نص الخطبة: الحمد لله رب العالمين جعل الأعياد صفاءً للنفوس وبهجة للقلوب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علام الغيوب مثبت القلوب وغافر الذنوب وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله الحبيب المحبوب؛ اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛ أما بعد فيا عباد الله: إننا نعيش في رحاب أفضل أيام العام علي الإطلاق؛ فعن عبدالله بن قُرْطٍ رضي الله عنه؛ عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – يَوْمُ النَّحْرِ» رواه أبو داود.
– والأضحية شعيرة إسلامية، ومِلَّة إبراهيمية، وسنة مؤكدة عن سيدنا رسول الله ﷺ؛ فعن أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلقد ضحى سيدنا رسول الله ﷺ بِكَبْشٍ وَقَالَ: «بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ»رواه مُسْلِمٌ. – والْأُضْحِية تحقيق للتقوى؛ قال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ (الحج: ٣٧)، فضحوا تقبل الله أضاحيكم وطيبوا بها نفساً؛
– والسُّنَّة في الأضحية أنْ تكون سليمة مِن العيوب فلا تجوز؛ العمياءُ والعوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، ومقطوعة أو مكسورة الرِّجل أو اليد أو الظهر، أوالعرجاء البيِّن عرجها، والهزيلة الشديدة الهُزال، ومقطوعة الأُذُن كلها أو مقطوعة أكثرها أو التي خُلِقت بلا أذنين، والتي لا أسْنان لها، والجَرْباء، ومقطوعة الإلْيَة.
– أوَّل أيَّامِ ذبح الأضحية هو اليومُ العاشر مِن شهر ذي الحِجَّة بعد صلاة العيد؛ وهو أفضل أوقات الذَّبح، لأنَّه الوقت الذي ذَبح فيه النبي ﷺ أضحيته،
– وأمَّا آخِر وقت ذبح الأضاحي فهو؛ غروب شمس اليوم الثالث مِن أيَّام التشريق، فهذه الأيام عيد للمسلمين؛ فعن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا – أَهْلَ الإِسْلاَمِ – وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح. – ويُسَنُّ لكم في هذه الأيَّام الفاضلة، أيَّامِ عيد الأضحى، وهي (يوم النَّحر وأيَّام التشريق) أنْ تُكبِّروا الله عزَّ وجلَّ وأن تَجهروا بالتكبير، في كل وقت شئتم، وبعد السلام مِن كل صلاة مفروضة قبل أذكارها إلى آخِر أيَّام التشريق. الله أكبر قولوها بلا وجل وزينوا القلب من مغزى معانيها بها ستعلو على أفق الزمان لنا رايات عز نسينا كيف نفديها الله أكبر ما أحلى النداء بها كأنه الري في الأرواح يحيها
– ولقد شرع الله عز وجل التوسعة على النفس والأهل فى العيد فلا يجوز صيام يوم العيد وأيام التشريق؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ: «نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر» متفق عليه. قال النووي رحمه الله: قد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال؛ سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينهما، وكذلك يحرُمُ صيام أيام التشريق وهذا باتفاق الفقهاء الأربعة؛ فعن أبى الْمَلِيحِ عن نُبَيشةَ الهُذَليِّ، قال: قال رسولُ اللهﷺ: «أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أكْلٍ وشُربٍ» رواه مسلم.
– والأضاحي التي يذبحُهَا المسلمون تقرباً إلى اللهِ عزّوجل في هذا اليوم تحمِلُ ذكرىً عظيمةً، ذكرى الخليل إبراهيمَ عِندما أُمره ربه بِذَبْحِ ولده إسماعيلَ، فجعل الله عزّ وجل عيد الأضحى رمزاً للتضحية والفِداء.
– الأضحى يوم للمكافأة من ربِّ الأرض والسماء؛ فإِنَّ إبراهيمَ عليه السلام قَدْ رأى في المنام، أن يذبح ولده ثمرة فؤاده وفلذة كبده؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾(الصافّات: ١٠٢)، إن إبراهيم لم يقصد أن يشاور ولده في تنفيذ أمر الله ولا كان متردِداً وإنما أراد أن يعرف ما في نفسيّة ولده تجاه أمر الله.
فكان جواب إسماعيل، جواب المحبّ لله أكثر من حبِّه للحياة ﴿قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾،
أخذ الخليل إبراهيم إسماعيل إلى مكان بعيد حتى لا تشعرَ الأمُّ وأضجَعَهُ على جبينه فقال إسماعيل لأبيه: ياأبتِ اكفف عني ثوبك حتى لا يتلطّخ من دمي فتراه أمي وأسرع مرّ السكين ليكون أهون للموت عليّ.
– إن هذا الموقف من الخليل وإسماعيل عليهما السلام ليجسد حقيقة الاستسلام والإذعان للخالق جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾، قال مجاهد: أى استسلما وانقادا، فإبراهيم امتثل أمر الله وإسماعيل امتثل طاعة الله وطاعة أبيه،
ومعنى ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة: ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِين﴾، أكبه على وجهه.
وقال عكرمة: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾، أسلما جميعاً لأمر الله ورضي الغلام بالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه.
فقال: يا أبت اقذفني على وجهى كيلا تنظر إليّ فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع، ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله.
وقام إبراهيم بتمرير السكين على رقبة ابنه إسماعيل إلا أن الله أمر السكين بأن لا تذبح، ولا شك أن عمليّة ذبح الإبن البارّ المطيع على يد أبيه، لا تعدّ عمليّة سهلة وبسيطة بالنسبة لأب انتظر فترة طويلة كي يرزقه الله بهذا الإبن، فكيف يقوم بذبحه بيده؟!
– والأكثر من ذلك الإستعداد لعملية الذبح نفسياً وعمليّاً؛ قال ابن عباس: إن إبراهيم لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب. ثم تله للجبين، وعلى إسماعيل قميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا، فاخلعه حتى تكفنني فيه، فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أعين أبيض فذبحه،؛ قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾،
– إنه امتحانٌ ما أصعبه وما أشده؟! ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾(الصافات: ١٠٦)، لكنَّ إبراهيم عليه السلام اجتازَ الإمتحان بتَوفِيق من الله وبإخلاص، ويقين منه فكان الفِداء من الله تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾(الصافات: ١٠٧)، ليَعلُو ذِكرُ آل إبراهيم في العالَمين: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾(الصافات: ١٠٨-١٠٩)، أرأيتم قلبًا أبوياً يتقبل أمراً يأباه أرأيتم ابناً يتلقى أمراً بالذبح ويرضاه واستل الوالد سكيناً واستسلم ابن لِرَدَاهُ ويجيب الحق ورحمته سبقت في فضل عطاياه صدقت الرؤيا لا تحزن يا إبراهيم فديناه
عبادالله: اعلموا أن العيد في الإسلام كذلك للتذكير بنعمة الإخوة في الدين والتأكيد على الاعتصام بحبل الله المتين؛ قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾(آل عمران : ١٠٣)،
فمن أهم شعب الإيمان، وأبرز خصال الإسلام، إطعام الطعام، وإفشاء السلام؛ إذ بهما يكون التآلف والإخاء، فتصبح الأمة كالجسد الواحد،والبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً.
– والعيد فرصة لصلة الأرحام، فقدأمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى وهم الأرحام الذين يجب وصلهم؛ قال تعالى:﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾(البقرة: ٨٣)،
وتذكّروا أنّ قطيعة الرحم من الكبائر، فلو كانت رحمك لا تصلك فصلها فلك بذلك ثوابٌ عظيم، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي ﷺ: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ فقال النبي ﷺ: «تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم» رواه البخارى ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» البخاري ومسلم.
– والعيد يوم للفرح والسرور، والبهجة؛ قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾(يُونُسَ: ٥٨)، وعن عائشة قالت: «أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله ﷺ في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت» متفق عليه.
وعنها قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث – وفي رواية -: وليستا بمغنيتين، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي ﷺ؟! فأقبل عليه رسول الله ﷺ فقال: «دعهما – وفي رواية – فقال رسول الله ﷺ: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا»
– لذلك كان عيد الأضحى يوماً للتضحية والفِداء، يوماً للفرح والصفاء، يوماً للمكافأة من ربِّ الأرض والسماء، يوماً للعطف علي اليتامي والمساكين والفقراء؛ ويوماً لبر الأمهات والآباء؛ ويوماً لصلة الأرحام والأقرباء؛ ويوماً لنزع الشحناء والبغضاء؛ فاتقوا الله عباد الله واحسنوا إلى إخوانكم من الفقراء والمساكين واكفوهم ذل السؤال فى هذا اليوم المبارك وصلوا أرحامكم وأحسنوا إلى جيرانكم تفوزوا برضى ربكم،
اللهم أسعد في هذا العيد قلوبنا، وفرج همومنا، واشف مرضانا، وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، وأسأل الله تعالى أن يعيد على مصر وسائر بلاد المسلمين أمثال هذه الأيام المباركات بالخير واليمن والبركات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
كتبه راجى عفو ربه أيمن حمدى الحداد الجمعة ١٠ ذى الحجة ١٤٤٦ هجرياً الموافق ٦ من يونية ٢٠٢٥ ميلادياً