
بقلم المحب لدينه ووطنه: د. مختار البغدادى
حين يذكر الناس اسم محمد بن عبد الوهاب ، يربطه البعض بالتجديد الديني، لكنه في الحقيقة كان من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ الإسلام المعاصر، لا لإبداعه، بل لما سبّبته دعوته من فوضى عقدية ومآسٍ دموية، وتمزيق لوحدة الأمة، وابتداع مذهب يقوم على تكفير عموم المسلمين، وتغليف فكر الخوارج بعبارات التوحيد.
لقد كتب في كتابه “كشف الشبهات”:
“من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر”
وهو نصٌّ بالغ الخطورة، يجعل من كل مخالف له في الفهم كافرًا، ويكفّر المسلم الذي لا يرى رأيه، حتى وإن كان من أهل القبلة، الموحّدين، المصلّين.
ثم قال في نفس الكتاب: “وهذا الذي أنكرنا هو عبادة الصالحين، الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وقاتلهم عليه، وبه كفروا”
أي إن الاستغاثة بالنبي أو التوسل بالصالحين شركٌ مخرجٌ من الملة. وبذلك أدخل في الشرك الأعظم ما لم يُجمع أحد من الأئمة الأربعة على تكفيره.
وقد أثبتت “الدرر السنية”، وهي مجموعة فتاويه التي جمعها أبناؤه وتلاميذه، هذا النهج بوضوح. ففي الجزء الأول، ص ٦٦، قال:
“ولا نعذر بالجهل في هذه المسائل، بل من دعا غير الله، أو استغاث أو نذر، فقد أشرك، ومن لم يكفره فهو مثله”
ورغم قوله اللفظي بشرط إقامة الحجة، إلا أن أتباعه قتلوا الناس قبلها، وكفّروهم بالجملة.
ففي سنة 1216هـ، غزوا الطائف وقتلوا أطفاله ونسائه وشيوخه، حتى المؤذنون ذُبحوا على أبواب المساجد، كما يروي ابن بشر النجدي في “عنوان المجد”.
وفي نفس العام، اجتاحوا كربلاء، فقتلوا أكثر من أربعة آلاف مسلم، ونهبوا الأموال والمكتبات، ودنّسوا مقام الحسين رضي الله عنه، كما نقل المؤرخ الجبرتي في “عجائب الآثار”، وذكر أن ما فعلوه لم تفعله حتى التتار.
ولم يسلم أهل مكة والمدينة، فقد حاولوا السيطرة عليهما، ومنعوا التوسل وزيارة النبي، وهدموا القباب والآثار الإسلامية.
وكتب مؤرخو الحجاز عن هذه الأهوال، ومنهم الشيخ أحمد زيني دحلان، مفتي مكة، الذي قال في كتابه “الدرر السنية في الرد على الوهابية”:
“ما ابتدعه محمد بن عبد الوهاب مخالف للإجماع، وفتنة عظيمة، وكفر للمسلمين، وتكذيب للعلماء، وتخريب للبلاد، وسفك للدماء”
حتى أخوه، الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، كتب كتابًا بعنوان “الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية”، وقال فيه:
“كفّر الأمة الإسلامية، واستحل دماءها، وضلل علماءها، وخرج عن الإجماع، وتزيّا بزيّ أهل السنة، وهو عنهم بعيد”
وقد رد عليه كبار علماء عصره:
الشيخ محمد بن سليمان الكردي، شيخ الشافعية بالمدينة، في رسائله.
الشيخ علوي الحداد، في “مصباح الساري”.
الشيخ إسماعيل التميمي، من علماء الزيتونة.
الشيخ يوسف النبهاني، والشيخ الكوثري، والشيخ محمد عابد السندي، وغيرهم من المشارقة والمغاربة والهنود.
وقد أجمع هؤلاء أن فكره خالف طريق أهل السنة والجماعة، ونقض القواعد الأصولية في التكفير، وأدخل الأمة في صراعات لا تنتهي
فمحمد بن عبد الوهاب لم يكن مجرد “مجدد”، بل كان صاحب منهجٍ قام على تحطيم الموروث، ونسف التعدد، وادعاء احتكار التوحيد، وتمزيق جسد الأمة باسم الخوف على التوحيد