فضل البر .. عقوبة العقوق
2 يونيو، 2025
منبر الدعاة

بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف
يعد بر الوالدين من أعظم شعائر الدين قضى به ربنا ، وثنى به، وعطفه على عبادته وتوحيده فقال عز من قائل:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) سورة الإسراء: ٢٣
كما قرن شُكرَهُ بِشُكرِهما في قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان ١٤.
وجُعل أحب الأعمال إلى الله -بعد الصلاة لله – بر الوالدين،
و الدليل على ذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود قال: سَأَلْتُ النبيَّ ﷺ : أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ، ….
فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين على الجهاد.
فبر الوالدين مقدمٌ على الجهادِ في سبيل الله ، الذي هو ذروة سنامِ الإسلام…
ولذلك النبي ﷺ لم يرخص لرجُلٍ في الغزو في الجهاد في سبيل الله إلا بعد أن يأذن له والداه، وذلك لما جاءه الرجل يسأله كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو: ( أن رجلاً جَاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ في الجِهَادِ، فَقَالَ له النبي ﷺ : أحَيٌّ والِدَاكَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ.
ففيهما فجاهِدْ» أي فابذُلْ جَهْدَكَ في إرضائِهما وبِرِّهما، يُكتَبْ لكَ أجْرُ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالَى.
وقال للآخر الذي سأله وقال له: جئت أُبايعك على الهجرة وتركت أبويَّ يبكيان، فقال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما … وقال لآخرٍ لما جاءه مهاجراً من اليمن: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي، قال: أذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما ..
– وهنا مسألة فقهية…
إذا كان الجهادُ فرضُ عينٍ خرج بغير إذنهما مع التلطُفِ معهما، أما إذا كان الجهادُ فرضُ كفاية فإنه يتعين بِرّهما ، لأن بر الوالدين فرض عين فلا يقدم عليه غيره.فيعد بر الوالدين من أهم الأعمال الصالحات التي يتقرب بها العبد من الله تعالى، ويسهم في تحقيق البركة والخير في حياته في الدنيا والآخرة.
. إن بر الوالدين يعني إكرامهما، وأداء حقهما، وطاعتهما، والإحسان إليهما، والبعد عن عقوقهما.
أهمية بر الوالدين:
رضى الله تعالى:
رضى الوالدين من رضى الله تعالى، ولا يدخل الجنة عاقٌ لوالديه أبدًا.
الدخول إلى الجنة:
طاعة الوالدين بابٌ من أبواب الجنة، حيث أن الله تعالى أعدّ لمن يبرّ بوالديه جناتٍ عرضها السماوات والأرض.
و من صفات المؤمنين الذين أدوا حق الله تعالى ورسوله و كانوا بارين بوالديهم :
البركة في الحياة الدنيا والآخرة .
كما أن بر الوالدين له تأثير إيجابي على النفس والقلب: لأنه يساهم في إدخال السعادة والراحة إلى القلب، ويبعد عن الغضب والعصبية.
و من أعمال البر بالوالدين:
*الطاعة: طاعة الوالدين في الأمور المشروعة، وتلبية أوامرهما.
*الإنفاق: إنفاق المال على الوالدين عند الحاجة.
*التواضع: التواضع لهما، ومعاملتهما برفق ولين.
*الإحسان: الإحسان إليهما في الكلام والقول، والبعد عن أي شيء قد يزعجهما.
*التهدئة: خفض الصوت عند الحديث معهما، وعدم إزعاجهما إذا كانا نائمين.
*الود: إظهار الود والاحترام لهما، والحرص على الاحتفال بذكرى ميلادهما وأعيادهما.
*الدعاء: الدعاء لهما بالصحة والخير والبركة في حياتهما.
*المساعدة: مساعدة الوالدين في أعمال المنزل أو أي مهمة قد يحتاجونها.
*الرعاية: رعاية الوالدين في صحتهما، وإذا كبرت وضاقت بهما الدنيا.
أما عن عقوق الوالدين:
فيعد من الكبائر التي تثير غضب الله تعالى، وتدخل صاحبه في النار. و من مظاهر عقوق الوالدين:
*عدم الطاعة: عدم طاعة الوالدين في الأمور المشروعة.
*العدوان: العدوان عليهما بالقول أو الفعل.
*المعاملة السيئة: معاملة الوالدين معاملة سيئة، أو إساءة إليهما.
*الإساءة: إساءة الوالدين في الكلام أو الفعل.
*ترك الرعاية: ترك رعاية الوالدين في كبرهما.
والبَرُّ يا عباد الله سببٌ لدخول الجنة.
روى أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ -أسلوبٌ نبويٌّ بلاغيٌّ عجيب! أي: ذل وهان وتعرض للخيبة والخذلان- قيل: من يا رسول الله؟!- أي: من هذا الذي تعرض للخيبة والذلة والمهانة -فقال صلى الله عليه وسلم : مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ. )
فإياك أن تضيع هذا الخير يا من منَّ الله عليك به الآن.
نسأل الله عز و جل أن يجعلنا وإياكم جميعاً من أهل البر و خاصة بر الوالدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.