آيات الحج (3)
27 مايو، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
يقول الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} القدرة على الهدي بعد التمتع بالعمرة إلى الحج، حُذف المفعول للعموم؛ ليشمل من لم يجد الهدي أو ثمنه؛ فاستفيد زيادة المعنى مع اختصار اللفظ، وهذا من بلاغة القرآن{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} أولها من حين الإحرام بالعمرة؛ وآخرها آخر أيام التشريق، غير يوم العيد، ويوم عرفة{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} من الحج بإتمامه، أو إذا رجعتم إلى أهليكم، وفيها تيسير الله تعالى على عباده، حيث جعل الأكثر من الصيام بعد رجوعه، وأقام العبادة الروحية (الصيام)مقام العبادة المالية(الهدي)؛ لأن غايتهما واحدة، وهي تهذيب النفس وإصلاح المجتمع{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} حتى يعلم العدد جملة كما عُلم تفصيلا، لا سيما وأكثر العرب لا يحسن الحساب، وللتأكيد على أن هذه الأيام العشرة وإن كانت متفرقة فهي في حكم المتتابعة، ويجوز تتابع الأيام الثلاثة والسبعة وتفريقها؛ لأن الآية لم تشترط التتابع.
{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ} مِن زوجة وأولاد{حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فما وجب من الهدي أو الصيام عند العجز هو لغير أهل الحرم، أما أهل الحَرم فلا يجب عليهم شيء إن تمتعوا{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}العلم بشدة عقابه، وأليم عذابه من أهم العلوم؛ لأنه يورث الخوف والخشية، وجاء لفظ الجلالة (الله) في المرة الثانية ظاهراً لا مضمراً؛ لأنه يورث تربية المهابة في النفوس من عظمة الله تعالى.
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}هي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}فلا ينعقد الإحرام بالحج قبل أشهره على الراجح؛ لأنّ الله تعالى رتب أحكامه لمن فرضه ونواه في أشهره، فينعقد الإحرام بمجرَّد النية فيها، فجعل الأشهر وعاء الفرض وظرفه، كما أن لا تتحقق نية صيام الفرض إلا في رمضان{فَلَا رَفَثَ}الرفث: الجِماع ومقدماته{وَلَا فُسُوقَ}أي خروج عن طاعة الله بمعصيته لا سيما ما يختص بالنسك، كمحظورات الإحرام{وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} والمقصود تنزيه اللسان عن كل قول لا يليق، أو كلام يؤدي للنزاع والخصام؛ لأنه يشوش الفكر، ويشتت القلب، ويشغل النفس عما سعت إليه، فيفسد حجه أو ينقص أجره، وعبّر بالنفي دون النهي؛ لأنه أبلغ من النهي الصريح، فالنفي يعني أن هذا الفعل ينبغي أن لا يقع أصلاً فضلاً عن أن يفعله أحدٌ منكم{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ}نكرة في سياق الشرط، فيشمل كل خير سواء كان قليلاً، أو كثيراً{يَعْلَمْهُ اللَّهُ}فأخلصوا عملكم لله تعالى واستبشروا بعلم الله لعملكم، وثوابه لكم.
{وَتَزَوَّدُوا}بالطعام والشراب للسفر للحج، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية”، وتزودوا في الحج من خير الزاد، وهو زاد التقوى{فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)} وخص ذوي الألباب بالنداء؛ لأنَّهم أولى بالتقوى، والتقوى تزيد في عقلهم ورُشْدهم، وكلَّما كان الإنسان أتقى كان عقله أتم، وفيه إشارة إلى أن من لَا يتقى الله ليس عنده لب يدرك، ولا قلب يعي، ولا إرادة تعمل على مقتضى العقل والحكمة.