هل حديث: “الجنة تحت أقدام الأمهات” لا أصل له؟

بقلم . د :  إبراهيم المرشدي الأزهري
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والمدرس جامعة نور مبارك بكازاخستان

 

هل حديث: “الجنة تحت أقدام الأمهات” لا أصل له؟

زعم بعض المعاصرين أنه لا أصل له ولي عدة تعليقات:

قوله: “لا أصل له” خطأ حديثي، لأن معنى لا أصل له أي: لا إسناد له، بخلاف ما لو جاء مسندًا، وفيه راوٍ ضعيف فنقول عنه: ضعيف، أو راوٍ كذاب فنقول عنه: “موضوع”، وكان بعض المحدثين يقول: لا أصل له صحيح، أي: لا إسناد له صحيح، أما أن يأتي الحديث مسندًا وتقول: “لا أصل له”، فهذا الكلام في الحقيقة هو الذي لا أصل له، وقد نص على هذا المعنى السيوطي وعزاه لابن تيمية.

الحديث جاء مسندًا عند كثير من أئمة الحديث: فرواه صاحب “مسند الشهاب” فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ الْوَاسِطِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ بْنِ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ، ثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ الْأَبَّارُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ».

ورواه الأصبهاني في “طبقات المحدثين” قال: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ فُورَكٍ، قال: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ النَّشَابيّ ُ، قال: ثنا مَنْصُورُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَكْرِيُّ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ الأَبَّارِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَّهَاتِ».

ورواه الخطيب البغدادي في كتابه “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” فقال: أنا الحسن بن أبي بكر، أنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان، نا علي بن إبراهيم الواسطي، نا منصور بن المهاجر البزوري، نا أبو النضر الأبار، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجنة تحت أقدام الأمهات».

ورواه أبو القاسم الأصبهاني في “الترغيب والترهيب” فقال: “أخبرنا أحمد بن مردويه، ثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الحسين المقري، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا القاسم بن فورك، ثنا محمد بن حرب، ثنا منصور بن مهاجر، عن أبي النضر الأبار، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الجنة تحت أقدام الأمهات”.

ورواه الحافظ السِّلَفي في “مشيخته” مسندًا فقال: حدثنا عثمان نا علي بن إبراهيم الواسطي، نا منصور بن المهاجر البزوري، نا أبو النضر الأبار، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الجنة تحت أقدام الأمهات”.

وقد قال ابن طاهر: إن منصور وأبا النضر لا يُعرفان، قال الشيخ أحمد الغماري في تعليقاته على شارح الترمذي في “المداوي (3/ 370)”: “ما نقله عن ابن طاهر مِنْ أنَّ منصور بن مهاجر وأبا النضر الأبار لا يعرفان باطل، فمنصور بن مهاجر معروف، روى عنه يعقوب بن شيبة، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، والحسن بن على الحلواني، ومحمد بن إسماعيل الحساني، وإسحاق بن وهب العلاف، وعلي بن إبراهيم بن عبد المجيد، وأبو هاشم سهم بن إسحاق بن إبراهيم، وعلي بن إبراهيم الواسطي، وآخرون، وروى له ابن ماجه في التفسير وله ترجمة في “التهذيب”، وأبو النضر الأبار هو جرير بن حازم كما ذكره الدولابي في الكنى، وهو ثقه من رجال الجميع”.

والحديث له شاهد صحيح عند النسائي في “الصغرى” والطبراني في “الكبير” والبيهقي في “الشعب” وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” وغيرهم من حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ، أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا». وهذا يُعَدُّ شاهدًا صحيحًا للحديث فيرفعه إلى الحسن لغيره على طريقة المحدثين بعدم الحكم على الحديث إلا وفق المتابعات والشواهد.

ولذلك حسنه كثير من العلماء ضمنًا، فقد عزاه بعضهم كالزركشي والديلمي والسخاوي وابن المبرد والسيوطي- لأجل الشاهد المذكور وغيره- إلى مسلم وبعضهم إلى أحمد والحاكم وغيرهما، وقصدهم المعنى الذي جاء الحديث به لا أصل الحديث، فمثله لا يخفى على كبار الحفاظ كما ظن بعض المتأخرين.

ومعنى الحديث: «الجنّة تحت أقدام الأمّهات» يعني: التواضع لهنّ وترضّيهن وإطاعتهن في خدمتهنّ، وعدم مخالفتهن إلا فيما حظره الشرع سبب لدخول الجنة، قال الإمام القرطبي في “المفهم” (6/ 513): “خرج مخرج المثل الذي يقصد به الإغياء في المبرة والإكرام، وهو نحو من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: “”الجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيوفِ”.

وصفوة القول: الحديث وإن كان ضعيفًا من جهة السند إلا أن له شواهد تؤيده وترفعه إلى الحسن لغيره، وعلى هذا جرى ذكر الحديث في كتب الأئمة دون نكير، أما القول بأنه لا أصل له فمجازفة غير مقبولة على كل حال، والله تعالى أعلى وأعلم.

وكتبه : د إبراهيم المرشدي الأزهري .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *