زكاة الفطر تساؤلات وأحكام (8)
22 مارس، 2025
قضايا شرعية

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية
س٣٤: ما الخلاصة في المسألة؟
من العرض السابق نجد أنه يوجد لدينا في مسألة إخراج زكاة الفطر ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب الجمهور: أن الأصل أنه يجب إخراجها حبوبًا كما ورد في السُّنَّة ومَنْ أخرجها من الحبوب فقد أصاب السنة وأتى على الأصل وخرج من الخلاف. ونرجو له القبول إن شاء الله.
الثاني: مذهب الحنفية: أولوية إخراج قيمة زكاة الفطر نقدًا؛ لأن في ذلك مصلحة للفقير وتسهيلًا عليه وتيسيرًا على مُخْرِجِ الزكاةِ، فمن أخرجها نقدًا فقد دخل حَيِّزَ الخلافِ، ونرجو له القبول إن شاء اللهِ.
الثالث: الحاجة لأهل الحالة، وهو تقييد جواز إخراج القيمة بالمصلحة الراجحة فإن لم يكن هناك مصلحة رجع إلى الأصل وهو إخراج الحبوب. فَمَنِ اتَّبَعَ هذا الفَهْمِ فقد أصاب روحَ الفِقْهِ، ونرجو له القبول إن شاء اللهِ.
س٣٥: فلماذا لم يذكر النبى ﷺ القيمة رغم توافرها؟
بدايةً يجب تصحيح بسيط لهذا السؤال؛ ليصبح “رغم تواجدها”، وليس “توافرها”. والجواب
ج: لأنها -زكاة الفطر- واجبة على كل صائم، وليس على كل غني!!
فالصائم قد يكون فقيرًا ولا يملك نقودًا فكيف ستكون بحقه طهرة له؟
فكان الأمر بها قوتًا كون القوت متوفرًا عند أى صائم …. كون القوت هو العملة السائدة والمتوافرة بينهم بخلاف النقود التي لم تكن متوافرة مع الفقراء والمساكين، فلو طلب النبى ﷺ دفعها نقودًا لكان قد حرم الكثير ممن صام رمضان من أن تكون طهرة له!؛ لذلك قال الجمهور إنها أمرٌ على كل من زاد عن قوت يومه، فالصائم الفقير يدفع لمن هو أفقر منه …. وهكذا.
فطهّرهم بدفعها مما يملك الجميع وليس اقتصارًا على هذه الأصناف.
وهكذا فهم السلف فقد ثبت عن كثير منهم إخراجُها بأي قيمة تجزئ من غير الأصناف التي ذكرها الحديث، وكذا فهم الخليفة عمر بن عبد العزيز
ففهم السلف يحسم المسألة بالجواز، ويكون الحكم من دفعها قوتًا فهو الكمال لفعله ﷺ، ومن دفعها قوتًا من غير الأصناف المذكورة في الحديث فقد دفعها بالقيمة، ومن دفعها نقودًا فقد دفعها قيمة
٢- أيضًا هناك نقطة يعرفها كل من له أدنى معلومة بعلم الاقتصاد وهي “الثابت والمتغير” القوت والطعام ثابت أما النقود فهي متغير،
“القوت”: هو المعيار الذي أحتكم إليه، وأجعله معيارًا على أساسه أقدر القيمة،
أما الدرهم والدينار والعملة فهي متغيرة -صعودًا، وانحدارًا-؛ حسب الأوضاع الاقتصادية للمجتمع، إذًا الطعام ثابت، القيمة أو النقود متغير
إذًا الطعام هو “المعيار” الذي اتخذه أساسًا لتحديد “القيمة”.
إذًا الطعام هو “قطعة الحديد” -الكيلو- الذي أضعه في إحدى كفتي الميزان، وأضع أمامه -في الكفة الأخرى- “القيمة”، إذًا الطعام = القيمة
فلو أنه ﷺ ذكر نقودًا محددة كدرهم أو عُشر (بضم العين) دينار مثلًا، لأدى ذلك إلى اضطراب كبير؛ لأن قيمة النقود تتغير من زمان إلى زمان، انظر إلى قيمة الجنيه المصرى منذ سبعين أو ثمانين سنة وقيمته الآن، فالفرق شاسع جدًا بين القيمتين.
فلو كان التحديد بالقيمة لأدى ذلك إلىالجمود وتعطيل هذه الفريضة،
أما يجعل لها معيارًا نرجع إليه فهذا يجعل القيمة متغيرة حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وانظر إلى قيمة ما كان يخرج من عشر سنوات مثلًا، وقيمتها الآن تدرك معنى هذا الكلام.
٣- أيضًا في عدم تحديد الرسول ﷺ القيمة -واتخاذ الطعام معيارًا- مصلحة للفقير؛ حيث سيتم مراعاة الزمان والمكان والظروف الاقتصادية وقت الإخراج، فتتناسب طرديًا معها، ولا تظل جامدة على رقمٍ ثابتٍ لا يتغير، ولا يسمن ولا يغني من جوع.
٤- وإذا نظرنا في سنة الرسول ﷺ نجد أن الرسول ﷺ كان يتعامل بالصاع من طعام في جُل معاملاته، وقضائه:
أ- فكان يعطي الأجرة صاعًا من طعام ففي الصحيحين من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ -أَوْ صَاعَيْنِ- مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفَ عَنْ غَلَّتِهِ أَوْ ضَرِيبَتِهِ».
فالأجرة التي تقاضاها الحجام هنا صاع أو صاعان من طعام.
ب- وحينما رهن رسول الله ﷺ درعه لم يقترض دراهم أو دنانير، ولكن اقترض ثلاثين صاعًا من شعير كما جاء في صحيح البخاري من حديث عَائِشَةَ رَضي الله عنها، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ الله ﷺ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ».
ج- وحكم النبي ﷺ لمن اشترى شاة مُصَرَّاة –وهي التي جمع اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يكبر ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة، وبناء على هذا يزيد مشتريها في ثمنها- للمشتري إن أخذها وحلبها فهو بالخيار إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعًا من تمر كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ».
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: “وَإِنَّمَا قُدّرَ مِنَ التَّمر دُون النَّقْد لفَقْدِه عندهُم غَالِبًا”.
– وكان الرجل يعمل عند غيره فيأخذ أجره صاعًا أو صاعين من تمر كما جاء في معجم الطبراني وغيره من حديث ابْنِ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ: بَاتَ يَجُرُّ الْجَرِيرَ -أي يستقي الماء بالحبل- عَلَى ظَهْرِهِ عَلَى صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ فَانْقَلَبَ بِأَحَدِهِمَا إِلَى أَهْلِهِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «انْثُرْهُ فِي الصَّدَقَةِ» ، فَقَالَ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ وسَخِرُوا مِنْهُ: مَا كَانَ أَغْنَى هَذَا أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ الله مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} التوبة: ٧٩
هـ- وربما أعطيت المرأة التي يطلقها زوجها شيئًا من تمر أو شعير ولم تعط الدراهم والدنانير، كما جاء في صحيح مسلم من حديث فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قالت: أَرْسَلَ إِلَيَّ زَوْجِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلَاقِي، وَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعِ تَمْرٍ، وَخَمْسَةِ آصُعِ شَعِيرٍ، فَقُلْتُ: أَمَا لِي نَفَقَةٌ إِلَّا هَذَا؟ وَلَا أَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِكُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَشَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ. فَقَالَ: «كَمْ طَلَّقَكِ؟» قُلْتُ: ثَلَاثًا، قَالَ: «صَدَقَ، لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ، اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ عَمِّكِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ ضَرِيرُالْبَصَرِ.