حين غاب صوت الأزهر وارتفع غيره

بقلم الدكتور: مختار البغدادى
المعيد بكلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر

لقد نجح السلفيون – وببراعة لا يُنكرها منصف – في بلوغ قلوب الناس وأسماعهم، حتى طرقوا بيوتهم دون استئذان، عبر قنواتهم الخاصة ومنابرهم المتعددة، في حين خفت صوت الأزهر الشريف، وغاب حضوره غيابًا يكاد يُشمّ منه رائحة التعمد، وكأن وراء الأكمة أمرًا بُيّت بليل، حتى توهم عامة الناس أن الأزهر لم يعد فيه عالم يُرجع إليه، ولا فقيه يُنتفع بعلمه، وإن وُجد فيه من بقي من أهله، فإنهم في نظر كثير من الناس صاروا شيوخًا للسلطان، لا يؤخذ عنهم علم ولا يُصغى إليهم قول!

وهكذا – وبمرور الأيام – بدا للناس أن العلماء المعتبرين هم فقط أولئك الذين تصدّروا الشاشات وخطبوا في الناس على مدار الساعة، حتى سمعت بأذني من يزعم أن الشيخ الفوزان هو أعلم أهل الأرض قاطبة، وأنه يَعدل وحده مؤسسة الأزهر الشريف بكل كلياتها وتخصصاتها!

فيا عجبًا!
أيُعقل أن تموت أعلام الأزهر في الظلال، وتُخفى شموسهم في غياهب النسيان، وهم بالعشرات بل بالمئات؟
أين الدروس الأصيلة في الجامع الأزهر؟
أين العلماء الربانيون الذين أفنوا أعمارهم في طلب العلم وتعليمه؟
أليس من حق هذه الأمة أن ترى علماءها الحقيقيين، وأن تستمع إلى صوت الأزهر الرصين الأصيل الذي عرفته قرون الإسلام؟

أليس من حق الناس أن تُقام قناة رسمية للأزهر الشريف، تُبث منها دروس الجامع الأزهر في شتى العلوم، وتُعرض فيها مجالس الفتوى الموثوقة، وتُبرز فيها كنوز العلم وذخائر الفكر، وتُحيي من خلالها أسماءً طالما خدموا الدين وذادوا عنه في صمت ونكران ذات؟

لقد أحسن السلفيون الوصول، ولكن الساحة لا تزال متسعة، والناس لا تزال متعطشة للحق الصافي والعلم المكين، فما بال الأزهر لا يمد إليهم يده، ولا يُسمعهم صوته، ولا يفتح لهم أبوابه؟

ألا إن اللحظة قد حانت، فلتنهضوا يا علماء الأزهر، فقد طال الغياب واشتد النحيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *