من دروس الإسراء والمعراج (بيان مكانة بيت المقدس)
20 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد
مع الدرس:
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .
أما بعد؛ فيا عباد الله: لقد كان الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك من أهم وأبرز دروس الإسراء والمعراج؛ قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾، حيث تجلت أهمية بيت المقدس من وجوه كثيرة من ذلك:
– بيت المقدس هو الأرض المقدسة؛ قَالَ تعالى عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾(الْمَائِدَة: ٢١)
وفي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ الدَّجَّالَ يُمْنَعُ مِنْ دخول بيت المقدس؛ حيث قال ﷺ: «لا يأتي أربَعةَ مَساجِدَ، فذَكَرَ المسجِدَ الحَرامَ، والمسجِدَ الأقْصى، والطُّورَ».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُدْرِكُ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، وَلُدٌّ: قَرْيَةٌ قُرْبَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ نَوَاحِي فِلَسْطِينَ.
– لقد عاش في أكناف بيت المقدس كثير من الأنبياء والمرسلين، منهم خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، كما عاش فيه إسحاق ويعقوب وزكريا ويحيى وعيسى وداود وسليمان عليهم السلام…
المسجد الأقصى مسرى سيدنا رسول الله ﷺ قال تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الإسراء:١)
المسجد الأقصى منطلق معراج سيدنا رسول الله ﷺ إلى سدرة المنتهى؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أُتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم عرج بي إلى السماء» رواه مسلم.
– المسجد الأقصى أولى القبليتين: لقد أُمر سيدنا رسول الله ﷺ، باستقبال بيت المقدس فى الصلاة؛ فعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ» رواه البخارى.
– المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بُني على الأرض؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ»، ثُمَّ قَالَ: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ» رواه البخارى.
– بيت المقدس جلاه الله عز وجل لسيدنا رسول الله ﷺ حين كذبه المشركون؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبى ﷺ قال: «لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه»رواه البخارى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها؛ فكربت كربة ما كربت مثلها قط؛ قال: فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به» رواه مسلم.
– تشدّ الرحال إلي بيت المقدس؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَي» رواه ابن ماجه.
– بيت المقدس أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ؛ فعن مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: «فَتَهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
– الصلاة في بيت المقدس تُضاعَف؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله ﷺ أيهما أفضل؛ أمسجد رسول الله ﷺ أم بيت المقدس، فقال رسول الله ﷺ: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلَّى هو، وليوشكنَّ أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا جميعًا»، قال أو قال: «خير له من الدنيا وما فيها» رواه الحاكم، وهو حديث صحيح.
– فتح بيت المقدس على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لقد وصل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى بيت المقدس سنة 15هـ- – 636م، وكان في استقباله “بطريرك المدينة صفرونيوس” وكبار الأساقفة، وكتب أمير المؤمنين عهد أمان لأهل إيلياء، والذى عرف باالعهدة العمرية، وقد جاء فيها؛
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانـًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ أنه لاتسكن كنائسهم و لا تهدم ولاينتقص منها ولا من خيرها، و لا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضام أحد منهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية».
شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم.. وكتب وحضر سنة خمسة عشرة هـجرياً.
– تحرير بيت المقدس من أيدى الصليبين؛ لقد هاجم الصليبيون بيت المقدس سنة ٤٩٢ هجرياً واستطاعوا احتلاله وارتكبوا فيه أبشع الجرائم فقتلوا فى أسبوع أكثر من سبعين ألف واعتدوا على حرمة المسجد الأقصى ودنسوه وحولوا ساحاته إلى اسبطل خيل حتى جاء العام ٥٨٣ هجرياً واستطاع المسلمون بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبى تحرير بيت المقدس من أيدى الصليبين وقاموا بتطهيره وتنظيفه من دنس الصليبين.
عباد الله: إن المسجد الأقصى المبارك يأن ويشتكى من اعتداءات اليهود المتكررة على حرمته،
ففي الحادى والعشرين من أغسطس ١٩٦٩ ميلادياً، أقدم متطرفون يهود على حرق جزء من المسجد الأقصى، فيما أصبح يعرف بحادثة اقتحام المسجد الأقصى، ولقد اندلعت النيران في المسجد، وكادت تصل إلى قبة الجامع، ولكن تمكن الناس من إخماد الحريق.
– كما قسّمت سلطات الاحتلال أوقات الصلاة في المسجد بين المسلمين واليهود، وتعدُّ الحفريات التي تقوم بها جماعة أمناء الهيكل تحت المسجد الأقصى من أخطر الأنشطة التي تهدد المسجد ومقدساته،
– لقد بدأت هذه الحفريات في عام ١٩٦٧ ميلادياً بحجة البحث عن هيكل سليمان، وامتدت فيما بعد لتشمل المنطقة تحت ساحات المسجد الأقصى، وقد أنشئ نفق عميق وطويل تحت المسجد استُخدم مكاناً للعبادة اليهودية، وفي عام ٢٠١٦ ميلادياً، افتُتحت حفريات جديدة تحت المسجد الأقصى بحضور مسؤولين بارزين من حكومة الاحتلال،
– وفي الرابع عشر من يوليو عام ٢٠١٧، أدى المئات من الفلسطينيين صلاة الجمعة في شوارع مدينة القدس المحتلة بعد منعهم من الصلاة في المسجد الأقصى، ولا يزال اليهود يمعنون فى انتهاك الحرم القدسى الشريف، ويدنسون ساحاته، والله هو حسبنا ونعم الوكيل..
اللهم حرر وطهر المسجد الأقصى الأسير، وأكتب لنا صلاةً فيه قبل لقائك، وانصر الإسلام والمسلمين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..
كتبه راجى عفو ربه / أيمن حمدى الحداد
الأثنين ٢٠ من رجب ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ٢٠ من يناير ٢٠٢٥ ميلادياً