رسالة إلى د . سعد الهلالي : فرائض الله عز وجل ليست معرضا لآراء الرجال . هداك الله.
19 أبريل، 2025
قضايا شرعية

بقلم فضيلة الشيخ : محمد رجب أبو تليح اﻷزهري الشاذلي
في مفاجأة أخرى من مفاجأته التي تتجدد بتجدد ظهوره حين يخرج علينا الدكتور سعد الدين الهلالي بكلام عجيب في لفظه مستغرب مستنكر في مضمونه ليجدد مرة أخرى إثارة الجدل وإذاعة الفتن بين صفوف المسلمين .
وبداية كنت قد التقيته في دورة تدريبية في تنظيم الأسرة بمسجد النور بالعباسية في عهد الأستاذ الدكتور / حمدي زقزوق رحمه الله وزير الأوقاف الأسبق وحاضرنا في محاضرة كان عنوانها حينها ( الفرق بين الحكم الفقهي والحكم الشرعي ) وكانت تحمل في طياتها آراء ما عهدناها في كتب مشايخنا أهل الفقه والرأي سلفا وخلقا وبالتالي رفعت يدي مستأذنا أن أناقشه في هذه المسألة غير أنه قابلني بقول وفعل لا يليق بمن يتسع صدره للرأي الآخر . رد فعل يخالف طبيعة العالم الأزهري الأصيل الذي من طبيعته وهويته قبول الآخر ما دام يملك الدليل بقوله : ( بعدين بعدين ) وإشارة إعراض بيده متأففا .
ولا أخفيك سرا أيها القارئ الكريم وقتها غضبت قائلا : ( أنا لست طالبا في مدرج دراسة ومن حقي أن أناقشك في هذه المسألة فالدولة تعترف بي وبزملائي أننا دعاة وأهلتنا لذلك فلسنا خشبا مسندة ولا أوعية يطرح فيها الغث والسمين يا معالي الدكتور وأظن أن ذلك من حقي) . فقال: اتفضل يا سيدي ووضع يدا على يد كوضع المصلي يديه في الصلاة ولغة جسده كأنها تقول تكلم يا جاهل .
ودارت رحا المناقشة قرابة الساعة وأعان الله عز وجل ووفق في حسن الاستدلال والرد .
فتيقنت أن معاليه لا يعترف إلا برأيه . وإلى الله المشتكى .
وتأكد لي هذا المعنى بعد صدور تلك الفتاوى الغريبة المحيرة المخالفة لما استقرت عليه المجامع الفقهية المعتمدة والتي يصرح بها في فترات متباعدة .
واليوم شاهدت فيديو له يتكلم فيه عن قضية الميراث وكالعادة أدلى برأي مخالف لما استقر عليه إجماع الأمة سلفا وخلفا ولذلك أتناول نص كلامه مقطعا مقطعا والله يعين في الرد عليه .
قال : ( نريد أن نفقه ومن رد الفقه للناس ) .
ونقول: هذا حق في موضع لا يراد به الحق فمن المعلوم أن من حق الناس الفقه حتى يقوموا بما افترضه الله عليهم من حقوق وفرائض . غير أنه كما هو معلوم أن الفقه منه ما هو فرض عين؛ وفرض كفاية؛ ففرض العين أن يتعلم المسلم المعلوم من الدين بالضرورة؛ أي ما تصح به عبادة المسلم لربه وما تصح به معاملاته .
ومنه ما هو فرض كفاية يقوم به البعض ممن تخصصوا في التبحر في الفقه ومعرفة دقائقه وفهم الدليل واستنباط الأحكام؛ وهذا ما أقره الله تعالى في كتابه في آيات من كتابه الحكيم؛ منها قوله تعالى : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة: 122)
قال الإمام البغوي: (وَالْفِقْهُ: هُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الدِّينِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى فَرْضِ عَيْنٍ؛ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ، فَفَرْضُ الْعَيْنِ مِثْلُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَعَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعْرِفَتُهُ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مسلم ومسلمة». وَكَذَلِكَ كَلُّ عِبَادَةٍ أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ معرفتها ومعرفة عِلْمِهَا مِثْلُ عِلْمِ الزَّكَاةِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَعِلْمِ الْحَجِّ إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا فَرْضُ الكفاية هو أَنْ يَتَعَلَّمَ حَتَّى يَبْلُغَ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَرُتْبَةَ الْفُتْيَا، فَإِذَا قَعَدَ أَهْلُ بَلَدٍ عَنْ تَعَلُّمِهِ عَصَوْا جَمِيعًا وَإِذَا قَامَ مِنْ كُلِّ بلد واحد بتعلّمه سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْآخَرِينَ، وَعَلَيْهِمْ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنَ الحوادث.
روى أبو أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «فَضْلُ الْعَالَمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدناكم» .
وقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء:83)
ومعنى قوله : (يستنبطونه ) أي : يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه ، يقال : استنبط الرجل العين ، إذا حفرها واستخرجها من قعورها .
وهذه الآية تأمر برد العلم والفقه في الاستدلال واستنباط الأحكام والأدلة عليها لأهل الاختصاص حتى لا يكون الفقه والفتوى كلأ مباحا للعامة يقول فيه من شاء ما شاء . أفلم ينتبه فضيلة الدكتور إلى هذه القواعد التي أصلها الله سبحانه وتعالى في كتابه منهجا للعلم والفتوى . فكيف بالله عليك تطلق القول والفهم في دين الله لمن لم يتخصص فيه ويأخذ بأدواته ؟! والله إن قولك وأمرك لعجيب ! .
والله عز وجل قد أعلمنا أنه لا يفهم مراده إلا من اختصهم بفضله بالعلم والفهم وحصلوا أسبابه وأدواته فقال سبحانه: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (آل عمران :7)
قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : ( وما يعلم تأويله ) الذي أراد ما أراد ( إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب ، وصدق بعضه بعضا ، فنفذت الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودفع به الكفر .
وفي الحديث أن رسول الله ﷺ دعا لابن عباس رضي الله عنهما فقال : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) .
وهذه خصوصية مدح الله تعالى بها علماء الأمة وفقهائها لا يدخل في معناها عامة الأمة .
فقل لي بربك كيف تطلق العنان في الفهم والفقه لمن لم يدرك المحكم من المتشابه ولم يتحصل على أدوات الاستنباط والاستدلال واتباع رسول الله ﷺ ؟!
ثم قال: ( والله يخاطب الناس جميعا) حق – يقصد آيات المواريث – غير أنه لفظ عام مقيد عند العلماء منذ عهد رسول الله ﷺ وإلا ما كان اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في مسألة العول في الميراث وكان أول من وضع قاعدته الخليفة الراشد مولانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولم تقع مسألة فيها عَوْل في عهد النبي ﷺ، ولا أبي بكر رضي الله عنه ، وإنما وقعت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهو أول من حكم به حين رفعت إليه مسألة : زوج وأختين (شقيقتين أو لأب) ، فقال : فرض الله للزوج النصف ، وللأختين الثلثين ، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما ، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه ، فاستشار الصحابة في ذلك ، فأشاروا عليه بالعَوْل ، وقاسوا ذلك على الديون إذا كانت أكثر من التركة ، فإن التركة تقسم عليها بالحصص ، ويدخل النقص على الجميع .
وانقضى زمن عمر رضي الله عنه على ذلك ، ثم أظهر عبد الله بن عباس خلافاً في المسألة ، فكان لا يقول بالعول … ثم انقرض هذا الخلاف ، ورجع جميع العلماء إلى ما قضى به عمر وجمهور الصحابة .
فيا معالي الدكتور ليس العامة جميعهم يفهمون خطاب الله عز وجل بل لابد من رد الأمر لأهله من أهل العلم ليستنبطوا أحكامه من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ .
ثم استشهد بقول الله تعالى : (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) وأوحى إلى وجود تعارض بينها وبين قوله تعالى : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النساء : 176)
موحيا إلى التعارض الذي بينهما وأن الصحابة اجتهدوا في فهمهما بآرائهم كابن عباس رضي الله عنهما دون الرجوع إلى الكتاب والسنة ليؤصل في نفوس سامعيه إن الميراث ومسائله كلها يجوز أن تخضع للاجتهاد وليس إلى الأحكام المنصوص عليها في القرآن .
وهنا يقول أهل علم الميراث : في الآية إعجاز بلاغي وإعجاز تشريعي، وذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر أحكام المواريث في كتابه في ثلاثِ آياتٍ: آيتين في صدر سورة النساء، وآية في آخرها، وهذا غاية الإيجاز، مع ما تحويه من المعاني الغزيرة، والأحكام الكثيرة، وترابطت هذه الآيات برباط وثيق، واقترن بعضها ببعض؛ ليستنبط منها الراسخون في العلم ما لا يظهر إلا بالمقارنة بينها.
فقد استفدنا من الآية الأولى أن البنت لها النصف، وأن البنات إذا كنَّ أكثر من اثنتين فلهنَّ الثُّلُثَانِ، ولم تنصَّ الآية الأولى على نصيب البنتين، أيلحق بنصيب البنت فيكون لهما النصف؟
أم يلحق بنصيب الجمع من البنات فيكون لهما (أعني البنتين) الثلثين؟
واستفدنا من الآية الأخيرة أن الأخت لها النصف، وأن الأختين لهما الثُّلُثَانِ، ولم تنصَّ على ما فوق الأختين إذا انفردنَ بالتركة.
وهنا يظهر لنا جليًّا اقتران الآيتين، ليُعملَ العلماء عقولهم في استنباط المعاني من كلام الله تبارك وتعالى؛ قال العلماء: إِذَا وَرِثَ الْأُخْتَانِ الثُّلُثَيْنِ، وهما أقل رتبةً في القرابةِ من البنتين، فمنْ بابِ أولى تَرِثُ الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ.
وإياك أن تتوهم أن في القرآن شيئًا زائدًا، أو تظن أن اختلاف الصيغتين فقط لتلوين الخطاب، الأمر أكبر من ذلك بكثير، ولِمَ لا وهو كلام الله تعالى؟
واستفدنا من الآية الأخيرة أن الأخت لها النصف، وأن الأختين لهما الثُّلُثَانِ، ولم تنصَّ على ما فوق الأختين إذا انفردنَ بالتركة.
وهنا يظهر لنا جليًّا اقتران الآيتين، ليُعملَ العلماء عقولهم في استنباط المعاني من كلام الله تبارك وتعالى؛ قال العلماء: إِذَا وَرِثَ الْأُخْتَانِ الثُّلُثَيْنِ، وهما أقل رتبةً في القرابةِ من البنتين، فمنْ بابِ أولى تَرِثُ الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ.
فقد استفدنا من الآية الأولى أن البنت لها النصف، وأن البنات إذا كنَّ أكثر من اثنتين فلهنَّ الثُّلُثَانِ، ولم تنصَّ الآية الأولى على نصيب البنتين، أيلحق بنصيب البنت فيكون لهما النصف؟ أم يلحق بنصيب الجمع من البنات فيكون لهما (أعني البنتين) الثلثين؟
ولم يذكر حكم ما زاد على الأختين في آخر السورة، وَوَرِثَ ما زاد على البنتين الثُّلُثَيْنِ، فلا يأخذ ما زاد على الأختين فوق الثلثين، أرأيت كيف جمعت كلمات قليلة المبنى، أحكامًا غزيرة المعنى! وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هُودٍ: 1]؛ أي: أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ.
وأما استدلاله بموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة العول وصوره كأنه اجتهد اجتهادا شخصيا بدون مشورة وإجماع أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم أو كأنه اجتهاد ليس له أصول من الكتاب والسنة .
وكل هذا غير صحيح فلم يكن عمر رضي الله عنه منفردا في هذه القاعدة؛ إنما كان بإجماع أهل الفتوى من الصحابة رضي الله عنهم وخالفهم فيها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .
ومضى إجماع الصحابة والتابعين والمذاهب على اعتماد قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر أهل هذا العلم توجيها لطيفا دقيقا لهذا فقالوا:
أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ورد عليه مسألة فيها عول وهي زوج ، واختان شقيقتيان .
ودليل العول هو الإجماع إذ أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة دليل على العول بمعنى أنه لم يرد نص من الكتاب ، والسنة بهذا الصدد : لكن مقثضي إطلاق أيات المواريث لا تفرق بين حالة وأخرى ولا تفرق بين وارث وآخر وإعطاء بعض الورثه حقه كاملاً ، ونقص بعضهم عن حقه بدون حاجب ولا مانع شرعي تحكم ترجيح بلا مرجح.
واستدل القاضي عبد الوهاب بأن النبي ﷺ قال: ( ألحقوا الفرأئض بأهلها ) الحديث .
فأمر بالحاق الفرأئض بأهلها ولم يختص بعضهم دون بعض فإن اتسع المال استوفى كل منهم ما فرض له وإن ضاق المال عن ذلك دخل النقص على الجميع لأنهم أهل فرض وليس أحدهم أولى من صاحيه فكان العول بسبب ذلك .
ولم تقع مسألة في زمن الرسول الكريم ﷺ فيها عول ، بل ولا في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
ولما كان عهد عمر رضي الله عنه ورد عليه مسألة فيها عول زوج ، واختان شقيقتان : وكان رجلا ورعا فتوقف فيها وقال : (أشيروا علي أيها الناس) ، فأشار عليه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بالعول ، وقيل أشار عليه بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقيل زيد بن ثابت رضي الله عنه .
قال السبكي : (الظاهر أنهم كلهم تكلموا بذلك لأن عمر طلب الاستشارة وأخذ عمر برأيهم واتفقوا على ذلك ولم يوجد من الصحابة مخالف فكان هذا إجماعا ) .
ولم مات عمر رضي الله عنه أظهر ابن عباس رضي الله عنهما خلافه في المباهلة. وهي زوج ، وأم ، وأخت شقيقة . فقيل : ( له مابالك لم تقول هذا لعمر ) فقال: ( كان رجلا مهيبا فهبته ) . ولم يكن لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما دليل من كتاب أو سنة وإنما هو رأي واجتهاد ، ولو كان لديه دليل من كتاب أو سنة لما هاب عمر رضي الله عنه.
وجمهور الفقهاء يقولون بالعول ولم يلتفتوا إلى رأي أبن عباس رضي الله عنهما
لأن أصحاب الفروض ليس أحدهم أولي بأخذ حقه كاملاً من بعض فوجب أن يستوي الجميع في نقص ميراثهم ، على قدر سهامهم .
ومن هنا يتبين لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، هو أول من أعال الفرائض كما قال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما .
وبناء عليه لا يجوز لك أن تحجر على علماء الأمة سلفا وخلفا برأيك لتجعل الميراث قضية للعامة .
خاصة وقد صار علم الفرائض – الميراث – علما مكتملا منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم .
ومهما جاء من بعدهم من علماء فلم يضيفوا فيه اجتهادا بزيادة أو نقص أو تغيير لاكتمال مسائله .
وفي النهاية إنه العلم الوحيد الذي أقر الله مسائله وبين قواعده في كتابه .
وما كان من اجتهاد من الصحابة بإضافة مسألة العول فإنما كان أصله الكتاب والسنة من رد المتشابه على المحكم .
وقد أمرنا رسول الله ﷺ أن نأخذ بسنتهم فقال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) الحديث .
وفي النهاية زعمك بأن الميراث ليس بفريضة وأنه يترك للاجتهاد زعم في غير محله ليس على هدى ولا كتاب منير . ويكفي في إبطال ذلك قول الله تعالى : ( آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فريضة من الله )[النساء : 11]
فهذه فرائض، يجب تنفيذها، وعدم الافتيات عليها بتحريف، أو تقصير، أو تغيير أو تبديل؛ وعلل الله عز وجل هذا بقوله: (إن الله كان عليما حكيماً) ليزداد يقين المؤمن أن هذه القسمة صادرة عن علم تام، وحكمة بالغة، لا يمكن أن يلحقها نقص، أو جور أو خلل .
ويكفي عدل الله فيها أن يلجأ إلى الاحتكام إليها ليطالبوا بحقوقهم في الميراث غير المسلمين في محاكم الأحوال الشخصية التماسا لعدل الله وسماحة الإسلام ! .
والقول بطرحها للرأي العام فيه تحريف لأحكام الله عز وجل وأنت أعلم بحكمه فيمن لم يرض بحكمه تعالى وحكم بهوى نفسه .
هداك الله .
والسلام !!! .
كتبه / محمد رجب أبو تليح الأزهري الشاذلي.