بقلم المستشار الدكتور : محمد فهمي رشاد منصور
مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا
* لا أتابع المواقع ولا أنشغل بجدلياتها _ خاصة _ في هذا الشهر الفضيل ، لأنني أعتقد أن الانشغال عن طاعات ونفحات رمضان بجدليات المواقع داخل في دائرة ” استزلهم ” المشبوهة ، فضلاً عن تضييع استثمار المتاح في الواقع بجدليات وهمية مصطنعة في تلك المواقع ..
* انقسام العامة حول تقييم برنامج لممثل أو اختلاف الرؤى حول مدى فاعلية برنامج لشخص ما أمر معتاد في زماننا ، فأصبح الجميع يخوض في كل شيء معتبراً أن رأيه رأي معتبر ، وأن قوله قول هام ..
* خطورة الجدل القائم هو في الحدية بحيث يرى المؤيدون لبرنامج ممثل معين أن منتقدي هذا النهج هم المغرضون الحاسدون الحاقدون التابعون لحزب أعداء النجاح ، وفي المقابل يرى الآخرون أن مؤيدي تلك الظاهرة ومثيلاتها هم قوم سذج تحركهم الميديا حيث يريد صنّاعها وبالتالي فإن هؤلاء يصدق عليهم أنهم حزب أعداء الفلاح ..
تناسى الفريقان المختلفان تلك الأصول :
✒️أن الدين غير التدين ، حيث إن الدين أمر له أهله المتخصصون ، خلافاً للتدين الذي هو أمر عام يشترك فيه أصحابه بنسب ، كما أن لصناعة التمثيليات والأفلام أهلها الذين عرفوا بها ، وتخصصوا فيها ..
✒️ من نكد الدنيا …بعد نجاح التجريف و التجفيف والتخويف أننا صرنا نشهد تبادلاً للأدوار في عصر السموات المفتوحة ؟
✒️ يعلم الله أن الأحب إلى قلبي توبة ممثل أو مشتغل بما يعرف حالياً ب ” الفن ” لأن في توبته صلاحاً لشخصه وإصلاحاً لمجتمعه ..
✒️ لا يمانع مسلم فضلاً أن يكون عالماً الاحتفاء بالمسلم التائب من المعاصي ، ويزداد الفرح إذا وفّق أحد الممثلين للتوبة النصوح من الفساد والإفساد في الأرض ..
✒️ الممثل التائب و من حذا حذوه كغيره له ماله وعليه ما عليه ، لهذا لابدّ من وضعه في مكانه الصحيح كي لا نقع في إشكالية ( المثالية والملائكية والتقديس أو العدائية والتبخيس )
✒️الممثل والمشتغل بصناعة الفن إذا تاب فلابدّ له من إعلان ذلك ، لأنه يتضمن تصحيحاً لمسار كل محبيه والمتأثرين به من العامة ..
✒️ إذا لم يعلن الممثل والمشتغل بهذه المهنة ومثيلاتها توبته وتبرأه من كل ما خالف فيه الشرع فإن هذا يعدّ قدحاً في صدق توبته ، حتى إن الشيخ الشعراوي كان يفتي المشتغلين بالفن إذا عزموا على التوبة بضرورة إعلان التوبة عن التمثيل ، وإعلان البراءة مما فعلوه سلفاً
✒️أرى أن هذا الموضوع ليس مجرد رد فعل لبرنامج أخلاقي أو تنموي بنكهة دينية يقدمه ممثل ، وأخر برنامج خيري يقدمه ممثل ، بل إن الموضوع أكبر من ذلك ، وستبدي لك الأيام صدق ذلك..
✒️أرى أن هذه بداية لعودة ظاهرة سحب البساط من دعاة الميديا من أصحاب الاتجاهات الإسلامية السنيّة تمهيداً لاستبدالهم بغيرهم من المألوفين للجماهير لكن في ثوب جديد يضمن تسريب المفاهيم العلمانية في ثوب وعظي أخلاقي تنموي أشبه بالخطاب الوعظي البروستانتي اللايت الذي يقدم على فترات _ خاصة _ أثناء حالة التدين الموسمي _ ، ولا يخفى ما لهذا الأمر من آثار خطيرة سنرى آثارها فيما بعد ..
✒️أرى أننا أمام نموذج جديد يتشكل لواقع “دعوي بديل ” ذو طابع سينمائي يقوم عليه بعض الممثلين والمشتغلين بالفن ليصبحوا = دعاة الاسكريبتات ، بدلاً من دعاة من خارج السياق الفني ..
ولو كتب لتلك الظاهرة الانتشار _ خاصة _ بعد خلو الساحة من الدعاة المؤثرين فستكون النتيجة = المزيد من محاولات الاستقطاب والأدلجة وبزنسة الخطاب الدعوي ، وأكبر سلبياته جذب من هم خارج السياق الفني ، وتثبيت من داخل السياق الفني ، وقتل مشاعر التأنيب واللوم الذاتي والمجتمعي على تمرد الفنانين على كثير من الثوابت الدينية و القيم الشرعية
✒️ما قام به بعض الشباب المنتشرين على الميديا من عمل حملات للدفاع عن البرنامج الفلاني ومقدمه ومحتواه مشاركة في هذا الريند ، هو أشبه بإمضاء (( شيك على بياض )) ، وهو يؤكد مدى الاختراق الليبرالي لصناع الميديا والمحتوى الديني المعاصرين ، والذي سبق أن بينت أنه نتاج = ( إسلام السوق ) ، والذي حدا بكثير من هؤلاء الشباب إلى الظن أنهم من أهل البصر والبصيرة ، وأن قولهم قول معتبر في كل الأمور
ما نراه من انتشار لحالة التهارج والاختلاف بدلاً من الوحدة والاصطفاف لصنّاع المحتوى الديني هو نتاج طبيعي لأسباب متشابكة منها :
* سطحية كثير من هؤلاء ، وقلة وعيهم بمآلات الخطاب الإعلامي المعاصر ، والغايات البعيدة من صناعته ..
*أن المحرك الأساسي لأكثر هؤلاء الشباب الانجراف العاطفي المؤدي للانحراف ” غالباً …
*غفلة كثير من هؤلاء عن الغاية من خلق حالة جدلية حول المحتوى الفلاني ، وعدم فطنتهم لهدف ترميز فلان بعينه ، ومن وراء ذلك ؟ ، وما الأهداف القريبة و البعيدة من تقديمه واستغلال حالة التعاطف الشعبي معه ؟
*عجلة هؤلاء الشباب و التسرع و عدم السماع لنصح الناصحين من السابقين ممن عركتهم الأحداث ، فصاروا معنيين بالسياقات والغايات والأهداف واستشراف القادم والمآلات ، وليس هذا فحسب ..بل إن بعض هؤلاء الشباب تجرأ بالوقوع في أعراض الناصحين، ووصفهم بما لا يليق .. ، ولا أجد إلا قول طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ
*وقول القائل :
أمور يضحك البسطاء منها
ويبكي من عواقبها اللبيب ..
✒️قرأت بعض حجج وتبريرات وتعليقات البعض ممن تحركهم ” الشخصنة ” للدفاع بشراسة عن حالة بعينها ، وبرنامج معين ، دون الالتفات إلى جوهر الإشكال ، وحقيقة الخلاف ، ومن ذلك قولهم :
*لا تتهموا النوايا ، وادعموا المحتوى الهادف
*[ وهذا أمر متفق عليه ، ولا خلاف فيه بين العقلاء والنبلاء ، وخارج محل الخلاف ] .
لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم..
* [ وهذا مطلب شرعي حيث أمرنا بأن نقيل العثرات وندعم إخواننا المسلمين كي لا يختلسهم الشياطين ، ولكن ليس محل الخلاف وإنما الإشكال في : مدى نجاح الشياطين في رسم الخطط المحكمة ، واستغلال الحالة ،وتوظيف الحدث لأغراض كارثية ستعود على الدعوة بالإضعاف] ..
الناس عطشانة …
* [ هذا صحيح لأسباب كثيرة ، وأنا أدعم كل من ينصح للمسلمين بشروط البلاغ المعتبرة في الدين ، لكن ليس هذا مبرراً أن نترك من شاء ليقول في دين الله ما شاء دون نظر في الأصول والعواقب ]