آيات الحج (7)


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

يقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا}فاستجاب الله تعالى له حتى أصبحت مكة بلداً، ثم دعا بدعاءٍ آخر فقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}[إبراهيم: 35]، فالمكان قبل وبعد البلدية لا يستغني أبدا عن الأمن والأمان{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}أراد الخليل حَجْر رزقه تعالى للمؤمنين فحسب{قَالَ}رب العالمين{وَمَنْ كَفَرَ}أَرْزقه أيضاً( )، حتى من كفر: قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: 6]{فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا}ثم تُسلب منه المتاع، وتزول عنه النعمة، قال الحسن البصري: “إن الله يمتِّع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابًا”{ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ}كما قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم: 7]،
والاضطرار: الإلجاء إلى ما فيه ضرر بقهر وشدة ، أي: أدفعه إليها وأسوقه، سحبا وجرا على وجهه، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر: 48]، والتعبير بلفظ الاضطرار يدل على دخول جميع خلق الله في مشيئة الله لا يشذمنهم احد، مع تمام عدله وحكمته{ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}مصيرهم ومرجعهم.

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ}جاء الرفع بالفعل المضارع لاستحضار حال رفعه، وكأن العين تستمتع بالنظر إليهم وإلى جهدهم وكدهم في رفعه{الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}حيث قال إبراهيم لابنه إسماعيل ـــ عليهما السلام ـــ: “إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، قال:” فاصنع ما أمرك ربك”، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بالحجر الأسود فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة”، وهما يرددان أثناء عملية البناء:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} حتى بكى وهيب بن الورد وقال: يا خليل الرحمن! ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك!

{إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وجاء الخبر(السميع العليم) معرفة، ووقع بين (إن) والخبر (السميع) ضمير الفصل (أنت)؛ للمبالغة في كمال سمعه وعلمه، ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم.

{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ}وهما مسلمان بلا شك، ولكن لا يدوم هذا الإسلام إلا بتوفيق الله؛ قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم :{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}[الإسراء:74]{لَكَ}وهذا يفيد حرصهم على الإخلاص، فلا يقبل عند الله تعالى إلا المخلصين

{وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}فالأصل في الإنسان الجهل، والأصل في العبادات التوقيف، وفي ذلك إظهار لشرف عمل الحج، حيث كان متلقى عن الله بلا واسطة
{وَتُبْ عَلَيْنَا} لما فرغا من بناء أعظم بيت لله، سألا ربهما التوبة، فالتوبة والاستغفار هما العبادتان اللتان يحبهما الله تعالى بعد الطاعة والمعصية{إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وجاء الخبر (التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أيضاً معرفة، ووقع بين (إن) والخبر (التَّوَّابُ) ضمير الفصل (أنت)؛ للمبالغة في كمال توبته ورحمته.

اترك تعليقاً