من دروس الإسراء والمعراج (بيان أهمية ومكانة الصلاة)
21 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين
أما بعد؛ فيا عباد الله: إن من أهم وأبرز دروس الإسراء والمعراج بيان ما للصلاة من أهمية ومكانة عظيمة فى دين الله رب العالمين؛ لذلك فرضها الله عزّ وجل على سيدنا رسول الله ﷺ في ليلة الإسراء والمعراج مباشرة فلم ينزل بها جبريل عليه السلام كسائر العبادات، وفرضها خمسين صلاة في اليوم والليلة ثم خففت إلى خمس؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «فَرضَ اللَّهُ على أمَّتي خمسينَ صلاةً فرجعتُ بذلِكَ حتَّى آتيَ على موسى فقالَ موسى ماذا افترَضَ ربُّكَ على أمَّتِكَ قلتُ فرضَ عليَّ خمسينَ صلاةً قالَ فارجع إلى ربِّكَ فإنَّ أمَّتَكَ لا تطيقُ ذلِكَ فراجعتُ ربِّي فوضعَ عنِّي شطرَها فرجعتُ إلى موسى فأخبرتُهُ فقالَ ارجع إلى ربِّكَ فإنَّ أمَّتَكَ لا تطيقُ ذلِكَ فراجعتُ ربِّي فقالَ هيَ خمسٌ وَهيَ خمسونَ لا يبدَّلُ القولُ لديَّ فرجعتُ إلى موسى فقالَ ارجع إلى ربِّكَ فقلتُ قدِ استحييتُ من ربِّي» رواه مسلم.
عباد الله: إن للصلاة فضائل جمة من ذلك؛
– الصلاة طريق الفلاح؛ قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(المؤمنون:١-١١)، لقد تحدثت الآيات عن أهم وأشهر صفاتِ أهلِ الإيمان، وبينت أن من يتحلى بتلك الصفات الطيبة الكريمة يعيش حياةً إيمانيةً مباركةً سعيدةً، ويكون من عباد الله الذىن يرثون الفردوس الأعلى.
– الصلاة صلة بين العبد وربه جل وعلا؛ فالصلاة معراج إلى الله عز وجل؛ حيث يرقى بها العبد إلي ربه ومولاه جل جلاله خمس مرات في اليوم والليلة؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله ﷺ: يقولُ اللهُ عز وجل: «قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين نصفُها لي، ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: ﴿الحمدُ للهِ ربِّ العالمين﴾ قال: حمدني عبدي؛ فإذا قال: ﴿الرحمنِ الرحيمِ﴾ قال: أثنى عليَّ عبدي؛ فإذا قال: ﴿مالكِ يومِ الدينِ﴾قال: مجدني عبدي؛ فإذا قال: ﴿إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعينُ﴾ قال: هذه الآيةُ بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: ﴿اهدِنا الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين﴾ قال: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل»
فنلاحظ أن هناك تجاوب بين الله عز وجل وبين عبده المصلى مما يؤكد لنا أن الصلاة هي المعراج الباقي إلى يوم الدين ولما كان الأمر كذلك فرحمة من الله بعباده خففها كما علمنا من خمسين إلى خمس، وجعل لمن حافظ عليها أجر خمسين صلاة.
– الصلاة تكفير للذبوب كما أنها تلزم العبد حسن الخلق؛ قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾(العنكبوت: ٤٥)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا» رواه مسلم.
– الصلاة هي المفزع إذا حزب الأمر، وهي المستراح عند التعب؛ لقد كان سيدنا رسول الله ﷺ يقول: «أَرِحْنا بها يا بلالُ» رواه أحمد وأبو داود.
أرحنا بها يابلال .. لا كما يقول بعض الناس: أرحنا منها يا إمام.
وقل لبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً
توضأ بماء التوبة اليوم مـخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا
وكيف تكون الصلاة راحة للنفوس وربيعاً للقلوب؟
تكون الصلاة كذلك بتحقيق الأتى؛
– المبادرة والتبكير إليها.
-المحافظة عليها جماعة في بيوت الله، وتعلق القلب بها.
– الإحسان فيها وإتمام أركانها وواجباتها.
– الخشوع وحضور القلب.
– التخلص من الهموم والأحزان؛ لقد حثنا ربنا تبارك وتعالى على الاستعانة بالصبر والصلاة؛ قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾(البقرة: ٤٥)، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كانَ النَّبيُّ ﷺ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى» رواه أبو دواد.
فلا شك في أن الصلاة من أعظم ما تستدفع به الهموم.
كم فـرج بـعد إياسٍ قـد أتى
وكـم سرور قد أتى بـعد الأسى
من يحسن الظن بذي العرش جنى
حلو الجنى الرائق من شوك السفا
وصدق الحبيب ﷺ حيث قال: «وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ» رواه النسائي.
– الصلاة نور للعبد؛ نور في القلب، ونور في الوجه، ونور في القبر، ونور في الحشر؛ فعن أبى مالك الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها» رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» رواه السيوطي فى الجامع الصغير.
– الصلاة نجاة من عذاب القبر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ» رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
– الصلاة جالبة للرزق والبركة؛ لقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: «الصلاة، الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾(طه: ١٣٢)، أخرجه البيهقي في السنن الصغرى وإستاده صحيح.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للفلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان مقربة من الرحمن.. زاد المعاد في هدي خير العباد.
–الصلاة لم يرخص في تركها، لا في مرض، ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف، وأشد المواقف في حالات الفزع والقتال؛ قال تعالى:﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة: ٢٣٨-٢٣٩)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «يَتَعاقَبونَ فيكُم ملائِكَةٌ بالليلِ وملائِكةٌ بالنهارِ، ويجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ، ثم يَعْرُجُ الذينَ باتوا فيكُم، فيَسألُهُم وهو أعلَمُ بِهِم: كيفَ تَرَكتُم عِبادي؟ فيقولون: تَرَكْناهُم وهُم يُصلونَ، وأتَيناهُم وهُم يُصلونَ» متفق عليه.
– الوعيد الشديد لمن ضيع الصلاة؛ قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾(مريم: ٥٩)، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ» رواه البيهقى.
– ولقد حذر الله عز وجل من التهاون بإداء الصلاة وتأخيرها عن وقتها؛ قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾(الماعون: ٤-٧) وفي هذه السورة الكريمة؛ يتوعَّدُ ربُّنا المصلِّينَ الذين يَلهونَ عن الصلاة فيؤخِّرونها عن وقتِها، أو يتركونها أحياناً فلا يصلُّونها، أولئكَ المصلِّين الذين يقومونَ بأعمالِهم ليراهم الناس، وهمُ المنافقون، الذين لا يعطونَ الناس ولا يُعينونَهم بشيء: لا بزكاةٍ ولا بغيرِها من المنافعِ التي يُنْتَفَعُ بها؛ كالقِدْرِ، والفأسِ، والدَّلْوِ، وغيرِها.
قال ابن كثير: قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر.
قال عطاء بن دينار: والحمد لله الذي قال: عن صلاتهم ساهون ولم يقل: في صلاتهم ساهون.
ولهذا قال: للمصلين أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
فاتقوا الله عباد الله: وحافظوا على الصلاة وعلموها أولادكم؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أحمد.
لقد توجه النبي بالخطابَ إلى الآباء والأمهات لحثهم على تعويد أولادهم المحافظة على الصلاة، حتى ينشأ الواحد منهم حسن الصلة بالله، ومَنْ لَمْ يَمْتثلِ الأمر ولَمْ يأمُر أولاده بالصلاة ويُتابعهم فيها، فقد عرِّض نفسه للعقوبة لأن أولاده أمانة عنده، وسيحاسب عليهم؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ» رواه البخارى.
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): يجب على كلِّ مطاعٍ أن يأمر مَن يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، ومَن كان عنده صغيرٌ، يتيمٌ أو ولد، فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقَبُ الكبير إذا لم يأمرِ الصغيرَ، ويُعَزَّرُ الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا، لأنه عصى الله ورسوله ﷺ..
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..