نفحات رمضانية : دعوة إلى مكاشفة الذات

بقلم د : علي عبدالله الحامدي

 

في تعاليم الإسلام دعوة مكثفة للانفتاح على الذات ومحاسبتها ، بعيدًا عن الاستغراق في الاهتمامات المادية ، والانشغالات الحياتية ، التي لا تنتهي. فقد ورد في الأثر : ((حاسِبُوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن تُوزنوا)).

إن لحظات التأمل ومكاشفة الذات ، تتيح للإنسان فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه ، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل. فثمرة المحاسبة إصلاح النفس.

ولعلَّ من أهداف قيام الليل ، حيث ينتصب الإنسان خاشعًا أمام خالقه ، وسط الظلام والسكون ، إتاحة هذه الفرصة للإنسان.

وكذلك فإن عبادة الاعتكاف قد يكون من حكمتها هذا الغرض ، والاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة ، بحيث لا يخرج من المسجد إلا لحاجة مشروعة.

ولا يوجد شهرٌ آخَرُ يُمَاثِلُ شَهْرَ رمضان في هذه الخاصية ، فهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبرًا متأملاً ، ففيه تتضاعف الحسنات ، وتُمْحى السيئات كما روي عن رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلَّم -، وفي هذا الشهر فُرْصَةُ عُمْرٍ كُبْرَى لِلْحُصُولِ على مغفرة اللَّه فـ ((إنَّ الشقيَّ مَنْ حُرِمَ غُفرانَ اللَّهِ في هذا الشَّهْرِ العظيم)) ، وَقَدْ يغفل البعض عن أنَّ حُصُولَ تلك النتائج هو بحاجة إلى توجه وسعي.

فهذا الشهر ينبغي أن يشكل شهر مراجعة وتفكير وتأمل ومحاسبة للنفس ، إذ حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب ، وبقية الشهوات التي يلتصق بها يوميًا ، فإنه يكون قد تخلص من تلك الانجذابات الأرضية ، مما يعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه ، وتأتي تلك الأجواء الروحية التي تحث عليها التعاليم الإسلامية ، لتحسّن من فرص الاستفادة من هذا الشهر الكريم ، فصلاة الليل مثلاً فرصة حقيقية للخلوة مع اللَّه ، ولا ينبغي للمؤمن أن يفوت ساعات الليل في النوم ، أو الارتباطات الاجتماعية ، ويحرم نفسه من نصف ساعة ينفرد فيها مع ربه ، بعد انتصاف الليل ، وهو بداية وقت هذه الصلاة المستحبة العظيمة ، وينبغي أن يخطط المؤمن لهذه الصلاة ، حتى تؤتي أفضل ثمارها ونتائجها، فيؤديها وهو في نشاط وقوة ، وليس مجرد إسقاط واجب أو مستحب ، بل يكون غرضه منها تحقيق أهدافها قال عز وجل : {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].

وقراءة القرآن الكريم والتي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك ، فهو شهر القرآن يقول تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] ، وفي الحديث الشريف : ((لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)) هذه القراءة إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته ، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها ، لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القران ، والاهتمام بفهم معانيه ، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القران ونواهيه.

إن البعض من الناس تعودوا أن يقرأوا ختمات من القرآن في شهر رمضان ، لكن ينبغي أن لا يكون الهدف طي الصفحات دون استفادة أو تمعن.

وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم ، فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية ، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه ، وللتغيير في سلوكه ، ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ، قيل : يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟ قال : تلاوة القران وذكر الموت)

وبذلك يعالج الإنسان أمراض نفسه وثغرات شخصيته فالقران شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ.

والأدعية المأثورة في شهر رمضان ، كلها كنوز تربوية روحية ، تبعث في الإنسان روح الجرأة على مصارحة ذاته ، ومكاشفة نفسه ، وتشحذ همته وإرادته ، للتغير والتطوير والتوبة عن الذنوب والأخطاء. كما تؤكد في نفسه عظمة الخالق وخطورة المصير ، وتجعله أمام حقائق وجوده وواقعه دون حجاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *