِقًا فِيمَا قَالَ عَنِّي، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا فِيمَا قَالَ عَنِّي، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ، فَانْكَبّ الرَّجُلُ عَلَى رَأْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْبَلُهَا.
الدُّعَاءِ
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ
وَأَقُمْ الصَّلَاةُ