زكاة الفطر تساؤلات وأحكام (7)

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

س٣٢: ماذا تقصد من ذكر هؤلاء الأئمة؟
ج: أقصد أن الموضوع فيه خلاف منذ فجر الإسلام،
من لدن الصحابة -رضوان الله عليهم- مرورًا بالتابعين وتابعي التابعين، وأن الأحناف ليسوا وحدهم من يقولون بذلك!! فلا داعي -عند الحديث- أن يقولوا: ذهب جمهور الصحابة والتابعين، والأئمة مالك والشافعي وأحمد إلى القول بإخراجها طعام، -ويجعلونهم في جانب-، ويجعلون أبا حنيفة وتلاميذه في جانبٍ آخر -وكأنهم خرجوا عن الأمة، وخرقوا الإجماع،
ولا مسوغ لقولهم، وأن خلافهم وقولهم لا يُعتد به-، وكأن أبي حنيفة رجلٌ من عامة الناس لا إمام لكل من جاء بعده، كما قال الشافعي رحمه الله: “كل من أنصف نفسه لله علم أن الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة”
فكل هؤلاء -كما يقول البعض- ليسوا قطاع طرق، ولا عصابة تبعدك عن دينك، إنما هم علماء أجلاء موقرون.
بل إن هناك في هذه المذاهب الثلاثة من ذهب إلى جواز إخراج القيمة تقليدًا لأبي حنيفة -كما رأينا سابقًا-

▪︎ أيضًا لا داعي لتخطئة الرأي الآخر الذي يجيز القيمة، ويحكم بعدم جوازها، وأنه لا تجزئه، ويجب عليه إعادتها طعام، وأنه ممن يشاقق الله ورسوله ويتبع غير سبيل المؤمنين، وأنه خالف سنة النبي -ﷺ- وهدي السلف الصالح.

– وحاليا السعودية -بعد تحجر سنين، وبعد عقود من تحريم إخراج زكاة الفطر مالًا من قبل هيئة كبار العلماء بالسعودية-، قال الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والمستشار بالديوان الملكي، إنه بدأ يعيد النظر في إخراج زكاة الفطر من الطعام ، وينظر إلى ما يعادلها من القيمة المالية

فيا ليتنا لا نختلف ونحترم آراء العلماء ولا نخطئ أحد منهم فكلهم سادة.

س٣٣: ما دليلهم على ذلك؟
ج: استدل المجيزون للقيمة بأمورٍ:
١• يقول أبو إسحاق السبيعي -وهو أحد أئمة التابعين، وأصدق أهل زمانه-: “أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام”. (رواه ابن أبي شيبة ٣ /٦٥)،
٢• أنه لم يثبت عن النبي -ﷺ- ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة.
٣• كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.

٤• ما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم قدروه بالقيمة. (انظر فتح الباري ٥ /١٤٤).

٥• وعن معمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز: “على كل اثنين درهم؛ يعني زكاة الفطر” قال معمر : هذا على حساب ما يعطى من الكيل. رواه عبد الرزاق في المصنف (٣/ ٣١٦، برقم ٥٧٧٨). وهو أثر صحيح وهذه الآثار أسانيدها حسنة ومرضية وقد أثبت الفقهاء فتوى عمر بن عبد العزيز في أداء القيمة في زكاة الفطر .

٦• قال ابن حزم في المحلى (٦/ ١٣٠-١٣١): “وصح عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الإنسان في صدقة الفطر، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم، من طريق وكيع عن قرة بن خالد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلينا بذلك”.

٧• أن النبي -ﷺ- قال: “أغنوهم -يعني المساكين- في هذا اليوم (السنن الكبرى ٤ /١٧٥)، والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، فالمقصود هو إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد. فكثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل.

٨• قال النووي: “واحتج المُجوّزون للقيمة بأن معاذًا رضي الله عنه قال لأهل اليمن حيث بعثه رسول الله ﷺ لأخذ زكاتهم وغيرها: “ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي ﷺ بالمدينة”، ذكره البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة جزم،

٩• وحديث جابر حين بعثه على الصدقة فأراد أن يأخذ من رجل بنت مخاض فقال له الرجل بنت مخاض صغيرة خذ مكانها بنت لبون فقال له جابر: لا، فاحتكما إلى النبي ﷺ فقال النبي ﷺ لجابر: خذها منه إن رضي بها نفسه. أو كما قال ﷺ فدل على جواز تغير النوع.

١٠• والحديث الصحيح: “في خمس وعشرين بنت مخاض، فإن لم تكن فابن لبون” قالوا: وهذا نص على دفع القيمة قالوا: ولأنه مال زكوي فجازت قيمته كعروض التجارة، ولأن القيمة مال فأشبهت المنصوص عليه ولأنه لما جاز العدول عن العين إلى الجنس بالإجماع بأن يخرج زكاة غنمه من غنم غيرها جاز العدول من جنس إلى جنس”.

١١• وفي كتاب: (الأموال) لابن زنجويه. -وهو حُميد بن مخلد بن قتيبة الأزدي (وُلد ١٨٠هـ وتوفي ٢٥١هـ) وهو من علماء الحديث الثقات وثّقه النسائي وابن حبان والذهبي وغيرهم- أورد بابًا تحت عنوان: ( بَابٌ الرُّخْصَةُ فِي إِخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ بِالْقِيمَةِ) (٣/ ١٢٦٧) وسردُ فيه ما أورده مسندًا من فتاوى السلف الصالح -وهو قريب العهد بهم-
٢٤٥٢- أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قال: أنبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قال: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ -وهو ابن سعد- قال: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ -الزهري- قَالَ: “أَخَذَتِ الْأَئِمَّةُ فِي الدِّيوَانِ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي أُعْطِيَاتِهِمْ”.
وهو في هذا النص يتحدّث عن الولاة والحكام بأنه كان من عادتهم في زمانه استقطاع قيمة زكاة الفطر من أعطيات الناس وهذا في زمن الدولة الأموية .

١٢• ٢٤٥٤- أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قال: أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قال: حدثَنَا يُوسُفُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: “إِذَا أَعْطَى الدِّرْهَمَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَجْزَأَ عَنْهُ”
قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا أَعْطَى قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَ عَنْهُ. وهنا نصٌّ في مذهب الحسن البصري سيد التابعين وفقيههم، وكذلك كانت فتوى الفقيه سفيان الثوري في جواز إخراج القيمة بدل القوت
وقد وردت فتوى الحسن البصري أيضاً في مصنف ابن أبي شيبة (٢/ ٣٩٨): رقم ١٠٣٧٠- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: “لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ”.

١٣• ومن فقهاء المالكية الإمام مالك -رحمه الله- نفسه فقد رُوي هذا في كتب الفقهاء المالكية كقولٍ ثانٍ منسوبٍ للإمام مالك وبعضِ أصحابه. يقول الإمام ابن عبد البر الأندلسي (المتوفى ٤٦٣هـ) في كتابه: (الكافي في فقه أهل المدينة ١ /٣٢٣) باب صدقة الفطر: (ولا يجزأ فيها ولا في تغيرها من الزكاة القيمة عند أهل المدينة وهو الصحيح عن مالك وأكثر أصحابه،
وقد (رُوي عنه) وعن طائفة من أصحابه أنه (تجزأ القيمة) عمن أخرجها في زكاة الفطر قياسًا على جواز فعل الساعي إذا أخذ عن السنِّ غيرها أو بدل العين منها على ما تقدم في آخر الباب قبل هذا، والأول هو المشهور في مذهب مالك وأهل المدينة.) إذن فهناك رواية عن مالكٍ بالإجزاء

١٤• ومن فقهاء الشافعية: القاضي عبدالواحد بن إسماعيل الروياني. -والذي كان يُلقّب بـ (الشافعي الصغير)- قال الإمام ابن كثير الشافعي عنه في كتابه (طبقات الشافعيين) (١/ ٥٢٥: -فخر الإسلام القاضي عبدالواحد بن إسماعيل الروياني الطبري: الشهير بـ (الروياني) وبـ (صاحب البحر)، والذي كان يُلقّب بـ (الشافعي الصغير) وقال عن نفسه: “لو احترقت كتب الشافعي لأمليتُها من حفظي!.” “ومن غرائب اختياراته: جواز صرف زكاة الفطر إلى فقيرٍ واحد، وإخراجُ القيمة عنها كمذهب أبي حنيفة”

١٥• وسُئِلَ شهاب الدين أحمد بن حمزة الأنصاري الرملي الشافعي الشهير بـ ( الشهاب الرملي) وهو من فقهاء الشافعية وله كتابٌ بالفتاوى جمعه ابنه شمس الدين محمد مؤلف نهاية المحتاج ففي باب: زكاة الفطر قال ابنه شمس الدين الرملي: عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ الْوَاجبَةِ وَهَلْ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَرْءُ قَمْحًا فَقَلَّدَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ النُّعْمَانِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- وَأَخْرَجَ دَرَاهِمَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ مَذْهَبَهُ فِي الْعِبَادَاتِ أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ: “وأما المسألة فَيَجُوزُ فِيهَا لِلْمَرْءِ الْمَذْكُورِ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ ـرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي إخْرَاجِ بَدَلِ الزَّكَاةِ دَرَاهِمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ”. فتاوى الشهاب الرملي (٢ /٥٥)
>>>>
يتبع 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *