أروعَ الأمثلة في سلامة القلوب

بقلم الشيخ : أحمد عزت حسن( الباحث فى الشريعة الإسلامية )

 

ولقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروعَ الأمثلة في سلامة القلوب، وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب؛ فلقد كانوا رضي الله عنهم صفًّا واحدًا، يعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضًا، ويحب بعضهم بعضًا، كما وصفهم الله جل وعلا بذلك؛ حيث مدحهم الله بأفضل صفاتهم (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:٩-١٠].

ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ – رضي الله عنه – مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاض فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: “وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَحِيمٌ” (النور:٢٢) فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.

– وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.

ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول : إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة. أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين.

– أما عُلبة بن زيد فإنه لما دعا النبي ﷺ إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى قام من الليل يصلي، فتهجد ما شاء الله، ثم بكى، وقال: “اللهم إنَّك أمرت بالجهاد ورغَّبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوَّى به، ولم تجعل في يد رسولك ﷺ ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض. وأصبح الرجل من الناس، فقال رسول الله ﷺ: «أين المتصدق هذه الليلة؟». فلم يقم أحد، ثم قال: «أين المتصدق؟ فليقم». فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله ﷺ: «أَبْشِرْ، فوالذي نفسي بيدِه لقد كُتِبَتْ في الزكاةِ المُتَقَبَّلَةِ»

-وفي رواية حديث أبي هريرةـ أنه التمس في البيت

دراهم أو دنانير، فما وجد شيئًا فقام فصلى ركعتين في الليل، فقال: يا رب يا الله، إن أهل الأموال تصدقوا بأموالهم، وأهل الخيول جهزوا خيولهم، وأهل الجمال جهزوا جمالهم. اللهم إنه لا مال لي، ولا جمال ولا خيول. اللهم إني أتصدق إليك بصدقة فاقبلها: اللهم كل من ظلمني، أو سبني أو شتمني، أو اغتابني من المسلمين فاجعلهم في عافية وفي حل وفي عفو.

إنها صدقة لا تحتاج إلى مال؛ فتبخل، ولا إلى جهد؛ فتكسل، ولا إلى شجاعة؛ فتجبن، ولا إلى قوة؛ فتضعف، وإنما يحتاج إلى قوة إيمان، ويقين بما عند الله رب العالمين، وثقة بالأجور من العزيز الغفور، ثم لا تسل عن قلبك ما أسلمه! وصدرك ما أفسحه! ووقتك ما أبركه! وعملك ما أكثره وأكبره!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *