خليفة النبي صلى الله عليه وسلم (2)
15 أبريل، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : أبو بكر الجندي
تحدثنا في المقال السابق عن الإنسان خليفة الله في الأرض، وأنه استخلاف تكريم للإنسان، لا استخلاف عن غياب أو عجز كحال البشر، فإن الله تعالى عليم بكل شيء ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وفي هذا المقال نتحدث عن استخلاف الإنسان للإنسان واتخاذه أعوانا ووزراء؛ لعجزه عن القيام بكل المهام، كما قال الله تعالى عن سنة الله في خلقه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ}[الأنعام: 165].
ولقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من أصحابه على المدينة وعلى جيوشه، ويختار في كل خلفائه صاحب الكفاءة والقدرة على أداء المهام المنوط بها، وهذا يتماشى مع الفطرة ويتسق مع نظم الحكم المختلفة.
ولكن مَن هم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في الدول غير الإسلامية؟
وتجيبنا السيرة النبوية، والسياسة المحمدية الخارجية التي كانت تهدف دوما للحفاظ على أوطان غير المسلمين؛ لأن في استقرارها استقرار للمدينة نفسها، ويظهر ذلك جليا من خلال مواقفه صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، وكتبه ورسائله للملوك والأمراء، وهي كالتالي:
ـ في فتح مكة، لما تمكن النبي صلى الله عليه وسلم ِممَّن طردوه منها، لم يَزَل النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على بقاء دولتهم وتماسكها، فأطلق صراحهم وعفا عنهم، وقال: “اذهبوا فأنتم الطُّلقاء”، ثم صلى ركعات بالكعبة، ودعا عثمان بنَ طلحة، واستخلفه على مفتاح الكعبة، وقال: “يا عثمان، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ”، ولم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من أصحابه أو أحدٍ من أقاربه؛ حفاظاً على دولة قريش، مع الإصلاح السلمي التدريجي لما فَسد فيها. فالدعوة المحمدية لا تهدف لمالٍ أو مُلك أو سلطان، وتَأَكد هرقل عظيم الروم من خلال ذلك على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، لما استخبر عن حاله من أبي سفيان وسأله هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا، قال: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه.
ـ بعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة إلى ابن كسرى الذي تمكن من مُلك أبيه، يقول فيها: “إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك، وملكتك على قومك من الأبناء”، فلو أسلم لكان ابن كسرى هو الخليفة على قومه لا أحداً من الصحابة المقربين.
ـ في كتابه صلى الله عليه وسلم لملك عُمَان وأخيه قال: “فإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل، وتظهر نبوتي على مُلكِكُما”، فلو اسلما لكان هما الخلفاء.
وهذا تقرير عملي وتطبيقي نبوي يؤكد على حفظ أوطان غير المسلمين، وأن دخول الإسلام إلى هذه البلدان لا يعني تفكيكها سياسياً واجتماعياً للسيطرة عليها، بل يحرص الإسلام أشد الحرص على حفظ وحدتها وتماسكها بنظامها الشعبوي (الجمهوري)، أو نظامها قبلي، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} [الحجرات: 13]، ليَزيدها الإسلام قوة لقوتها، ووحدة لوحدتها.
ومن هنا يظهر خطر الجماعات المتطرفة التي لم تتعلم مقومات الأمن القومي، الذي يصان به البلدان، وتحفظ بها الأوطان، ولم يعرفوا معنى الحفاظ على مؤسسات الدول والبقاء على تماسكها، وكانوا معول هدم للوطن لا سببا في استقراره وأمنه وأمانه، وذلك بسبب جهلهم بالسياسة النبوية الحكيمة الرشيدة للحفاظ على الأوطان وسلامة البلدان.