بقلم الشيخ : أحمد عزت حسن
مكانة سلامة الصدر:
إن من النعيم المعجل للعبد في هذه الحياة، بل هو جنة الدنيا ولذة العيش: أن يرزق اللهُ العبد نعمة سلامة الصدر على كل مَن عاش معه، أو خالطه، بل على كل أحد! فقلبه أبيض من ثوبه، يرى أن لكل مسلم عليه حقًّا، وليس له حق على أحد؛ ولذا فحياته طيبة مطمئنة، يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه.
فما أحوجنا إلى صدور سليمة، وقلوب مطمئنة؛ فالقلوب هي منبع المشاعر، ومصدر العواطف، ومحرك الأخلاق، وموجه التصرفات، فإذا صلَحت صلَحت كل الأعمال والأخلاق، وإذا فسدت فسدت كل الأعمال والأخلاق؛ كما في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحتْ صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)
وفي مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جارُه بوائقَه).
سلامة الصدر ونقاء القلب من سمات الأنبياء والمرسلين:
أطهر الناس قلوبًا، وأحسنهم سريرة، وأسلمهم صدورًا: أنبياء الله ورسله، الذين أحبوا الخير لأقوامهم وأممهم، وبذلوا كل غالٍ ونفيس في نصحهم وإرشادهم، وتعليمهم وهدايتهم؛ قال سبحانه عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٦-١٠٩].
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾ [الصافات: ٨٣-٨٤].
نبي الله يوسف عليه السلام وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا: “تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ”. فما كان منه إلا أن قَال: “لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”.
فما حمل غلا ثم لما جاء أبوه مع اخوته: “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (يوسف:١٠٠)
فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).