شهر شعبان وفضله والاستعداد لاستقبال شهر رمضان

 

بقلم فضيلة الشيخ : مخلف العلي القادري الحذيفي
خادم الطريقة القادرية البريفكانية العلية

 

الحمد لله الذي فضل بعض الأزمنة على بعض، وجعل في أيامه نفحات لمن أراد أن يغتنمها، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فضل شهر شعبان

شهر شعبان هو شهر يغفل عنه كثير من الناس، وهو مقدمة لشهر رمضان، وفرصة عظيمة للعبادة والاستعداد لاستقبال الشهر الكريم. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم» (رواه النسائي وأحمد).

وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: «ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم استكمل صيامَ شهرٍ إلا رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان» (رواه البخاري ومسلم). وهذا يدل على أن شعبان هو شهر الاجتهاد في الطاعات، والتهيئة الروحية لاستقبال رمضان.

الاستعداد لاستقبال شهر رمضان

الاستعداد لشهر رمضان لا يكون فقط عند رؤيته، بل يبدأ من قبله، ليتمكن المسلم من دخول الشهر الكريم بنفسٍ قوية وعزيمةٍ صادقة. ومن أهم مظاهر الاستعداد لرمضان في شعبان:

1. الإكثار من الصيام: فمن السنة الإكثار من الصيام في شعبان، خاصة في النصف الأول منه، لأن ذلك يساعد على تعويد النفس على الصيام قبل دخول رمضان.

2. مراجعة القرآن الكريم: فمن لم يكن معتادًا على تلاوة القرآن يوميًا، فليبدأ في شعبان حتى يسهل عليه الاستمرار في رمضان.

3. الدعاء والتضرع إلى الله: ومن الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان» (رواه أحمد والبيهقي).

4. إصلاح القلوب والعلاقات: ينبغي للمسلم أن يتخلص من الضغائن والشحناء، فالمخاصمة تمنع المغفرة، وقد ورد أن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر لهم إلا لمشاحن أو مشرك.

5. التخطيط للعبادات في رمضان: فينبغي للمسلم أن يضع برنامجًا لاستثمار الشهر الكريم، مثل تحديد أوقات الصلاة والذكر وقراءة القرآن والصدقة.

أهمية إخراج الزكاة في شعبان

من الأمور التي يغفل عنها البعض تأخير الزكاة إلى رمضان، بينما الأفضل هو تعجيلها في شعبان حتى يتمكن الفقراء من الاستعداد للشهر الكريم. فإعطاؤهم الزكاة قبل رمضان يعينهم على شراء ما يحتاجونه للصيام، ويخفف عنهم العناء، وهذا مما يدخل في باب الإحسان إليهم.

وقد كان بعض السلف يحرصون على إخراج زكواتهم وصدقاتهم في شعبان، ليتمكن الفقراء من استقبال رمضان براحة وطمأنينة. فلا ينبغي تأخير الزكاة لمجرد طلب مضاعفة الأجر في رمضان، بل الأصل أن تؤدى عندما يحين وقتها، ويجوز تعجيلها إذا دعت الحاجة، وهذا من صور التكافل الاجتماعي في الإسلام.

أحب الأعمال في شهر شعبان

هناك أعمال كثيرة مستحبة في هذا الشهر، ومنها:
* الصيام، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
* قيام الليل، والاعتياد على التهجد قبل دخول رمضان.
* الإكثار من الذكر والاستغفار، فهو شهر ترفع فيه الأعمال.
* الصدقة، فإنها تزكي المال وتطهر النفس.
* صلة الرحم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع» (رواه مسلم).

ختامًا

شعبان هو فرصة ذهبية لمن أراد أن يستعد لرمضان، فهو شهر التهيئة والتقرب إلى الله، ومن وفقه الله فيه للطاعات، كان أكثر استعدادًا للفوز برمضان. فلنغتنم هذا الشهر بالإكثار من العبادات، وإخراج الزكاة لمستحقيها، وإصلاح ما بيننا وبين الله وما بيننا وبين الناس، حتى ندخل رمضان بقلوب نقية وأرواح مطمئنة.

نسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا فيه للصيام والقيام وسائر الطاعات، وأن يجعلنا فيه من عتقائه من النار.

اترك تعليقاً