خطبة بعنوان : (فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ) للشيخ ثروت سويف

خطبة بعنوان : (فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ)
لفضيلة الشيخ ثروت سويف

بتاريخ 5 شوال 1446هـ – الموافق 4 ابريل 2025م

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه

famaa alyatim fala taqharsarwat

إقرأ في هذه الخطبة

أولاً : من هو اليتيم وما كفالته ؟
ثانياً: مكانة اليتيم في القرآن والسنة ( أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة )
ثالثاً : حرمة أكل مَال ‌الْيَتِيم وظلمه
رابعاً: يتم رغم وجود الوالدين! ً

الخطبة الأولي
الْحَمْدُ للَّهِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ ، الْمُنَزَّهِ عَنِ النَّظِيرِ وَالْعَدِيلِ الْمُنْعِمِ بِقَبُولِ الْقَلِيلِ ، الْمُتَكَرِّمِ بِإِعْطَاءِ الْجَزِيلِ ، نصب لِلْعَقْلِ عَلَى وُجُودِهِ أَوْضَحُ دَلِيلٍ سبحانه تَقَدَّسَ عَمَّا يَقُولُ ‌أَهْلُ ‌التَّعْطِيلِ ، وَتَعَالَى عَمَّا يَعْتَقِدُ أَهْلُ التَّمْثِيلِ أَمَرَ خليله بِبِنَاءِ بَيْتٍ وَجَلَّ عَنِ السكنى الجليل (وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِۦمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَٰعِیلُ ) ثُمَّ حَمَاهُ لَمَّا قَصَدَهُ أَصْحَابُ الْفِيلِ ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ له التقدير والتدبير خلق الانسان بقدرته، وأنشأه في الأرحام بحكمته، ورعاه في ظلمات ثلاث بلطفه وعنايته وَهَدَاه إِلَى أَبْيَنُ سَبِيلٍ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه أوصي حبيبه محمد فقال (فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ) 9 الضحي

فكن لليتيم كالأب الرحيم والصديق الخليل

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النَّبِيّ النَّبِيل الذي لم يكن لأخلاقه مثيل وَأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَيهِ وعلي آله وصحبه كُلَّمَا نَطَقَ لِسانٌ وَقِيلَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي لا يُبْغِضُهُ إِلا ثَقِيلٌ ، وَعَلَى عُمَرَ وَفَضْلُ عُمَرَ فَضْلٌ طَوِيلٌ ، وَعَلَى عُثْمَانَ وَكَمْ لِعُثْمَانَ مِنْ فِعْلٍ جَمِيلٍ ، وَعَلَى عَلِيٍّ وَجَحْدُ قَدْرِ عَلِيٍّ تَغْفِيلٌ ، وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ الْمُسْتَسْقَى بِشَيْبَتِهِ فَإِذَا السُّحُبُ تَسِيلُ.

اما بعد
فلقد خصص العالم أول جمعة من شهر ابريل كيوم لليتيم لإدخال البهجة علي قلوب الثكلي واليتامي فكان لزاما علينا أن نتحدث عن كفالة اليتيم وفضلها في الكتاب والسنة النبوية لنري كيف أوصي القران وسنة نبينا باليتيم وليس ليوم واحد إنما علي مدي الدهر

أولاً : من هو اليتيم وما كفالته ؟
‌إن اليتيم في النّاس من فقد أباه، واليتيم في الحيوانات والطيور من فقد أمه
وأصل اليتم في اللغة هو الغفلة، وبه سمي اليتيم يتيماً، أي: لأنه يتغافل عن بره بعد موت أبيه

وكَفَالَة الْيَتِيم هِيَ : الْقيام بأموره وَالسَّعْي فِي مَصَالِحه من طَعَامه وَكسوته وتنمية مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِن كَانَ لَا مَال لَهُ أنْفق عَلَيْهِ وكساه ابْتِغَاء وَجه الله تَعَالَى

اذا كفالة اليتيم حينئذ تكون: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا
وإن مما يذرف الدمع من العين ساخنًا ساعة الموت صبية صغارًا وذرية ضعفاء يخلفهم الميت وراءه يخشى عليهم من مصائب الدنيا وصروفها ويتمنى وصيًّا مرشدًا يقوم مقامه يرعاهم كرعايته ويسوسهم كسياسة يعزيهم بره ولطفه عن أبيهم الراحل ويجدون عنده من العناية والقيام بمصالحهم مَا يكون بإذن الله سببًا لإخراجهم رجالاً فِي الحياة يملئون العيون ويشرحون الصدور

‌‌واعلم أن كفالة اليتيم ترقق القلب

لقد كان عليه الصلاة والسلام في نور نبوّته، وجلال رحمته يضمّ إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول فيما أخرج البخاري في صحيحه

عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا ‌وَكَافِلُ ‌الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.»

عباد الله إنّ اليتيم إنسان مقهور يهرؤه فقد الحنان، امسح رأسه، اقترب منه، ابتسم له، طيّب خاطره، أدخل البهجة على روحه الظّامئة، بكلمة، بلمسة، ببسمة، إنّ العلاقات الإنسانيّة تحقّق كلّ مجد لها حين تضفي على هذا اليتيم المحروم من حنانها ودفئها

‌‌ومالي اذهب بعيداً وعندي محمد صلى الله عليه وسلم خير المكفولين وهو اليتيم الذي رباه وادبه مولاه

ففي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما تطيب به خواطر اليتامى في كلّ زمان ومكان فقد توفّي والده قبل أن يولد ونشأ في كفالة جدّه عبد المطّلب يلقى من الرّعاية والعناية ما يعوّضه عن فقد أبيه

يقول ابن إسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جدّه عبد المطّلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطّلب فراش في ظلّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك، حتّى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له

قال: (ابن إسحاق) : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، حتّى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه، ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطّلب إذا رأى منهم ذلك: دعوا ابني، فو الله، إنّ له لشأنا، ثمّ يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسرّه ما يراه يصنع .

وبعد أن توفّي عبد المطّلب وعمره صلى الله عليه وسلم قد جاوز الثّماني سنوات بقليل، انتقلت كفالته- أخذا بوصيّة جدّه- إلى عمّه الشّقيق أبي طالب ، فنهض أبو طالب بحقّ ابن أخيه على أكمل وجه وضمّه إلى ولده، وقدّمه عليهم واختصّه بفضل احترام وتقدير، فكان لا ينام إلّا وهو إلى جواره ويصطحبه معه ما أمكنته الصّحبة

لقد كانت العرب تعرف ذلك وتحدّث به، وتعرف من وفاء الرّسول صلى الله عليه وسلم لمن قام بكفالته ما جعل خطيب وفد هوازن يخاطبه مستشفعا في أموال هوازن ونسائها قائلا: يا رسول الله: إنّما في الحظائر عمّاتك وخالاتك وحواضنك اللّاتي كنّ يكفلنك … وأنت خير المكفولين.

وما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا أن وفّى لمن كفله وقام برعايته حقّ كافليه قائلا: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» ، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في الوفاء والعرفان بالجميل

قال أبو حيّان في قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى/ 9- 11) : ويظهر أنّه لمّا تقدّم ذكر الامتنان عليه صلى الله عليه وسلم بذكر الثّلاثة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى * وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أمره بثلاثة: فذكر اليتيم أوّلا، وهي البادية، ثمّ ذكر السّائل ثانيا وهو العائل، وكان أشرف ما امتنّ به عليه هي الهداية

قال النّيسابوريّ: قال أهل التّحقيق:
الحكمة في يتم النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعرف قدر الأيتام، فيقوم بأمرهم، وأن يكرم اليتيم المشارك له في الاسم

ثانياً: مكانة اليتيم في القرآن والسنة ( أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة )

لقد أوصي الله باليتمي في مواضع عدة من القران الكريم نذكر منها
قال تعالي (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً )2 النساء

وقال تعالي (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) 158 الأنعام

وقال تعالي (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) الإنسان

أما في سنة نبيكم فلقد اهتم باليتيم أيّما اهتمام يأخذ بيدنا لأن نقوم علي امره ونرعاه لقد كرم النبي صلى الله عليه وسلم الذي نشأ يتيماً اليتامى على الأرض من المسلمين تكريماً عجيباً، ووالله لو لم يأت في السنة إلا هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « كَافِلُ الْيَتِيمِ ‌لَهُ ‌أَوْ ‌لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ». وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى

ورواه البزار متصلاً ولفظه قال: «من كفل يتيمًا له ذا قرابة أو لا قرابة له فأنا وهو فِي الجنة كهاتين»

وَقَوله فِي الحَدِيث لَهُ أَو لغيره أَي سَوَاء كَانَ الْيَتِيم قرَابَة أَو أَجْنَبِيّا مِنْهُ فالقرابة مثل أَن يكفله جده أَو أَخُوهُ أَو أمه أَو عَمه أَو زوج أمه أَو خَاله أَو غَيره من أَقَاربه وَالْأَجْنَبِيّ من لَيْسَ بَينه وَبَينه قرَابَة

فالذي يكفل اليتيم ويتعهده ويلاحظه ويؤدبه ويهذب نفسه وتطمئن قلوب أقاربه إذا رأوه وكأن والده حي لا يفقد من والده إلا جسمه، فلا غرو أن كَانَ مكانه عند الله عظيمَا، وكان حريًّا أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبًا فِي الجنة يتمتع بما فيها من النعيم المقيم، كما قام بما وفقه الله له من رعاية اليتيم ومصداقا لذلك الحديث الذي اوردناه عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا ‌وَكَافِلُ ‌الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.» البُخَارِيّ

قال ابن بطّال: حقّ على من سمع هذا الحديث- يعني قول الرّسول صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم الحديث» – أن يعمل به ليكون رفيق النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنّة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك )

أي فضل وأي شرف لمن يكفل اليتيم أن يكون مرافقاً في الجنة للنبي صلى الله عليه وسلم.

نقل الحافظ ابن حجر في الفتح مقولة عن ابن بطال إذ يقول: حق على كل من سمع بهذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فهي أفضل منزلة في الآخرة.

من منا لا يريد أن يرافق الحبيب في الجنة؟
بل لقد ورد في الحديث الذي رواه أبو يعلى وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الأدب معلقاً على هذا الحديث الذي استشهد به: وإسناده لا بأس به من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول من يفتح باب الجنة، فأرى امرأة تبادرني -أي تسرع خلفي لتدخل معي إلى الجنة- فأقول لها: مالكِ؟ من أنتِ؟ فتقول المرأة: أنا امرأة قعدت على أيتام لي)

وعنَد أَبي يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ إلَّا أَنِّي أَرَى امْرَأَةً تُبَادِرُنِي، فَأَقُولُ مَا لَك وَمَنْ أَنْتِ؟ تَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْت عَلَى أَيْتَامٍ لِي»

امرأة جلست تربي أيتامها بعد موت زوجها تسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدخل معه الجنة، قال الحافظ ابن حجر: وقد يشتمل هذا الحديث على الأمرين، أي: على أمر السرعة والمنزلة معاً، تسرع لتكون مع رسول الله ولتكون في منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، يقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (مالكِ؟ من أنتِ؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي) جلست على أيتام لها لتربيهم تربية طيبة بالحلال الطيب، بعيداً عن أجواء المعصية العفنة عياذاً بالله جل وعلا.

بل وفي الحديث الذي رواه النسائي بسندٍ جيد من حديث أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌اللهُمَّ ‌إِنِّي ‌أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ حَقَّ الْيَتِيمِ وَحَقَّ الْمَرْأَةِ» أحرج – والحرج هو: الإثم الشديد والذنب العظيم

وروي الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، ‌وَمَنْ ‌أَحْسَنَ ‌إِلَى ‌يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ ” وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى . احمد

عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ؛ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ” ‌مَنْ ‌ضَمَّ ‌يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ، وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِي لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ” مسند أحمد

وَروي الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْمَتْرُوكِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‌مَنْ ‌رَحِمَ ‌الْيَتِيمَ، وَلَانَ لَهُ فِي الْكَلَامِ، وَرَحِمَ يُتْمَهُ وَضَعْفَهُ، وَلَمْ يَتَطَاوَلْ عَلَى جَارِهِ بِفَضْلِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ»

وَأَخْرَجَ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى احْتِمَالٍ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِيَعْقُوبَ إنَّ سَبَبَ ذَهَابِ بَصَرِهِ وَانْحِنَاءِ ظَهْرِهِ وَفِعْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ بِهِ مَا فَعَلُوا أَنَّهُ أَتَاهُ يَتِيمٌ مِسْكِينٌ صَائِمٌ جَائِعٌ وَقَدْ ذَبَحَ هُوَ وَأَهْلُهُ شَاةً فَأَكَلُوهَا وَلَمْ يُطْعِمُوهُ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ حُبَّهُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَ طَعَامًا وَيَدْعُوَ الْمَسَاكِينَ فَفَعَلَ»

وَقَالَ رجل لأبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه أوصني بِوَصِيَّة قَالَ ارْحَمْ الْيَتِيم وأدنه مِنْك وأطعمه من طَعَامك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ رجل يشتكي قسوة قلبه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أردْت أَن يلين قَلْبك فأدن الْيَتِيم مِنْك وامسح رَأسه وأطعمه من طَعَامك فَإِن ذَلِك يلين قَلْبك وتقدر على حَاجَتك

روي الذهبي في الكبائر قال وَمِمَّا حُكيَ عَن بعض السلف قَالَ كنت فِي بداية أَمْرِي مكباً على الْمعاصِي وَشرب الْخمر فظفرت يَوْمًا بصبي يَتِيم فَقير فَأَخَذته وأحسنت أليه وَأَطْعَمته وَكسوته وأدخلته الْحمام وأزلت شعثه وأكرمته كَمَا يكرم الرجل وَلَده بل أَكثر فَبت لَيْلَة بعد ذَلِك فَرَأَيْت فِي النوم أَن الْقِيَامَة قَامَت ودعيت إِلَى الْحساب وَأمر بِي إِلَى النَّار لسوء مَا كنت عَلَيْهِ من الْمعاصِي فسحبتني الزَّبَانِيَة ليمضوا بِي إِلَى النَّار وَأَنا بَين أَيْديهم حقير ذليل يجروني سحباً إِلَى النَّار وَإِذا بذلك الْيَتِيم قد اعترضني بِالطَّرِيقِ وَقَالَ خلوا عَنهُ يَا مَلَائِكَة رَبِّي حَتَّى أشفع لَهُ إِلَى رَبِّي فَإِنَّهُ قد أحسن إِلَيّ وأكرمني فَقَالَت الْمَلَائِكَة إِنَّا لم نؤمر بذلك وَإِذا النداء من قبل الله تَعَالَى يَقُول خلوا عَنهُ فقد وهبت لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ بشفاعة الْيَتِيم وإحسانه إِلَيْهِ قَالَ فَاسْتَيْقَظت وتبت إِلَى الله عز وجل وبذلت جهدي فِي إِيصَال الرَّحْمَة إِلَى الْأَيْتَام

وَلِهَذَا روي ابْنُ مَاجَهْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌خَيْرُ ‌بَيْتٍ ‌فِي ‌الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ»

وَرُوِيَ إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى دَاوُد عليه السلام يَا دَاوُد كن للْيَتِيم كَالْأَبِ الرَّحِيم وَكن للأرملة كالزوج الشفيق وَاعْلَم كَمَا تزرع كَذَا تحصد مَعْنَاهُ أَنَّك كَمَا تفعل كَذَلِك يفعل مَعَك أَي لَا بُد أَن تَمُوت وَيبقى لَك ولد يَتِيم أَو امْرَأَة أرملة
وَقَالَ دَاوُد عليه السلام فِي مناجاته إلهي مَا جَزَاء من أسْند الْيَتِيم والأرملة ابْتِغَاء وَجهك قَالَ جَزَاؤُهُ أَن أظلهُ فِي ظِلِّي يَوْم لَا ظل إِلَّا ظِلِّي مَعْنَاهُ ظل عَرْشِي يَوْم الْقِيَامَة

وروي الذهبي في كتابه الكبائر والعهدة عليه في صحة تلك القصة قال

وَمِمَّا جَاءَ فِي فضل الْإِحْسَان إِلَى الأرملة واليتيم عَن بعض الشرفاء وَكَانَ نازلاً ببلخ من بِلَاد الْعَجم وَله زَوْجَة علوِيَّة وَله مِنْهَا بَنَات وَكَانُوا فِي سَعَة ونعمة فَمَاتَ الزَّوْج وَأصَاب الْمَرْأَة وبناتها بعده الْفقر والقلة فَخرجت ببناتها إِلَى بَلْدَة أُخْرَى خوف شماتة الْأَعْدَاء وَاتفقَ خُرُوجهَا فِي شدَّة الْبرد فَلَمَّا دخلت ذَلِك الْبَلَد أدخلت بناتها فِي بعض الْمَسَاجِد المهجورة وَمَضَت تحتال لَهُم فِي الْقُوت فمرت بجمعين جمع على رجل مُسلم وَهُوَ شيخ الْبَلَد وَجمع على رجل مَجُوسِيّ وَهُوَ ضَامِن الْبَلَد فَبَدَأت بِالْمُسلمِ وشرحت حَالهَا لَهُ وَقَالَت أَنا امْرَأَة شريفه وَمَعِي بَنَات أَيْتَام أدخلتهم بعض الْمَسَاجِد المهجورة وَأُرِيد اللَّيْلَة قوتهم فَقَالَ لَهَا أقيمي عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك شريفة فَقَالَت أَنا امْرَأَة غَرِيبَة مَا فِي الْبَلَد من يعرفنِي فَأَعْرض عَنْهَا فمضت من عِنْده منكسرة الْقلب فَجَاءَت إِلَى ذَلِك الرجل الْمَجُوسِيّ فشرحت لَهُ حَالهَا وأخبرته أَن مَعهَا بَنَات أَيْتَام وَهِي امْرَأَة شريفة غَرِيبَة وقصت عَلَيْهِ مَا جرى لَهَا مَعَ الشَّيْخ الْمُسلم فَقَامَ وَأرْسل بعض نِسَائِهِ وَأتوا بهَا وبناتها إِلَى دَاره فأطعمهن أطيب الطَّعَام وألبسهن أَفْخَر اللبَاس وَبَاتُوا عِنْده فِي نعْمَة وكرامة قَالَ فَلَمَّا انتصف اللَّيْل رأى ذَلِك الشَّيْخ الْمُسلم فِي مَنَامه كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت وَقد عقد اللِّوَاء على رَأس النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَإِذا الْقصر من الزمرد الْأَخْضَر شرفاته من اللُّؤْلُؤ والياقوت وَفِيه قباب اللُّؤْلُؤ والمرجان فَقَالَ يَا رَسُول الله لمن هَذَا الْقصر قَالَ لرجل مُسلم موحد فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا رجل مُسلم موحد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقِم عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك مُسلم موحد قَالَ فَبَقيَ متحيراً فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم لما قصدتك الْمَرْأَة قلت أقيمي عِنْدِي الْبَيِّنَة فَكَذَا أَنْت أقِم عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك مُسلم فانتبه الرجل حَزينًا على رده الْمَرْأَة خائبة ثمَّ جعل يطوف بِالْبَلَدِ وَيسْأل عَنْهَا حَتَّى دل عَلَيْهَا أَنَّهَا عِنْد الْمَجُوسِيّ فَأرْسل إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ أُرِيد مِنْك الْمَرْأَة وبناتها فَقَالَ مَا إِلَى هَذَا من سَبِيل وَقد لَحِقَنِي من بركاتهم مَا لَحِقَنِي قَالَ خُذ مني ألف دِينَار وسلمهن إِلَيّ فَقَالَ لَا أفعل فَقَالَ لَا بُد مِنْهُنَّ فَقَالَ الَّذِي تريده أَنْت أَنا أَحَق بِهِ وَالْقصر الَّذِي رَأَيْته فِي مَنَامك خلق لي أتدل عَليّ بِالْإِسْلَامِ فوَاللَّه مَا نمت البارحة أَنا وَأهل دَاري حَتَّى أسلمنَا كلنا على يَد المرأة وَرَأَيْت مثل الَّذِي رَأَيْت فِي مَنَامك وَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم العلوية وبناتها عنْدك قلت نعم يَا رَسُول الله قَالَ الْقصر لَك وَلأَهل دَارك وَأَنت وَأهل دَارك من أهل الْجنَّة خلقك الله مُؤمنا فِي الْأَزَل قَالَ فَانْصَرف الْمُسلم وَبِه من الْحزن والكآبة مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله

فَانْظُر رَحِمك الله إِلَى بركَة الْإِحْسَان إِلَى الأرملة والأيتام مَا أعقب صَاحبه من الْكَرَامَة فِي الدُّنْيَا وَلِهَذَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (السَّاعِي على الأرملة وَالْمَسَاكِين كالمجاهد فِي سَبِيل الله) قَالَ الرَّاوِي أَحْسبهُ قَالَ (وكالقائم لَا يفتر وكالصائم لَا يفْطر) والساعي عَلَيْهِم هُوَ الْقَائِم بأمورهم ومصالحهم ابْتِغَاء وَجه الله تَعَالَى وفقنا الله لذَلِك بمنه وَكَرمه إِنَّه جواد كريم رؤوف غَفُور رَحِيم

ثالثا : حرمة أكل مَال ‌الْيَتِيم وظلمه
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] «قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ وُلِّيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ يَتِيمٌ فَأَكَلَهُ ) وَالسَّعِيرُ الْجَمْرُ الْمُتَّقِدُ مِنْ سَعَّرْت النَّارَ أَوْقَدْتهَا وَلِشِدَّةِ الْوَعِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ مُجَرَّبٌ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ

عن ابن عبّاس قال: لمّا أنزل الله وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الإسراء/ 34) وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى (النساء/ 10) الآيتين: انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشّيء من طعامه فيجلس له حتّى يأكله أو يفسد فيرمي به، فاشتدّ ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى … الآية. فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم ).

فالمخالطة ليست مذمومة إلا لذي إفساد أو شرٍّبل ان الحبيب المصطفي صر لنا حال آكل مال اليتيم في النار فيما روي مسلم من حديث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمِعْرَاج فَإِذا أَنا بِرِجَال وَقد وكل بهم رجال يفكون لحاهم وَآخَرُونَ يجيئون بالصخور من النَّار فيقذفونها بأفواههم وَتخرج من أدبارهم فَقلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلماً إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا . رَوَاهُ مُسلم

قال القرطبيّ في تفسير سورة الماعون
نزلت في العاص بن وائل السّهميّ، وقيل: في رجل من المنافقين، وقيل: في الوليد بن المغيرة، وقيل: في أبي جهل، وقيل: في عمرو بن عائذ. وقال ابن جريج، نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر في كلّ أسبوع جزورا، فطلب منه يتيم شيئا فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السّورة

وَروي الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “‌أَرْبَعٌ ‌حَقٌّ ‌عَلَى ‌اللهِ أَنْ لَا يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ، ولَا يُذِيقَهُمْ نَعِيمَهَا: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَآكِلُ الرِّبَا، وَآكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ”

لقد عد الحبيب النبي اكل مال اليتيم من الأمور المهلكات السبعة
روي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، ‌وَأَكْلُ ‌مَالِ ‌الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ).

وَأَبُو يَعْلَى: «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْمٌ فِي قُبُورِهِمْ تُأَجَّجُ أَفْوَاهُهُمْ نَارًا، فَقِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] » .

وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ مَشَافِرَهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَارٍ تَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ. فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هُمْ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا» .

قَالَ الْعلمَاء فَكل ولي ليتيم إِذا كَانَ فَقِيرا فَأكل من مَاله بِالْمَعْرُوفِ بِقدر قِيَامه عَلَيْهِ فِي مَصَالِحه وتنمية مَاله فَلَا بَأْس عَلَيْهِ وَمَا زَاد على الْمَعْرُوف فسحت حرَام لقَوْل الله تَعَالَى {وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ}
وَفِي الْأكل بِالْمَعْرُوفِ أَرْبَعَة أَقْوَال (أَحدهَا) أَنه الْأَخْذ على وَجه الْقَرْض (وَالثَّانِي) الْأكل بِقدر الْحَاجة من غير إِسْرَاف و (الثَّالِث) أَنه أَخذ بِقدر إِذا عمل للْيَتِيم عملاً (وَالرَّابِع) أَنه الْأَخْذ عِنْد الضَّرُورَة فَإِن أيسر قَضَاهُ وَإِن لم يوسر فَهُوَ فِي حل وَهَذِه الْأَقْوَال ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَفْسِيره
وَجَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالظُّلْمِ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الْآيَةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ تَحْذِيرًا لِلنَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْوَخِيمَةِ الْمُهْلِكَةِ.
مِنْهَا: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَلِيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ»مسلم

الخطبة الثانية
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصَدَتْه الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها

واشهد أن لا اله الا الله لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه ضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه ، أرسله ربه رحمة للعالمين , وحجة على العباد أجمعين, فهدى الله به من الضلالة , وبصر به من الجهالة , وكثر به بعد القلة , وأغنى به بعد العيلة , ولمَّ به بعد الشتات , وأمَّن به بعد الخوف , فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

رابعاً: يتم رغم وجود الوالدين! ً

يتمٌ رغم وجود الوالدين! كيف يكون ذلك؟ ألم أقل في أول الخطبة بأن ابن منظور قال في لسان العرب: بأن اليتم في اللغة أصله الانفراد، فإذا عاش الطفل منفرداً فريداً وحيداً أحس باليتم وبالغربة؛ فهو بين والد قد انشغل بتجارته وأمواله ولم يعط لولده قليلاً من الوقت، وبين أم قد انشغلت عن ولدها بالعمل تارة، أو بالضرب في الأسواق تارة أخرى، أو بالجري وراء أحدث الموضات مرة ثالثة، وتركت ولدها ووليدها ونعمة ربها التي يريدها كثير من النساء غيرها، تركت هذه النعمة في أحضان رفاق السوء، واولاد الشوارع

وهل يريد من زرع الشوك أن يجني الورود، محال لمن زرع الشوك أن يجني إلا الجراح، ولدك على مائدة اللئام، وتريد أن يتربى على التوحيد والإسلام!!

فقد ينشأ الطفل بين والديه إلا أنه يحس باليتم، وبالوحشة، وبالغربة، لا يجد أباً يجلس إليه، ولا يجد أماً تأخذه في أحضانها لترضعه حنانها ورحمتها، كلا والذنب على رأس والديه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

ورحم الله من قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي ترى له أماً تخلت أو أباً مشغولا

أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم حصن فروجنا، وطهر أموالنا، وارزقنا الإخلاص والصدق في أقوالنا وأعمالنا أنت ولي ذلك ومولاه.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين.
هذا وصلوا وسلموا تسليما كثيرا علي سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

 

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه

famaa alyatim fala taqharsarwat

اترك تعليقاً