مع الحبيب ﷺ

 

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

الدرس الثالث والعشرون : «مع الحبيب ﷺ»

الحمد لله رب العالمين جعل محمداً صلى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين وإماماً للمتقين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن أتبع هداهم إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد جاءت نداءات القرآن الكريم للرسول ﷺ، واضحة الدلالة على

تكريم وتعظيم وإجلال وتشريف الله عزّ وجل لسيدنا رسول الله ﷺ فقد نادى الله تعالى جميع الأنبياء والمرسلين بأسمائهم؛ فكان النداء لآدم، ونوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وغيرهم، بأسمائهم، قال تعالى:﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(سورة البقرة: ٣٥)، وقال تعالى: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾(هود:٤٦)، وقال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ﴾(الصافات: ١٠٤)، وقال تعالى: ﴿يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾(الأعراف:١٤٤)، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾(المائدة:١١٠)، لكنه سبحانه وتعالى كرم محمداً ﷺ ورفع قدره؛ فلما ناداه قال:﴿يا أيها النبي﴾ أو ﴿يا أيها الرسول﴾، فلم يذكر اسمه ﷺ في القرآن الكريم إلا مقروناً بالنبوبة أو الرسالة، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾(آل عمران: ١٤٤)، وقال تعالى:﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رسول اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾(الأحزاب: ٤٠)، وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾(الفتح: ٢٩)،

معاشرالصائمين: إن من أهم ما يجب أن نعلمه ونتعلمه من نداءات القرآن الكريم للرسول ﷺ، أنها مظهر من مظاهر التكريم له ﷺ، ومظاهر تكريم الله عزّ وجل لسيدنا رسول الله ﷺ أكثر من أن تُعد أو تُحصى من ذلك؛

– التكريم بالاصطفاء: لقد اصطفى الله عزّ وجل سيدنا رسول الله ﷺ من أشرف الناس نسباً وأعظمهم مكانةً وفضلاً؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ﴾(آل عمران: ١٦٤)، والمعنى: أن الله عزّ وجل أنعم على المؤمنين، وأحسن إليهم إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ عظيم القدر، فهم يعرفون حسبه ونسبه وشرفه وأمانته، وهنا نترك الحديث لسيدنا رسول الله ﷺ كى يحدثنا عن نفسه وعن نسبه الشريف؛ فعن أنس بن مالك قال: قال: رسول ﷺ: «اًنا اًنفسكم نسباً وصهراً وحسباً ليس فى اّبائى من لدن ادم سفاح، كلنا نكاح» رواه ابن مردويه.

وقال ﷺ: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» رواه مسلم.
مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرٌ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
مُحَمَّدٌ باسِطُ المَعْرُوفِ جَامِعَة
مُحَمَّدٌ صاحِبُ الإِحْسانِ والكَرَمِ
مُحَمَّدٌ تاجُ رُسْلِ اللهِ قاطِبَةً
مُحَمَّدٌ صادِقُ الأٌقْوَالِ والكَلِمِ
مُحَمَّدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ
مُحَمَّدٌ طيِّبُ الأخْلاقِ والشِّيَمِ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ

– التكريم برفع ذكره ﷺ؛ لقد رفع الله عزّ وجل ذكر سيدنا رسول الله ﷺ في الدنيا والآخرة، وجاء هذا صريحاً ومنطوقاً؛ قال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾(الشرح: ٤)، فلا يُذكر ربنا تبارك وتعالى إلا وذُكر سيدنا رسول الله ﷺ، كما فى النطق بالشهادتين، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله جل وعلا بها ذكر سيدنا رسول الله ﷺ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أتاني جبريلُ فقال: إنَّ ربِّي وربَّكَ يقولُ: كيفَ رفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قال: اللهُ أعلمُ، قال: إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معِي»؛ «أخرجه الهيثمى فى مجمع الزوائد، وإسناده حسن‏، وأخرجه أبويعلى، وابن حبان.

قال مجاهد في بيان معنى قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، قال: لا أُذْكَرُ إلا ذُكْرِتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، قال النبي ﷺ: «ابْدَؤُوا بالعُبُودَةِ، وَثَنُّوا بالرسالة»، فقلت لمعمر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده، فهو العبودة، ورسوله أن تقول: عبده ورسوله.

ولله در حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضى الله عنه حيث قال:
أغَرّ عَلَيه لِلنُّبُوَّةِ خَاتَم
مِنَ اللَّهِ مِنْ نُور يَلوحُ وَيشْهَد
وَضمَّ الإلهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ
إِذَا قَالَ فِي الخَمْس المؤذنُ: أشهدُ
وَشَقَّ لَهُ مِن اسْمِهِ ليُجِلَّه
فَذُو العَرشِ محمودٌ وهَذا مُحَمَّدُ

– التكريم بالخصائص العظمى؛ لقد كرم الله عزّ وجل سيدنا رسول الله ﷺ بخصائص ليست لغيره من الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾(الأحزاب: ٤٥-٤٧)، فذُكِرَ عزّ وجل لَنبيه ﷺ فى الآية الكريمة خَمْسَةُ أوْصافٍ هي: شاهَدٌ، ومُبَشِّرٌ، ونَذِيرٌ، وداعٍ إلى اللَّهِ، وسِراجٌ مُنِيرٌ.

فهذه الأوصاف يَنْطَوِي إلَيْها وتَنْطَوِي عَلى مَجامِعِ الرِّسالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْها مِن بَيْنِ أوْصافِهِ الكَثِيرَةِ.

قال ابن عباس: لما نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾، وقد كان أمر أباموسى ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيرا إلى اليمن، فقال:
«انطلقا فبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، إنه قد أنزل عليّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ رواه ابن أبي حاتم والطبراني.
وقُدِّمَتِ البِشارَةُ عَلى النِّذارَةِ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّبْشِيرُ؛ لِأنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعالَمِينَ، ولِكَثْرَةِ عَدَدِ المُؤْمِنِينَ في أُمَّتِهِ.

وأما عن أسمائه ﷺ وكونه دعوة ابراهيم وبشرى عيسى فيقول ﷺ: «إن لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحوا الله بي الكفر، وأنا العاقب» رواه البخاري ومسلم.

وقال ﷺ: «أنا دعوة أبى إبراهيم عليه السلام» رواه أحمد.

قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾( البقرة: ١٢٩)،
وقال ﷺ: «أنا بشارة عيسى عليه السلام »رواه أحمد.

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾(الصف: ٦)،

– التكريم بالسيادة، والشفاعة؛ لقد جعل الله عزّ وجل محمداً ﷺ سيداً للعالمين، وإماماً للمتقين، وشفيعاً للناس يوم الدين؛ فعن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يؤمئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع، وأول مشفع ولا فخر» رواه أحمد وأبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:«أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟
يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام. ثم ذكر الحديث إلى قوله: فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة وبصرى» رواه البخاري.

فهو ﷺ صاحب الشفاعة العظمى من بين سائر النبيين كما أنه يشفع في إدخال قوم الجنة بغير حساب ولا عذاب، ويشفع ﷺ في رفع درجات قوم فوق ما يقتضيه ثواب أعمالهم فلقد أدخر دعوته شفاعة لأمته ﷺ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مستجابةٌ، فتعجَّل كلُّ نبيٍّ دعوتَه، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي، فهي نائلةٌ من مات منهم لا يشركُ باللهِ شيئًا» متفق عليه.
وسيدنا رسول الله ﷺ أول من تنشق عنه الأرض حيث قال ﷺ: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة»رواه مسلم.
وهو أول من يدخل الجنة قال ﷺ: «أنا أول من يقرع باب الجنة» رواه مسلم.

ونبينا ﷺ هو صاحب الحوض المورود قال ﷺ: «أنا فرطكم على الحوض» متفق عليه.

جاء النبيون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيمٍ غير منصرمِ
آياتُه كلما طال المدى جُدَدٌ
يزينهنّ جلالُ العتق والقِدَمِ
البدر دونك في حسن وفي شرف
والبحر دونك في خير وفي كَرَمِ
أخوك عيسى دعا ميْتًا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الرِّمَمِ

ولقد أمر ربنا تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالتأدب مع سيدنا رسول الله ﷺ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(الحجرات: ١-٣) فهذه آيات أَدب الله تعالى بها عباده المؤمنين، فيما يعاملون به الرسول ﷺ، من التوقير، والاحترام، والتبجيل، والإعظام، فقال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا تقدموا خلاف الكتاب، والسنة.

وقال العوفي: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله ﷺ بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه.
وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله، من شرائع دينكم.
وقال سفيان الثوري: لا تقدموا بقول، ولا فعل.
وقال قتادة: ذُكر لنا أن ناساً كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، وكذا، لو صح كذا، فكره الله تعالى ذلك، وتقدم فيه.

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ هذا أدب ثان أَدب الله تعالى به المؤمنين، أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي ﷺ فوق صوته؛ فعن ابن أبي مليكة، قال: كاد الخيران أن يهلكا، أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي ﷺ حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾، قال ابن الزبير رضي الله عنهما فما كان عمر رضى الله عنه يُسمع رسول الله ﷺ بعد هذه الآية حتى يستفهمه، رواه البخارى.

وكذلك يجب التأدب عند مناداته ﷺ، قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوْا دُعَاءَ الرَّسُوْلِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا..﴾(النور: ٦٣)،

قال ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل، عن ذلك، إعظاماً لنبيه ﷺ قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله، يا أيها النبي ويا أيها الرسول.
وكذلك من الأدب مع سيدنا رسول الله ﷺ الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(الأحزاب: ٥٦)،

قال ابن كثير رحمه الله: المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه في الملأ الأعلى عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً.

وقال ابن القيم: والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسول الله ﷺ فصلوا أنتم أيضاً عليه، فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليماً؛ لما نالكم ببركة رسالته ويُمْنِ سفارته، من خير شرف الدنيا والآخرة.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «رغم أنف رجل ذُكرتُ عنده فلم يصل عَليَّ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه الجنة، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له» رواه الترمذي.

ويقول ﷺ :«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْراً» رواه مسلم.
وعن أوس بن أوس قال النبي ﷺ: «إن من أفضل أيامكم يوم الجُمُعة، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه الصَّعقة؛ فأكثِرُوا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.

فاتقوا الله عباد الله: واحرصوا على الأدب مع سيدنا رسول الله ﷺ، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه تفوزوا بشفاعته وترزقوا رفقته فى الجنة، جعلنى الله وإياكم ممن يُحشرون تحت لوائه وفي زمرته وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الأحد ٢٣ من رمضان ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ٢٣ من مارس ٢٠٢٥ ميلادياً

اترك تعليقاً