حين يمدح الخصم من كانوا بالأمس زنادقة!

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد
(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)

في مشهدٍ يحمل في طيّاته ألف مفارقة ومفارقة، نُصب الشيخ أسامة الرفاعي (الرجل الصوفي) مفتيًا عامًا للجمهورية العربية السورية. وما أن انتشر الخبر حتى انقلب لسان الحال عند المتسلفة الوهابية من أقصى النفي إلى غاية الإثبات، ومن قاع الاتهام إلى قمة الثناء، وكأنّ الذاكرة قد فقدت سجلها، أو كأنّ الناس لم تحفظ بعد صوتهم العالي في شيطنة كل من ينتسب إلى السادة الصوفية.

سيقولون اليوم: سلفي يختار صوفيًا، وكأنهم لا يرون في ذلك حرجًا ولا تناقضًا، بل سيتبارون في مديح الشيخ/ أسامة – حفظه الله–.

وسنسمع منهم كلمات لم نعهدها إلا في كتب المدائح القديمة: “كان علمًا… وكان زاهدًا… وكان مناضلًا… وما زال رمزًا للعلم والتقوى”، وسيتحدثون عن حكمته، وعن سعة صدره، وعن نضاله… وسيتغافلون –أو يتغافلون عن عمد– عن ألسنتهم التي ما فتئت ترمي السادة الصوفية بالبدعة، والضلالة، والشرك، وعبادة القبور، ومناصرة الطغاة، ومهادنة المحتل!

أي انفصام في الشخصية أبلغ من هذا؟!

أي تناقض أفدح من أن يُمدح من كان بالأمس زنديقًا في عرفهم؟!

أي مذهب هذا الذي لا يعرف الثبات على أصل، بل تحكمه الرياح السياسية، والأهواء الشخصية، والغايات البراغماتية؟!

لقد اعتاد المتسلفون –أتباع كل ترندٍ صاعد– أن يُغيروا وجوههم مع كل مرحلة، وأن يتنكروا لأمسهم دون حياء، فهم لا يقيمون وزنًا لعقيدة، ولا يُعظّمون مذهبًا إلا بمقدار ما يخدم مصالحهم.

وما كان بالأمس ضلالًا مبينًا، صار اليوم رشدًا وهدى، وما كان شركًا صار توحيدًا، فقط لأن المصلحة اقتضت أن تُجمّل الصورة.

لكن في مقابل هذا العبث يظل السادة الصوفية هم الثابتون على طريق النور:

– هم أهل العلم والعمل.

– هم أهل التربية والتزكية.

– هم حُماة الشريعة.

– هم خُدّام الحقيقة.

– هم من جمعوا بين الفقه والدراية، وبين الذوق والمعرفة،

– هم من كانت قلوبهم مصافيًا للأنوار، وأرواحهم مرايا للجمال الإلهي.

– هم من نصحوا الأمة.

– وهم مَن وربّوا الأجيال، وسهروا الليالي في الذكر والمجاهدة.

فليشهد القاصي والداني أن التصوف لم يكن يومًا بدعة، بل كان منبعًا للرحمة، ومأوى للعلماء، وملاذًا للقلوب الطاهرة.

وليعلم العالم أن السادة الصوفية هم أعمدة الأمة، وورثة النبوة، وسفن النجاة في بحر الفتن.

وإن كان المتسلفون قد احتاجوا اليوم إلى صوفي ليُجمّلوا به المشهد، فقد عرفوا -ولو بعد طول خصام- أن الحق لا يُحجب بالافتراء، وأن أهل الله لا يُستغنى عنهم، مهما حاولت الألسن أن تضلل، أو الأقلام أن تُزوّر.

والسلام على أولي الألباب.

اترك تعليقاً