الفراعنة عرب بلا شك.. شهادة التاريخ والجينات والآثار واللغة
11 فبراير، 2025
العلم والعلماء

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )
مدخل إلى الحقيقة التاريخية: الفراعنة امتداد للعرب الأوائل
لطالما كانت مسألة أصل الفراعنة محور جدل بين الباحثين، حيث سعت بعض الدراسات إلى ربطهم بالسلالات الإفريقية، بينما زعمت أخرى أنهم شعب مستقل تمامًا عن أي عرق آخر. غير أن الأدلة التاريخية، اللغوية، الجينية، والأثرية تكشف بوضوح أن الفراعنة كانوا في الأصل من القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية إلى مصر منذ عصور ما قبل التاريخ، وأقامت فيها واحدة من أعظم الحضارات التي عرفها التاريخ الإنساني. لم يكن الفراعنة شعبًا معزولًا، بل كانوا امتدادًا لقبائل العماليق العرب الذين نزحوا إلى مصر حاملين معهم ثقافتهم ولغتهم وأنماط حكمهم.
المصادر العربية القديمة، التي نقلت روايات متواترة عن أصل الفراعنة، تؤكد أنهم ينحدرون من العماليق، وهم إحدى القبائل العربية القديمة التي انتشرت في الجزيرة العربية وبلاد الشام ووصلت إلى مصر. لم تكن هذه الهجرة مجرد تحرك بسيط، بل كانت جزءًا من تحولات ديموغرافية كبرى جعلت من مصر نقطة التقاء رئيسية للحضارات السامية. وبذلك، فإن القول بأن الفراعنة لم يكونوا عربًا يتجاهل كمًّا هائلًا من الأدلة التي تثبت هذه الحقيقة.
شهادات المؤرخين العرب: تأكيد قاطع على عروبة الفراعنة
تؤكد المصادر التاريخية العربية الأصل العربي للفراعنة بوضوح. ذكر الإمام الطبري في تاريخ الأمم والملوك أن “عمليق هو أبو العماليق كلهم، أمم تفرقت في البلاد، وكان أهل المشرق وأهل عمان وأهل الحجاز وأهل الشام وأهل مصر منهم، ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون، ومنهم كانت الفراعنة بمصر”. هذه الشهادة، التي نقلها أيضًا ابن خلدون في مقدمته، تثبت أن الفراعنة لم يكونوا مجرد شعب مستقل، بل كانوا جزءًا من القبائل العربية التي انتقلت إلى مصر واستوطنتها.
أما ابن الأثير، في كتابه الكامل في التاريخ، فينقل عن أهل اليمن قولهم إن الضحاك، أحد أقدم الفراعنة، كان من أصول يمنية، وأنه كان ملكًا لمصر في عهد النبي إبراهيم عليه السلام. يشير هذا إلى أن العماليق، الذين يُعتبرون من القبائل العربية القديمة، كانوا القوة الحاكمة في مصر منذ فترات مبكرة، وأنهم جاؤوا إليها عبر الهجرات التي استمرت عبر آلاف السنين.
كذلك، يقدم أبو الفداء في كتابه المختصر في أخبار البشر تأكيدًا آخر لهذه الحقيقة، حيث ينقل عن ابن سعيد المغربي، الذي استند إلى كتاب طبقات الأمم لصاعد الأندلسي، أن مصر لم تكن مكونة فقط من القبط، بل كانت تضم جماعات من العماليق الذين جاؤوا من الجزيرة العربية، مما يؤكد أن الفراعنة لم يكونوا مجرد قبائل قبطية محلية، بل كانت لهم أصول عربية واضحة.
الأدلة الأثرية الحديثة: عندما تتحدث النقوش عن عروبة الفراعنة
الأدلة الأثرية الحديثة تدعم هذا الطرح بقوة. الباحث المصري في علم الآثار أحمد عيد، في كتابه جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة، يعرض رؤية موثقة حول الأصل العربي للفراعنة، مستندًا إلى دراسات حول الهجرات البشرية القديمة. في فصل بعنوان أصل المصريين، يؤكد عيد أن “الفراعنة عرب، حقيقة سجلها الطبري، رددها المسعودي، وأكدها الفراعنة في نقوشهم ومتونهم”.
إذا رجعنا إلى النقوش الهيروغليفية القديمة، سنجد العديد من المصطلحات التي تتشابه مع الكلمات العربية الجذرية، مما يدل على وجود لغة مشتركة بين الفراعنة والعرب الأوائل. لم تكن هذه مجرد مصادفة لغوية، بل كانت انعكاسًا للعلاقات الوثيقة بين العرب والفراعنة، الذين كانوا يرون أنفسهم جزءًا من الامتداد الثقافي والحضاري للعالم السامي.
اللغة والدليل القاطع على عروبة الفراعنة
اللغة تعد واحدة من أقوى الأدلة على عروبة الفراعنة. لم يُذكر في أي مصدر تاريخي أو ديني أن الأنبياء الذين عاشوا في مصر احتاجوا إلى مترجم عند مخاطبتهم الفراعنة.
سيدنا يوسف عليه السلام، القادم من بلاد الشام، لم يحتج إلى مترجم حينما أصبح عزيز مصر، بل خاطب المصريين بلغتهم وفهمهم وفهموه.
سيدنا موسى عليه السلام، الذي نشأ في قصر فرعون، لم يُذكر أنه واجه أي صعوبة لغوية عند حديثه مع الفراعنة.
سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي تنقل من العراق إلى بلاد الشام إلى مصر إلى الحجاز، لم يُذكر أنه احتاج إلى مترجم في أي مرحلة من رحلاته.
هذا يشير إلى أن سكان تلك المناطق، بمن فيهم الفراعنة، كانوا يتحدثون لهجات مختلفة للغة سامية واحدة، قريبة من اللغة العربية، مما يدحض فكرة أن الفراعنة كانوا يتحدثون لغة معزولة عن بقية شعوب المنطقة.
الكتابات الفرعونية تحتوي على العديد من المصطلحات ذات الأصول العربية، مما يثبت أن اللغة المصرية القديمة لم تكن منفصلة عن العربية، بل كانت متصلة بها تطوريًا كما كانت اللغات السامية الأخرى.
التحليل الجيني للفراعنة: مفاجآت تكشف الحقيقة
الأدلة الجينية تضيف بعدًا علميًا لهذه المسألة. العديد من الدراسات الجينية الحديثة التي أُجريت على المومياوات الفرعونية كشفت أن المصريين القدماء كانوا أقرب وراثيًا إلى سكان الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية مقارنة بالأفارقة جنوب الصحراء.
التحاليل الجينية التي أُجريت على بعض المومياوات أظهرت أن الفراعنة لم يكونوا أفارقة كما يحاول البعض الترويج له، بل كانت لهم روابط وراثية وثيقة بسكان الجزيرة العربية والشام. هذا الاكتشاف العلمي يدعم ما ذكره المؤرخون العرب القدماء، ويؤكد أن الفراعنة كانوا امتدادًا للقبائل العربية التي استقرت في مصر وأقامت فيها حضارة عظيمة.
محاولات طمس الحقيقة وعروبة الفراعنة التي لا جدال فيها
المحاولات المستميتة لنفي الأصل العربي للفراعنة ليست سوى محاولات شعوبية تهدف إلى قطع الصلة بين المصريين الحاليين وأصولهم العربية. غير أن الحقائق التاريخية، والأدلة اللغوية، والنتائج الجينية، والنقوش الفرعونية، كلها تصب في اتجاه واحد: الفراعنة لم يكونوا شعبًا منفصلًا عن العرب، بل كانوا جزءًا أصيلًا من القبائل العربية التي نزحت من الجزيرة العربية واستوطنت مصر.
الحضارة المصرية القديمة لم تكن حضارة معزولة، بل كانت امتدادًا لحضارات الجزيرة العربية والشام، حيث كانت هناك روابط ثقافية ولغوية واجتماعية قوية بين مصر ودول الجوار العربي. لم يكن الفراعنة مجرد حكام محليين، بل كانوا جزءًا من الأمة العربية قبل الإسلام، وقد حكموا مصر بطرق تتشابه مع الأساليب السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في مناطق العرب الأوائل.
اليوم، وبعد كل هذه الأدلة، لا يمكن التشكيك في عروبة الفراعنة. لقد كانوا عربًا حكموا مصر، وتركوا إرثًا عظيمًا يشهد على تفوقهم الحضاري والعلمي والسياسي. إنكار هذا الأصل ليس سوى محاولة لتشويه التاريخ، ولكن الحقائق تظل قائمة، وستظل عروبة الفراعنة حقيقة ثابتة لا يمكن دحضها.