تجنيد محمد بن عبد الوهاب لصالح المخابرات البريطانية

اعداد الاستاذ / سيد حسن

 

المقال الثانى من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب

 

نشط عملاء المخابرات الانجليزية تمهيداً للتغلغل الصليبي الجديد في البلاد الإسلامية ، من أجل تحقيق الأهداف التي عجزت عنها الحروب الصليبية.

في هذا الجو ولد محمد بن عبد الوهاب وترعرع في « العيينة » من أعمال نجد ، ودرس الفقه على المذهب الحنبلي على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان بن محمد.

وكان منذ صغره يتفوه بكلمات لا يعرفها المسلمون وينكر عليهم أكثر الذي اتفقوا على فعله، الأمر الذي جعل أباه وأخاه الشيخ سليمان يتفرسان فيه الإلحاد فأخذا ينهيانه عن ذلك ، ولكن دون جدوى.

ثم انتقل محمد إلى مكة فإلى المدينة حيث أخذ عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف وكذلك عن الشيخين محمد بن سليمان الكردي ومحمد حياة ، وكان يشدد النكير على الاستغاثة بالنبي عند قبره الشريف. وكان أساتذته ولا سيما الكردي والسندي يقولون : ( سيضل الله تعالى هذا ويضل به من أشقاه من عباده ).

ثم انتقل محمد بن عبد الوهاب الى البصرة فدرس على الشيخ محمد المجموعي ، وكان ينكر على الناس الكثير مما يمارسونه من الشعائر الدينية . وأخيراً عاد إلى الاحساء وإلى حريملاء حيث كان أبوه انتقل إليها سنة ۱۱٣۹هـ ، فأعلن دعوته سنة ١٧٤٩م / ١١٥٢هـ ، فلاقت معارضة شديدة وجرت عليه محاولات القتل.

فر الشيخ من حريملاء الى العيينة مسقط رأسه حيث استقبله حاكمها عثمان ابن معمر. ولكن عثمان هذا كان خاضعاً لحكام الاحساء من الخوالد، فضغط عليه الحاكم سليمان بن محمد الخالدي، ليتخلص من ابن عبد الوهاب فلم يستطع المواجهة بالرفض، لأنه إنما كان يريد بمناصرته والشيخ ، أن يتغلب عقائدياً على الزعماء الآخرين لا أن يقاتل من أجل دعوة جديدة من لا طاقة له بحربهم. فطلب عثمان من ابن عبد الوهاب مغادرة العيينة ، فغادرها الى الدرعية وقيل إن مرافقيه كانوا تلقوا الأمر بقتله ولكنهم عزفوا عن ذلك لأمر ما .

واستقر الشيخ في الدرعية حيث عقد اتفاقاً مع أميرها محمد بن سعود ، على أن يتولى ابن عبد الوهاب الدعوة الى الفكرة الجديدة ويقود ابن سعود القتال والحكم على أساسها .

ومن الدرعية استؤنفت الدعوة فعلاً ، وأخذت في الانتشار بواسطة حروب لم تهدأ حتى الثلث الأول من القرن العشرين وقد مرّت بمنعطفات ومتعرجات كثيرة في طريقها الطويل ، من نصر الى هزيمة فإلى نصر فإلى هزيمة فإلى نصر ، ومن توسع الى ضمور فإلى توسع ، ومن تعاون مع الانكليز الى عودة الى العثمانيين الى تعاون مع الانكليز فإلى تحالف مع الأمريكان وبعد كل هذا ، فلنا أن نسأل : هل كانت الوهابية في معزل عن نشاط الانكليز الذين كانوا أسياد البحار من حول الجزيرة العربية ، في الوقت الذي كانت فيه جهود المستعمرين الصليبيين الجدد حثيثة في كل أصقاع العالم الإسلامي كما رأينا في الفصل السابق ؟ .

على هذا السؤال ، ربما كانت الاجابة في كراس يحمل عنوان ( مذكرات المستر همفر ) الذي يدعي كاتبها أنه ساهم في تكوين فكر ابن عبد الوهاب ، وأن وزارة المستعمرات البريطانية وضعت له الخطط وسهلت له سبيل الدعوة وساهمت في حمايته من المؤامرات والمكائد وأفشلت محاولات لقتله ، كل ذلك على طريق القضاء على مقاومة الإسلام للدخول الصليبي الجديد الى بلادهم.

يقول المستر همفر إنه بعد أن أعد للعمل في السلطنة العثمانية كعميل للمخابرات ، وبعد أن أصبح على شيء من الإلمام باللغتين العربية والتركية والقرآن ، أوفد للخدمة في البصرة ، فالتقى فيها محمد بن عبد الوهاب ، بعد أن كان انتحل اسم (محمد).

ونحن لا نستغرب أن لا يكون لون بشرته قد دل على أنه من غير رعايا السلطنة ، لأن السلطنة نفسها كانت تضم شعوباً أوروبية ذات بشرة بيضاء كبشرته . كما لا نستغرب أن لا يكون قد اكتشف أمره بسبب لكنته لأن شعوب السلطنة المختلفة اللغات واللهجات كان فيها من يتعلم لغات غير لغته ويتلفظ بها بالضرورة بلكنة غربية …
وقد توطدت العلاقة بين العميل البريطاني والشيخ بعدما لمس الأول حالة القلق التي كان يعيشها ابن عبد الوهاب المتطلع الى دور يلعبه والجرأة التي كان يبديها تجاه العقائد الاسلامية الثابتة الموروثة ، فأخذ يغذي فيه مطامحه ويشجعه على إعادة النظر في الفكر الإسلامي وفي تقييم السلف الصالح ويقنعه بضرورة التخلص من كل ما يمت الى ماضي الاسلام بصلة من رموز كالقباب والقبور ، بما فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذلك بضرورة هدم الكعبة نفسها على أساس أنها من المظاهر الوثنية .

وكي يتمكن «محمد» البريطاني من السيطرة الدائمة على الشيخ راح يورطه في الفضائح ، فأقنعه بحلية شرب الخمر إذا مزج بالماء ، كما استطاع اقناعه بالاستعاضة عن الصلاة بالذكر، بعد أن كان أقنعه بحلية المتعة وسهل له نكاح فتاة مسيحية في البصرة من عميلات وزارة المستعمرات على أساس أنها مسلمة.

وتطويقاً للشيخ أقنعه عندما عزم السفر الى الآستانة بأن يصرف النظر عن هذه الرحلة تحت حجة أنه سيتعرض بسبب أفكاره الى العقوبات ، علماً بأن السبب كان عدم السماح له بالإطلاع الكافي الذي يمكن أن يدفعه إلى تغيير مواقفه ومن أجل تثبيت الشيخ على أفكاره ونهجه لفق له «محمد» رؤيا ادعى أنه شاهد فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد باركه وشجعه.

وهكذا تكاملت أسباب السيطرة على ابن عبد الوهاب ، استعداد شخصي ودهاء بريطاني . ويصف مستر همفر ذلك بقوله : « لقد وجدت في محمد الوهاب ضالتي المنشودة فقد كان يقلد نفسه في فهم القرآن والسنة ويضرب بآراء المشايخ وكذلك الأئمة الأربعة وحتى بآراء الخلفاء الأربعة عرض الحائط ، وكان يزدري أبا حنيفة أيما ازدراء ويقول إن نصف كتاب البخاري باطل» .

لم تترك وزارة المستعمرات الشيخ في عهدة همفر وحده بل هي كلفت آخرین به رعايته. وبعد مصارحة عملاء المخابرات لضحيتهم تعهدوا له بحمايته من الحكومات وعلماء الدين وبتزويده بالمال الكافي والسلاح إذا اقتضى الأمر وبإقامة إمارة صغيرة له في أطراف بلاد نجد.

وقد وضعت وزارة المستعمرات خطة للشيخ كي ينفذها محتوية الأهداف التالية:
١ – تكفير جميع المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة وحلية جعلهم عبيداً وإماء.

٢ – هدم الكعبة بحجة أنها وثنية ، ومنع الناس من الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم ، ولكن الشيخ استبعد القدرة على هدم الكعبة حتى عند الاستيلاء عليها خوفاً من ردة فعل عارمة من قبل المسلمين.

٣ ـ السعي لخلع طاعة الخليفة والإغراء بمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك وكذلك محاربة أشراف الحجاز بكل الوسائل الممكنة والتقليل من نفوذهم.
٤ – هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكن ذلك فيها « باسم أنها وثنية وشرك ، والاستهانة بشخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه ورجال الإسلام بما تيسر .
ه – نشر الفوضى والإرهاب في البلاد و حسب ما يمكن ذلك
٦ – نشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة أو نقصان (!) وهذا أمر لم يتجرأ ابن عبد الوهاب على اعلانه .

ولما عاد ابن عبد الوهاب الى نجد عملت المخابرات البريطانية على حمايته وأفشلت خطط اغتياله عن طريق إحاطته بأحد عشر ضابطاً من عملائها وفدوا إليه متظاهرين بأنهم أرقاء اشتروا من أسواق النخاسة .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *