لماذا يعتنق غير المسلمين الإسلام من بوابة الأشاعرة والماتريدية؟ حقيقة الوسطية التي هزمت الغلو والتشدد
20 يناير، 2025
الأزهر الشريـف

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )
لماذا يعتنق غير المسلمين الإسلام من بوابة الأشاعرة والماتريدية؟ حقيقة الوسطية التي هزمت الغلو والتشدد
ظاهرة اعتناق غير المسلمين للإسلام ليست مجرد حدث عابر، بل تمثل لحظة فارقة تُبرز عمق تأثير الإسلام كرسالة عالمية تنسجم مع العقل والفطرة.
ومع ذلك، يثير الانتباه أن معظم المعتنقين وجدوا الإسلام في صورته السنية، وخصوصًا من خلال منهج الأشاعرة والماتريدية، بينما لم يظهر نفس الانجذاب للمذاهب الأخرى مثل الشيعة الاثني عشرية أو التيار الوهابي. هذا الواقع يطرح سؤالًا مهمًا: لماذا يختار هؤلاء الإسلام السني الذي يقدمه أهل السنة والجماعة؟ للإجابة عن هذا السؤال، سنستعرض أبعادًا شرعية، علمية، نفسية، اجتماعية، وفلسفية، مع تعزيزها بشواهد تاريخية ودراسات حديثة.
الإسلام السني، كما يعكسه منهج الأشاعرة والماتريدية، يقدم فهمًا متوازنًا للدين الإسلامي يقوم على الجمع بين النقل الصحيح والعقل السليم.
هذا النهج يؤكد على قيم الرحمة والعدالة والاعتدال، وهي قيم تجعل الإسلام يظهر بصورة متزنة تتناسب مع جميع الفئات.
بالمقابل، نجد أن الشيعة الاثني عشرية يضيفون إلى العقيدة عناصر غريبة كعصمة الأئمة، واللطم، والطقوس المبالغ فيها، ما يجعل الإسلام في هذه الصورة يبدو مشوشًا وغريبًا على الباحثين الجدد عن الدين.
أما الوهابية، فتُظهر الإسلام كدين قاسٍ وجاف يفتقر إلى البُعد الروحي، حيث يميل أتباعها إلى تفسير النصوص الدينية بحرفية مشوهة وصارمة، فتجعل الإيمان يبدو كأنه قائمة من المحظورات بدلًا من أن يكون طريقًا مليئًا بالمحبة والسلام.
الوسطية الإسلامية: جسر بين العقل والروح
تاريخيًا، يُظهر انتشار الإسلام في إفريقيا وآسيا أن العلماء والصوفية من أهل السنة والجماعة كانوا العامل الرئيسي في تقديم الإسلام كرسالة عالمية تتناسب مع مختلف الثقافات.
على سبيل المثال، نجد أن الإمام أبي حامد الغزالي، عبر كتابه “إحياء علوم الدين”، قدّم نموذجًا للتصوف السني الذي يجمع بين العقلانية والروحانية. هذا النهج الوسطي انعكس في تجربة العديد من الشخصيات العالمية التي اعتنقت الإسلام.
محمد علي كلاي، الذي وجد في الإسلام السني مخرجًا من العنصرية والتفرقة، كان قد انجذب إلى هذا المنهج بسبب تأكيده على المساواة والعدالة دون تعقيد عقائدي. أما مايك تايسون، الذي كان يعاني من اضطرابات نفسية وعنف داخلي، فقد وجد في الإسلام السني السلام النفسي والروحاني الذي لم يكن ليجده في أي مذهب آخر. مثل هذه التجارب تؤكد أن الإسلام الذي قدمه الأشاعرة والماتريدية يربط بين الروح والقلب، ويقدم العبادات كوسيلة لتحقيق السكينة والسلام الداخلي.
البعد النفسي للإسلام السني
الإسلام السني يتوافق مع الفطرة البشرية التي تبحث عن الطمأنينة والتوازن. دراسة نُشرت في مجلة Psychology of Religion and Spirituality أظهرت أن معظم المعتنقين الجدد للإسلام ينجذبون إلى الجوانب الروحية والعقلانية التي يقدمها المذهب السني الوسطي. منهج الأشاعرة والماتريدية يدمج بين العقلانية والروحانية بأسلوب يخاطب القلب والعقل معًا، مما يجعله جذابًا للنفس البشرية.
في المقابل، نجد أن الشيعة الاثني عشرية يركزون على الحزن والطقوس المأساوية التي تنفر الباحثين عن التفاؤل والحياة.
أما الوهابية، فإن تشددها في التحريمات وغياب العمق الروحي يجعلها منفرة للباحثين عن السكينة والاعتدال. هذه الفوارق تعكس الفرق بين الإسلام الذي يخاطب النفس ككل، والإسلام الذي يُختزل في طقوس أو تحريمات بلا روح.
الإسلام السني: رؤية عقلانية للحياة والمصير
الإسلام السني، كما يعكسه منهج الأشاعرة والماتريدية، يتميز بعقلانيته التي تجمع بين النقل والعقل. هذه العقلانية جعلت الإسلام أكثر جذبًا للمثقفين والفلاسفة من غير المسلمين الذين وجدوا فيه إجابات عميقة عن أسئلة الوجود والحياة والمصير.
وفقًا لدراسة نشرتها جامعة جورجتاون، فإن 75% من المعتنقين الجدد ذكروا أن التوازن بين العقلانية والروحانية في الإسلام السني كان العامل الرئيسي لجذبهم.
هذه المرونة الفكرية تُظهر الإسلام كدين يتكيف مع التحديات الفكرية المعاصرة، بخلاف الشيعة الاثني عشرية الذين يقدمون الإسلام كمنظومة أسطورية مليئة بالخرافات. على الجانب الآخر، الوهابية بجمودها النصي تُظهر الإسلام كدين يخلو من أي بعد فلسفي أو عقلاني، مما يصعب قبوله من المثقفين والباحثين عن الحقيقة.
البعد الاجتماعي: عالمية الإسلام السني
أهل السنة والجماعة يمثلون الأغلبية في العالم الإسلامي، وهو ما جعل منهجهم أكثر انفتاحًا وتسامحًا مع الثقافات الأخرى. الإسلام السني يعكس روح الجماعة والاعتدال، مما يجذب غير المسلمين الباحثين عن دين عالمي يمكن أن يحتضن الجميع. بالمقابل، نجد أن الطوائف الأخرى تميل إلى الانغلاق، مما يجعلها طاردة لأي شخص غريب عن دائرتها.
دراسة أجرتها مؤسسة Pew Research Center أكدت أن الإسلام السني يمتلك قدرة فريدة على التكيف مع المجتمعات المتنوعة بسبب وسطيته وانفتاحه. هذا الانفتاح يعكس قيم الإسلام الحقيقية كدين عالمي يرحب بالجميع بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو الاجتماعية.
مسؤولية تصحيح الصورة
تشويه المذاهب الأخرى للإسلام هو عامل إضافي في انجذاب غير المسلمين للإسلام السني.
الشيعة الاثنا عشرية شوهوا صورة الإسلام من خلال الغلو في الرموز والطقوس، بينما شوه الوهابية صورته من خلال الجمود والتشدد. هذا التشويه جعل العالم غير المسلم يربط الإسلام إما بالخرافة أو بالقسوة، مما يضع عبئًا إضافيًا على الدعاة السنة لتصحيح هذه الصورة.
رسالة الإسلام السني: مزيج من الرحمة والعقلانية
الإسلام الذي جذب محمد علي كلاي ومايك تايسون وغيرهما ليس إلا الإسلام المتزن الذي يقدمه أهل السنة والجماعة، وخصوصًا الأشاعرة والماتريدية.
هذا الإسلام يجمع بين الروحانية والعقلانية، بين العدل والمحبة، بين الرحمة والقوة.
إنه الإسلام الذي يخاطب الإنسان ككل: روحه، عقله، ونفسه. ومع كل التحديات والتشويه الذي تمارسه الطوائف الأخرى، يبقى هذا المنهج هو الأمل الحقيقي لتقديم الإسلام للعالم كرسالة رحمة وعدل وسلام.
هذا الإسلام ليس مجرد دين، بل هو منهج حياة شامل يعزز القيم الإنسانية، ويقدم للإنسان طريقًا لتحقيق التوازن بين الروح والجسد، العقل والإيمان.
في عالم يبحث فيه الناس عن السلام والسكينة، يبقى الإسلام السني كما يقدمه الأشاعرة والماتريدية المنارة التي يهتدي بها الباحثون عن الحقيقة.