حكم صلاة التسابيح، وحكم أدائها في شهر رمضان

بقلم فضيلة الدكتور : مسعد الشايب
عضو مكتب الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله صادق الوعد الأمين، وبعد:

فمن العبادات والطاعات التي اعتاد كثيرٌ من المسلمين أدائها في شهر رمضان، ما يعرف بصلاة التسابيح، فما مدى مشروعية تلك الصلاة، وما حكم أدائها في شهر رمضان المبارك؟ وأقول إجابة عن ذلك:

الخلاف حول مشروعيتها، وسببه :

اختلف العلماء في حكم صلاة التسابيح فمنهم من أجازها ومنهم من منعها. والسبب في اختلافهم كيفيتها المخالفة للصلوات المفروضة، وحكمهم على الحديث الوارد فيها ومداره، فمن ضعّف الحديث الوارد فيها منعها، واحتجوا أيضًا بكيفيتها المخالفة لكيفية الصلاة المفروضة، ودوران الحديث على صحابي واحد وهو سيدنا العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه).

المختار في شأنها :

والذي نطمئن إليه ونفتي به هو جواز صلاتها إن شاء للآتي:

أولًا: حسّن حديثها عددٌ من علماء الحديث، كالإمام أبي داود وذكرّ للحديث ثلاث طرق، وكذلك الإمام الترمذي ذكر لها طريقًا وحسّنه الإمام مسلم، والحاكم، والذهبي، والمنذري، والآجري، والمقدسي، ومن المتأخرين العلامة الشيخ أحمد شاكر في شرحه لسنن الإمام الترمذي.

وهذا أحد ألفاظ الحديث: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال للعباس بن عبد المطلب: (يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّاهُ، أَلَا أُعْطِيكَ، أَلَا أَمْنَحُكَ، أَلَا أَحْبُوكَ، أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، عَشْرَ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ، قُلْتَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً) (رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، والطبراني في الكبير والأوسط، والبيهقي في السنن والشعب، وغيرهم).

وفي رواية: (فَإِذَا فَرَغْتَ قُلْتَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَجِدَّ أَهْلِ الْحِسْبَةِ، وَطَلَبَ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى أَخَافَكَ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ مَخَافَةً تَحْجِزُنِي عَنْ مَعَاصِيكَ، حَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ عَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ رِضَاكَ، وَحَتَّى أُنَاصِحَكَ فِي التَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْكَ، وَحَتَّى أُخْلِصَ لَكَ النَّصِيحَةَ حُبًّا لَكَ، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ حُسْنَ ظَنٍّ بِكَ، سُبْحَانَ خَالِقِ النَّارِ) (المعجم الأوسط).

ثانيًا: على فرض ضعف الحديث، فالحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، ومنها: صلاة التسابيح، فهي ليست من أمور العقيدة، ولا من أمور الحلال والحرام.

ثالثًا: ما استدل به المانعون لصلاة التسابيح كله مردودٌ عليه كالآتي:

تضعيفهم الحديث مردودٌ بتحسين جماعة من علماء الحديث المعتبرين له.

قولهم: إن كيفية صلاة التسابيح تخالف هيئة الصلوات المفروضة. وهذا لا يصح أن يكون دليلًا على منع تلك الصلاة؛ لأن صلاة الجنازة تخالف هيئة الصلاة المفروضة فليس فيها ركوع ولا سجود، وصلاة الكسوف تخالف هيئة الصلاة المفروضة ففيها ركوعان وقراءتان في الركعة الواحدة.

قولهم: إن مدار تلك الصلاة على صحابي واحد وهو العباس بن عبد المطلب غير صحيح، فقد وردت كيفيتها عن علي بن أبي طالب وأخيه جعفر الطيار، وعبد الله بن جعفر، ووردت عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعن الفضل بن العباس، وعبد الله بن عباس، وأبي رافع، وأم سلمة (رضي الله عنهم)، فقد وردت عن تسعة من الصحابة، وقد جمع تلك الروايات الخطيب البغدادي في جزء حديثي سماه (ذكر صلاة التسبيح والأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها واختلاف ألفاظ الناقلين لها).

وعلى فرض مدار الحديث على سيدنا العباس فقط فلا مطعن لهم في ذلك طالما أن الرواية جاءت بسندٍ حسن، وتفرد الصحابي برواية دون جميع الصحابة لا تمنع من صحة الحديث ودوننا حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فمداره على سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقط، وهذا الحديث ربع الإسلام أو ثلثه.

قولهم: إن ثوابها فيه مبالغة كبيرة ترجح ضعف الحديث بل وضعه كما حكم بعضهم. وهذا حكم فيه مبالغة ولا يستبعد لمن تأمل أن يكون ثوابها متحققًا؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وصلاة التسابيح من جنس هذا الحديث وما فيه من الذكر متحققٌ فيها، فلا يستبعد ثوابها.

الخلاصــة :
لا مانع من صلاة التسابيح في العمر ولو مرة واحدة، وما اعتاده الناس من صلاتها في أخر جمعة من شهر رمضان، أو في ليلة السابع والعشرين منه اجتهادٌ لا بأس به، الهدف منه مضاعفة أجرها وثوابها، وشهر رمضان هو مظنة علو الهمة والاجتهاد والجدّ في العبادة، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لأم سنان الأنصارية: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) (متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان

كتبها خادم العلم الشرعي
الشيخ الدكتور مسعد أحمد سعد الشايب
الاثنين 24 فبراير 2020م الموافق 30 جماد الثاني 1441هـ
نقحت وزيدت 30 رمضان 1442هـ
الساعة 3.10 بعد الظهر الموافق الأربعاء 12/5/2021م 

اترك تعليقاً