إن مما اتخوف عليكم رجل قرأ القرآن فغير فيه وبدل

بقلم الشيخ: سعد طه

 

العنصر الأول: نعمة القرآن الكريم
إن من أعظم النعم التي منّ الله بها علينا نعمة القرآن الكريم، هذا الكتاب العظيم الذي فيه الهدى والنور، وفيه الشفاء لما في الصدور.

لقد كان في سالف الأزمان عدد قليل من الناس يهتم بحفظ كتاب الله، أما في زماننا هذا، فقد أنعم الله تعالى على كثير من الناس بحفظ القرآن، كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساءً، فهذه نعمة عظيمة تستوجب الشكر والثناء.

ولكن – ويا للأسف – نجد بعض الحفّاظ يكتفون بالحفظ فقط، دون أن يهتموا بفهم معانيه أو الرجوع إلى تفاسير العلماء أو أقوال أهل العلم، بل قد يكتفي أحدهم بسماع شيخ في التلفاز، ثم يظن أنه أدرك العلم كله، فيتصدر للحديث والفتوى بين الناس!

ونقول لهؤلاء: من علّمكم أن هذا الشيخ على صواب؟ فيجيبون: كلامه يدخل القلب ويشرح الصدر. فنقول: وهل قستم أقواله بأقوال غيره من العلماء؟ فيقول: لا. وهنا ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن مما أتخوف عليكم رجلًا قرأ القرآن، حتى إذا رُئيت بهجته عليه، وكان ردءًا للإسلام، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك. قلت: يا رسول الله، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي.”
لذلك أمرنا الله جلّ وعلا، وأمرنا نبيه صلى الله عليه وسلم، أن نرجع إلى أهل الذكر إذا جهلنا شيئًا، فقال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

فمن هم أهل الذكر؟
إنهم أهل العلم والتفسير، الذين طلبوا العلم من مصادره، وتلقوه بسندٍ متصل إلى العلماء الثقات، فكل عالم رباني له سندٌ في العلم، والإسناد من خصائص هذه الأمة، ولولاه لقال من شاء ما شاء.

ولأن القرآن فيه آيات محكمات هنّ أم الكتاب، وفيه متشابهات، فإن من كان في قلبه زيغٌ يتبع المتشابه، طلبًا للفتنة، أما أهل العلم الراسخون، فيقولون كما جاء في كتاب الله:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات… وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا…)
ثم دعوا بدعاء عظيم: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).

العنصر الثاني: أهمية التفقه في الدين وعدم التعدي على العلماء
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“من يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي.”
فالعلم نعمة عظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم قسم العلم بين أصحابه، فخصّ عليًا بالقضاء، فقال: “أقضاكم علي”، وخصّ زيد بن ثابت بالفرائض، ومعاذ بن جبل بالحلال والحرام، ودعا لابن عباس: “اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل.”

ومع ذلك، لم نجد أحدًا من هؤلاء الصحابة تطاول على اختصاص غيره، أو سبه، أو تدخل في ما لا يحسنه. ومن القصص العظيمة: قصة المرأة التي ولدت بعد ستة أشهر، فاحتار بعضهم في أمرها، ففهمها علي رضي الله عنه باستنباط شرعي من القرآن، فعلموا أن ما قاله حق.

العنصر الثالث: لا نغلق باب التوبة في وجه العصاة

أيها الأحبة،
كثير من شبابنا وفتياتنا يقعون في الذنوب والمعاصي، وبعضهم يستمر في ذلك، لأسباب منها اتباع الهوى والشيطان، ولكن هناك سببًا خطيرًا: أنهم إذا أرادوا الرجوع إلى الله، لا يجدون من يأخذ بأيديهم، بل يجدون من يُقصيهم ويُشدد عليهم، فيظلون في ضياعهم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إذا لم تشتغل بطاعة الله، شغلك الشيطان.”

فلنكن دعاة هداية ورحمة، لا دعاة طرد وتنفير.
عباد الله، افتحوا أبوابكم وقلوبكم للتائبين، فكم من ضالٍ عاد فكان من أهل الصلاح، وكم من عاصٍ أصبح من الأولياء. فالقلوب بين أصابع الرحمن، يهدي من يشاء.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يفقهنا في الدين، وأن يستعملنا في طاعته، ويهدينا ويهدي بنا، ويثبتنا على صراطه المستقيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *