اعداد وترتيب فضيلة الشيخ : احمد عبدالله عطوه
إمام بأوقاف الشرقية
خطبة الجمعة القادمة”تحويل القبلة دروس وعبر”
بتاريخ 15شعبان1446هـ – الموافق 14 فبراير 2025م.
عناصر الخطبة
-
الآيات الكريمات التي تحدثت عن (تحويل القبلة)
-
سبب نزولها وقصة تحويل القبلة
-
وقفات وتأملات مع الآيات الكريمات
-
الدروس المستفادة من قصة تحويل القبلة
المقدمة:-
الحمد لله عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات الذى لايخفى عليه شئ فى الارض ولا فى السماوات غافر الذنوب والسيئات وخالق الارض والسماوات جاعل فريق فى الجنات وفريق فى أسفل الدركات
نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشد
وَأَشْهَدُ أَن لاَ إلَهَ إلا أَنْتَ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَأَنْتَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ،
وَأَشْهَدُ أَن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اعْتَز بِاللهِ تَعَالَى، وَفَاخَرَ بِالإِسْلامِ، وَعَلمَ أَصْحَابَهُ الْفَخْرَ بِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ عَلَى أثَرِهِمْ سَارَ إِلَى يَوْمِ الدينِ،
أَمَّا بَعْدُ:
إن تحويل القبلة حادث جلل كان له تأثيره القوي في مصير الأمة الإسلامية ونفوس المؤمنين، بل ونفوس الجاحدين من اليهود والمشركين والمنافقين؛ وهو حادث غير وجه التاريخ بحق فقد اختلت الموازين عند اليهود الذين كان يعجبهم أنه صلى الله عليه وسلم يتجه إلى قبلتهم وكأنه يتبعهم، واختلت الموازين عند القرشيين من المشركين لما أُعلن المسجد الحرام وهم حوله قبلة لأمة الإسلام إيذانا بعودة المسلمين إليه وسلبه من أيدي هؤلاء المعاندين، واختلت الموازين عند المنافقين الذين ظنوا أن الإسلام أقوالٌ لا أفعال وأنه ما سيدعوهم إلى العمل والاجتهاد لرفعة الإسلام والمسلمين.
ولنحاول أن نستنتج من تحويل القبلة الدروس والعبر ما يكون لنا زاداً إلى حسن المصير:
أولاً: التمييز بين الصادقين وغيرهم سنة الله في أمة الإسلام:
للمرة الثانية في أقل من خمس سنوات بعد الإسراء والمعراج ينتقص عدد المسلمين إثر حادث ضخم آخر للأمة ألا وهو تحويل القبلة حيث ارتد قوم عن الإسلام مرة أخرى!
أجاب الله على المتسائلين عن السبب فقال: ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143].لم يكن التمييز فقط بين صادقي الإيمان وأصحاب الإيمان المزيف، ولكن التمييز في هذه الحادثة كان لجميع الطوائف في شبه الجزيرة العربية من مسلمين ومشركين وأهل كتاب، ولقد قسم الله هذه الطوائف كلها إلى قسمين كبيرين فجعل المؤمنين قسم وحدهم وجعل باقي الطوائف على اختلاف مواقفهم قسم في مقابل فريق أهل الإيمان قال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ﴾ البقرة: 142.
عباد الله. :
ان تحويل القبلة كان بمثابة امتحان عظيم للنبى صلى الله عليه وسلم وللمسلمين ليريهم السفهاء وليميز الخبيت من الطيب وليبين لهم من هو المسلم او المؤمن الحق ومن هو المنافق الذى ابطن الكفر واظهر الاسلام .
بعد ما تميّز المجتمع المسلم في المدينة المنورة عن غيره من مجتمعات الجاهلية ـ كاليهود ومشركي العرب والنصارى وغيرهم ـ زاده الله تميّزاً، بأن نزل الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصرف المسلمين عن القبلة التي كان يشاركهم فيها اليهود وهي بيت المقدس، إلى قبلة الإسلام خاصة وهي الكعبة المشرفة .. ومن ثم كانت حادثة تحويل القبلة هي الفاصل بين الحرب الكلامية والتدخل الفعلي من جانب اليهود لزعزعة الدولة الإسلامية الناشئة ..
عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( .. أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده – أو قال أخواله – من الأنصار وأنه – صلى الله عليه وسلم – صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قِبل مكة، فداروا كما هم قِبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك )( الحاكم ).
وقد أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، من إثارة الشكوك والإنكار والتساؤلات قبل وقوعه .
وفي أمر تحويل القبلة قال الله تعالى :{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } ( البقرة آية:149-152) ..
لقد كان تحويل القبلة حدثا عظيما، فيه من الدروس والعبر الكثير، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة، ومنها :
إثبات نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر بالتحويل، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ هو أمر غيبي، فأخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بآيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع، فدل ذلك على أنه – صلى الله عليه وسلم – رسول ونبي يخبره الوحي بما سيقع، إذ من الأدلة على صدق رسالة الرسول، أن يخبر بأمور غيبية ثم تقع بعد ذلك كما أخبر. وفي ذلك يقول الله تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } البقرة:142 .
ومن خلال حدث تحويل القبلة ظهر درس هام ما أحوجنا إليه، ألا وهو:
التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
فالمسلم عبد لله تعالى، يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك بحماس، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها، لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه.
والصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ في أمر تحويل القبلة، أمرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فتوجهوا وانقادوا، ولبثوا على ذلك مدة سنة وبضعة شهور، فلما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة، ضاربين المثل في الانقياد والتسليم المطلق لأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فكان تحويل القبلة اختبارا وتربية للصحابة على السمع والطاعة، والتسليم لله ورسوله، كما قال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } البقرة: من الآية143
وقد ثبتوا ونجحوا ـ رضي الله عنهم ـ، فسارعوا للاستجابة والتسليم لأمر الله ورسوله، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء، إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة ) ( الترمذي ) .
كذلك أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، فحينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بتحويل القبلة إلى الكعبة، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله ـ عز وجل ـ أن صلاتهم مقبولة .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( لما وجِّه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } )(البقرة: من الآية143) (يعني صلاتكم ) ..
ومن الدلالات والدروس الواضحة والهامة من حادثة تحويل القبلة مخالفة اليهود والنصارى، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة، وكان حريصا على أن يكون متميزاً عن أهل الديانات السابقة، الذين حرفوا وبدلوا وغيروا كاليهود والنصارى، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم، بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهو أول بيت وضع للناس، وهذا كان ما يتمناه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فالتميز في العبادة وعدم مشاركة الكفار بأي شعيرة من الشعائر، أو مظهر من المظاهر، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصا على تربية الصحابة والمسلمين من بعدهم عليه، فكثيرا ما كان يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة ومواقف متعددة : ( خالفوا اليهود والنصارى )( ابن حبان ) .
لذا فان الله قال ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: “إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان أوَّل ما قدم المدينة نزل على أجداده – أو قال: أخواله – من الأنصار، وإنه صلى الله عليه وسلم صلَّى قِبَلَ بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يُعجبه أن تكون قبلتُه قِبَل البَيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها – صلاة العصر – وصلَّى معه قوم، فخرَج رجلٌ ممَّن صلى معه، فمرَّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صلَّيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فدارُوا كما هم قِبَلَ البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قِبَل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلما ولى وجهَه قِبَل البيت، أنكروا ذلك”؛ الحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: “بينا الناسُ يُصلُّون الصبح في مسجد قباء؛ إذ جاء رجل فقال: قد أُنزِلَ على النبي صلى الله عليه وسلم قرآنٌ، وقد أُمرَ أن يَستقبلَ الكعبة فاستقبِلوها، فتوجهوا إلى الكعبة”؛ الترمذي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لما وجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزَلَ الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]؛ يعني: صلاتكم”.