خطبة بعنوان ( نعمة الأمن واستلهام العبر من دروس الإسراء والمعراج) لفضيلة الدكتور محمد جاد قحيف

كتبها فضيلة الدكتور : محمد جاد قحيف.

الحمدُ للهِ الواحد الديان الكريم المنان أكرمنا بنعمةِ الإسلامِ، وشَرَحَ صُدورَنا للإيمانِ.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فضل ديننا على سائر الأديان أحمده على جليل الصفات وجميل الإنعام..
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله ﷺ المبعوث للإنس والجان اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا وبعد:
فمن أجل نعم الله على عباده نعمة الأمن ، به قوام الحياة و أساس الازدهار ، وقد تفضل به الخالق العظيم على خلقه، فهو أَعْلَى قِيمَةٍ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ، فَإِذَا حَلَّ الأَمَانُ فِي وَطَنٍ كَانَ الاسْتِقْرَارُ وَالتَّقَدُّمُ وَالرُّقِيُّ، فَتُقَامُ الحَضَارَةُ، وَيُبْنَى الإِنْسَانُ، وَتُصَانُ الأَعْرَاضُ وَالمُمْتَلَكَاتُ، وَإِذَا غَابَ الأَمْنُ حَلَّ الدَّمَارُ وَالخَوْفُ وَالذُّعْرُ فِي الشَّوَارِعِ وَالبُيُوتِ وَالقُلُوبِ. فبدون هذه النعمة لا استقرار ولا راحة ولا سعادة ، فالحياة بدون الأمن حياة مرة لا يمكن أن تطاق ؛ لذلك تبذل المجتمعات البشرية جميع إمكانياتها ؛ لاستتباب الأمن لعلمها أن نعمة الأمن مقدمة على مطالب الحياة كلِّها؛ فالخائف لا يستمتع بغذائه ولباسه ومسكنه …

والأمن هو : السرور .
قيِل لأحد الحكماء: أين تجدُ السُّرور؟ قال: في الأمن؛ فإنِّي وجدت الخائف لا عَيْشَ له.
(جريدة الأيام)..

العنصر الأول : تنوع أساليب القرآن الكريم في الامتنان بنعمة الأمن..
إن نعمة الأمن من الخوف من أجل النعم التي من الله بها على العباد

ومن صور الامتنان بنعمة الأمن في القرآن الكريم ما يلي :

1- الامتنان على أهل مكة بالأمن في البيت الحرام والبلد الحرام .
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ البقرة: ١٢٥
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ آل عمران: ٩٦ – ٩٧.
قال تعالى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ ،رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ،فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
قريش: ١ / ٤.
استجاب المولى جل جلاله دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام ، عندما دعا لبلده مكة حفظها الله ..
قال شأنه:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
البقرة: ١٢٦ .
وقال عزوجلَّ:﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾
إبراهيم /٣٥.
وقد قيل أن الآية الأولى “رب اجعل هذا بلدا”قبل عمران مكة ، والآية الثانية بألف ولام التعريف بعد عمران مكة 

٢-الامتنان على أهل سبأ
قال تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾سبأ/ ١٨.
وجعلنا بين أهل سبأ – وهم باليمن – والقرى التي باركنا فيها – وهي الشام – مُدنًا متصلة يُرى بعضها من بعض، وجعلنا السير فيها سيرًا مقدَّرًا من منزل إلى منزل لا مشقة فيه، وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى في أيِّ وقت شئتم من ليل أو نهار، آمنين لا تخافون عدوًّا، ولا جوعًا ولا عطشًا

٣- الأمن في المعارك .
قال الله تعالى : ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ الأنفال/١١.
وأنزل الله عليهم النعاس أمنةً منه في غزوة بدرٍ ، والنعاس في الحرب وعند الخوف دليلٌ على الأمن، وهو منحة من الله تعالى .

٤- الأمن في الآخرة والامتنان على أهل الجنة .
وعد الله المؤمنين بالأمن في الآخرة ، ومن ذلك:
١- النجاة من أهوال يوم القيامة
قال عزوجلَّ :
﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾النمل: ٨٩
ففي يوم القيامة في هذا اليوم المفزع الرهيب يكون الأمن والطمأنينة من الفزع ، فهم آمنون في مساكنهم في الجنة من كل نصب وقلق وخوف .
٢- الامتنان على أهل الجنة بنعمة الأمن .
قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾. الحجر ٤٦/٤٥.
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ الدخان: ٥١ / ٥٢ .

والمقام الأمين: موضع الإقامة، والأمين: الآمن من كل سوء وآفة ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد ..
والمفهوم القاصر للأمن الذي يحاول الملبسون ترسيخه في أذهان الناس اليوم توجيه الأنظار إلى توفير الأمن على النفس والرزق في هذه الحياة الدنيا فحسب، ونسيان الأمن الحقيقي والسعادة الكبرى في الآخرة، وإغفال الأسباب التي توصل إلى الأمن يوم الفزع الأكبر، والفوز بدار الأمن والسلام والتي أعدها الله عز وجل لعباده المتقين .

إن الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة .
وإن أعظم أمنٍ يجب على الإنسان أن يسعى لتحقيقه الأمن من عذاب الله.
قال تعالى: أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فصلت /٤٠). .

العنصر الثاني : الصلة والترابط الوثيق بين الإيمان والأمن وبين الأمن والرزق ، وبين الجوع و الخوف ..

الإيمان بلسم رباني لعلاج أمراض الخوف والحزن والقلق والاكتئاب ، وبالإيمان يتحقق الأمن والسعادة في الحياة الدنيا والآخرة .
فالأمن والإيمان قَرِينان مُتَلازِمان؛ فلا يتحقَّق الأمنُ إلا بالإيمان الصحيح؛ قال الله، سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» الأنعام: ٨٢.
والمؤمن الحق من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم .
يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ”
( أخرجه الإمام أحمد وسنده صحيح).
كما تحدث القرآن الكريم عن الرزق والأمن وربط بينهما فى مواضع متعددة، منها: قوله تعالى : «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» (النحل /١١٢) .
فلما كانت القرية آمنة مطمئنة يتعاون أبناؤها على الحفاظ على أمن بلدهم كان يأتيها رزقها رغدًا وفيرًا هنيئًا سهلا من كل مكان ، فجحد أهلُها نِعَمَ الله عليهم ، فلما كفرت بأنعم الله (عز وجل) عليها وجحدتها أذاقها الله (عز وجل) لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (النحل/١١٨).
في أي مكان كانت هذه القرية وفي أي زمان كانت ، فالعبرة بعموم لفظ الآية الكريمة ..
وفى سورة القصص عقب القرآن الكريم على أهل مكة بنعمتى الأمن والرزق مرتبطتين بحرمة الأمن . فيقول سبحانه وتعالى : «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» .
(القصص / ٥٧)..
والصحة نوع من أنواع الرزق ومع أهميتها قدم الأمن عليها .

قال الرازي رحمه الله: “وسُئِلَ بَعْضُ العُلَماءِ: الأمْنُ أفْضَلُ أمِ الصِّحَّةُ ؟ فَقالَ: الأمْنُ أفْضَلُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ شاةً لَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُها فَإنَّها تَصِحُّ بَعْدَ زَمانٍ، ثُمَّ إنَّها تُقْبِلُ عَلى الرَّعْيِ والأكْلِ، ولَوْ أنَّها رُبِطَتْ في مَوْضِعٍ ورُبِطَ بِالقُرْبِ مِنها ذِئْبٌ فَإنَّها تُمْسِكُ عَنِ العَلَفِ ولا تَتَناوَلُهُ إلى أنْ تَمُوتَ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الضَّرَرَ الحاصِلَ مِنَ الخَوْفِ أشَدُّ مِنَ الضَّرَرِ الحاصِلِ مِن ألَمِ الجَسَدِ ” (تفسير الرازي).

فالفقر والفساد نتيجة طبيعية للحروب والصراعات ، فمتى تحقق الأمن والأمان والاستقرار تبعه النمو والاستثمار ، والعمل والإنتاج ، واتساع أسباب الرزق، ومتى كانت الحروب الخارجية أو الأهلية والإرهاب، والتخريب والتدمير، والفساد والإفساد، كان التنازع والشتات ، والفقر ومشقة العيش وصعوبة الحياة..

العنصر الثالث : ثمرات نعمة الأمن

لا شك أن لهذه الغاية التي يسعى إليها كل الناس والمجتمعات قديما وحديثا بركات وثمرات ، ومن هذه الثمرات التي لفت القرآن الكريم الأنظار إليها :
١- الأمن النّفسي
هو أمر أساسي في بناء شخصية المسلم حتى تكون حياته خالية من القلق و الاضطرابات النفسية ، فهو يدخل تحت ضرورة حفظ النفس ، و هذا يتحقق بالإيمان والعمل الصالح .
قال الله تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾
النحل /٩٧.
والإعراض عن طاعة الله سبب القلق و الضيق .
قال الله تعالى:
﴿ وَ مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾
طه /١٢٤.
فالإيمان بالله يحقق الأمن النفسي ، وزوال الكثير من الأمراض النفسية والجرائم والانحرافات .
ومن هنا يجب الاهتمام بعلاج هذه الأمراض ، فإن نحو نصف سكان العالم من البشر مصابون بالقلق، وكثرة حالات الانتحار بسبب هذه الأمراض النفسية . وحالات الاكتئاب في العالم تقدر بثلاثمائة وخمسين مليون حالة، تؤدي إلى قرابة مليون حالة انتحار كل عام، حالة كل نصف دقيقة تقريباً .
(منظمة الصحة العالمية).. لكن البيئات الإيمانية يقل فيها حالات الانتحار ؛ لأن المؤمن آمن رزقه ،فهو في ضمان الله تعالى ، وأمن على أجله ، فهو محدد لا يقدم عن موعده ولا يؤخر ، وما على الإنسان إلا اتباع الأسباب فقط ، والتعلق برب الأسباب .
وهذا ما أكد عليه النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بقوله : «مَن أصبَحَ آمِنًا في سِربِه، مُعافًى في جَسَدِه، عندَه طعامُ يَومِه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا» أخرجه الإمام الترمذي وسنده حسن .
فرضية الصلاة في السماء في رحلة المعراج ..
إن الصلاة هي المعراج الروحي للمؤمنين والصلة والقرب من الله جل في علاه وفي المعراج فرض الله تعالى الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم (التخفيف) فجعلها الله تعالى أرحم الراحمين خمس صلوات، فهي في العدد خمس صلوات وفي الأجر خمسين صلاة.
أهدى الله تعالى لنبيه وأمته هدية لا ينقطع نفعها إلى يوم القيامة إنها “الصلاة”.
-فالصلاة معراج المسلم إلى ربه ، وكما أن الإسراء والمعراج تم على ثلاث مراحل ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى إلى السموات العلا ، ومن السموات العلا إلى سدرة المنتهى والقرب من الرحمن وكذلك الصلاة قيام وركوع وسجود ، فالسجود غاية القرب من الله..
قال تعالى: (واسجد واقترب) العلق .
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: “أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ” رواهُ الإمام مسلم.
والصلاة صلة روحية بين العبد وربه.
والصلاة هداية ونور .
ويظهر آثارها على العبد فيملأ قلبه نورًا ويفيض على جوارحه.
-(سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح/٣٩.
ويظهر النور بوضوح على العبد يوم القيامة:
-(يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم…) الحديد.
٢- الأمن الاقتصادي
مع وجود الأمن في قلوب الأفراد و في المجتمع، تأتي خيرات و يقع ازدهار اقتصادي و تقع حركة نشيطة في التجارة و يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد بإقبال النّاس على العمل.. و بغيابه يعم الفقر و البطالة.

٣-الأمن الاجتماعي :
يحقّق صفاء النفوس من الأحقاد والضغائن ويدفع إلى نشر المحبة والتعاون بين النّاس ، و به نحافظ على وحدة المجتمع واستقراره.
قال تعالى :
﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾
آل عمران / 103.

٤- الأمن السياسي و العسكري
فعلى المسلمين أن يعدّوا أنفسهم ويتسلّحوا بالقوّة لتحقيق الأمن و ردع الأعداء .
قال تعالى:
﴿ وَ أَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم من قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
الأنفال/٦٠ .
ولا ننسى أحوال الأمم التي فقد فيها الأمن ، وأصبح مواطنيها لاجئين ، بعدما كانوا يملكون أرضا ومنازل وأعمال .
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم .
واليوم حال حالهم جور وطغيان ..
يا إخوة الإسلام إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا قَدْرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ فَانْظُرُوا إِلَى حَالِ مَنْ فَقَدَهَا، حَيْثُ لَا طَعَامَ يَطِيبُ، وَلَا شَرَابَ يَرْوِي، وَلَا قَلْبَ يَسْكُنُ وَيَطْمَئِنُّ، وَلَا تَرَى إِلَّا الدَّمَارَ وَالخَرَابَ، وَضَيَاعَ البِلَادِ وَالعِبَادِ، فَتُزْهَقُ الأَرْوَاحُ، وَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ، وَتُنْهَبُ الأَمْوَالُ ..
الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا رسول الله المبعوث رحمة للعالمين وبعد: فما لا يدرك كله لا يترك جله ، ومن هنا نستلهم في هذا اللقاء بعض الدروس والعبر من رحلة الإسراء والمعراج فمن حكم هذه المعجزة المباركة التسلية والمواساة لقلب النبي عليه الصلاة والسلام ..
كما أنها تسلية وموساة لقلوب المسلمين في كل زمان ومكان..
فقد تزامن وقوعُ هذه المُعجزة مع أحداثٍ مؤلمةٍ عانى منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ كانت قُريش قد فرضت عليهم حِصاراً، وتُوُفّيَ عمُّه أبو طالب الذي كانَ يعصمه ويُدافِع عنه أمامَ قريشٍ، وكانت قد تُوفّيت زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وانتهت بوفاتهما الحماية الداخلية والخارجية ، بعد حماية الله عز وجل .
ثم توجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى الطائف لدعوتهم إلى الإسلام إلا أنهم رفضوا دعوته ، واغروا سفهاء القوم وعبيدهم يشتمونه ، ويسبونه ، ويقذفونه بالحجارة، حتى سال دمه على جسده الشريف..
وفي ظل هذه الشدائد والأزمات يعلمنا الرسول (ﷺ) سلاح الدعاء والاستعانة والاستغاثة بالله تعالى ، والأمل والثقة في الله، فنراه صلى الله عليه وسلم يتوجه لربه بالدعاء فيقول : ((رب أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك))..أورده السيوطي في الجامع الصغير ، وعزاه للطبراني وحسنه ..
إن رحلة الإسراء والمعراج جاءت بعد الإيذاء الشديد والكرب العظيم ؛ لتمسح أعباء الماضي وترسم خيوط الأمل للمستقبل ، جاءت ؛ لتفتح باب الفرج بعد الشدة والضيق ،والفرح بعد الحزن، والأمن بعد الخوف ، واليسر بعد العسر ، والتكريم بعد الإهانة ..
والتأييد والعون بعد أن تخلى عنه القريب والبعيد ، و الأحباب والأعداء ..
كانت هذه الرحلة الإيمانية الكريمة تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومواساةً له ، وإسعادا لقلبه مما لحق به من أذى واضطهاد ، وتخفيفًا لما وقع عليه من ضرر منهم .. فكرّمه الله بقدرة إلهية وآنسه بحادثة الإسراء والمعراج، فأي تكريم ومؤانسة أشد وأعظم من تكريم كهذا إذ أتى جبريل عليه السلام ليكون رفيقا لرسول صلى الله عليه في رحلة الإسراء والمعراج ؛ كي يعلم مكانته عند الله ..
لقد أراد الله تعالى أن تتشرف بأنوار النبي محمد ﷺ السماوات وما فيها ، كما تشرفت ببركاته الأرض وما عليها .
وكأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام يا محمد إن كان أهل الأرض قد ضايقوك ، فإن أهل السماء قد أحبوك ، وإن كانوا أخرجوك فإن الكون قد فتح زراعه مرحبا ومهللا لك .
ثانيا: إطلاع النبي عليه الصلاة والسلام على بعض المشاهد والأمور الغيبية حتّى يُبلِّغها بيقينٍ؛ فالبَشَرُ بطبيعتهم يَميلونُ إلى السؤالِ عمّا هو مجهولٌ، والغيبُ عالمٌ لا يُدركهُ الإنسانُ بعقله ولا سبيلَ له إلى تصوُّرهِ سوى بالنّقلِ، إذ رأى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الجنّة والنّار، وصَعد إلى السماوات وشاهدها بتفاصيلها
وهذه الحكمة الجليلة أكدها القرآن الكريم في قوله تعالى عن الإسراء (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

وعن المعراج قال جل جلاله (لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) النجم /١٨.
ومن أهم ما رأى في هذه الرحلة سورة الملاك جبرائيل عليه السلام في صورته الحقيقية.
عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حلة رفرف أخضر ، قد ملأ ما بين السماء والأرض (القرطبي).

قال أحد السلف الصالح :

رأيت الجنة والنار حقيقة. فقيل له: كيف رأيتها وأنت في الدنيا؟ قال: رأيتها بعينى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لها بعينه آثر عندي من رؤيتي لها بعيني؛ فإن بصري قد يطغى ويزيع بخلاف بصره صلى الله عليه وسلم’ ما زاغ البصر وما طغى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ..
لقد رأى الرسول (ﷺ) من آياته ربه الكبرى ؛ لينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين ، ورأى بعضًا من مشاهد نعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ، حتى يرغبنا في العمل للجنة ،ويرهبنا من عمل أهل النار.
ثالثاً: ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام
دلالةُ اختياره للمسجد الأقصى ليكونَ مسرى رسوله الكريم؛ فالمسجدُ الأقصى هو أولى القبلتين، وله قداسةٌ ومكانةٌ في نفوسِ المسلمين، ولعلّ اختياره ليكونَ مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأكيداً لهذه القداسة وتمكيناً لها، وهي دعوةٌ إلى شدّ الرّحالِ إليهِ، والاهتمام بقضيته ، والدّفاع عنه ، وتحريره .
رابعا: عالمية رسالة الإسلام وتسلم النبي صلى الله عليه وسلم راية قيادة البشرية من جميع الرسل والأنبياء .
ففي الإسراءِ والمعراجِ إعلانٌ لعموميةِ الرّسالة التي جاءَ بها الإسلام وشمولها وصلاحها لكلِّ زمانٍ ومكان؛ إذ يتضمّن ما جرى من جعْل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إماماً لهذه البشرية بإمامته للرُّسل جميعهم في الصّلاة،
فهذا أول الوجود المحمدي في أرض القدس الشريف، كما أن رسالته صلى الله عليه وسلم عالميةً ناسخةً لجميع الرسالات مِنَ الشّرق إلى الغرب، فهو خاتِمهم وأفضلهم، ووَصَل إلى منزلةٍ عاليةٍ لم يصلها أحدٌ سواه، لا مَلَكٌ مُقرب ولا نبيٌ مرسل، فهو خير البَرِيّة وأفضلُ الخلق -صلواتُ الله وسلامه عليه..
اللهم نسألك الأمن من الخوف في الدنيا والآخرة ونسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا ومالنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمالنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم لا ترفع لليهود المعتدين راية ولا تحقق لهم غاية ، وأرنا فيهم عجائب قدرتك ، واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين أجمعين ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *