في رحاب الإسراء والمعراج

بقلم فضيلة الشيخ : ثروت سويف
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

الحمد ‌لله الذي فتق السماء بالرّجع وشق الأرض بالنبات فكانت ذات الصدع وانزل علي محمد القول الفصل فالحمد ‌لله حمدا لا يبلى جديده ولا يحصى عديده، ولا يبلغ حدوده

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير؛ وأشهد أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم صفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله بالمعروف آمرا. وعن المنكر ناهيا، وإلى الحق داعيا؛ على حين فترة من الرسل، وضلالة من الناس، واختلاف من الأمور، وتنازع من الألسن، حتى تمم به الوحي، وأنذر به أهل الأرض

اما بعد : في رحاب الرحلة الميمونة والمعجزة الباهرة الأسراء والمعراج التى هي من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأعلى بها شأنه، وكانت تخفيفاً لألم رسول الله وحزنه وما لاقاه من قومه من إعراض وسنكتب فيها بحول الله وقوته كل موضوع علي حده في سلسلة اسأل الله القبول والإخلاص والتوفيق

بادئ ذي بدء ليس هناك تاريخ ثابت يحدد زمن حادثة الإسراء، والمهم هو أن نعلم أن رحلة ‌الإسراء ‌والمعراج وقعت يقظة لا مناماً، وكانت بجسده صلى الله عليه وسلم وروحه فاليوم والشهر والعام للإسراء لا يعلمه إلا الله، والتحديد للإسراء بيوم وشهر ضرب من المجازفة والتخمين، ولا دليل عليه من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم الا ان غالب الأمة علي انها ليلة السابع والعشرين من رجب حكاه ابن عبد البر، وقبله ابن قتيبة، وبه جزم النووى فى الروضة

ورد ذكر الاسراء : في سورة الاسراء حيث قال ربنا : بسم الله الرحمن الرحيم ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الإسراء 1 )

قال ابن كثير في تفسيره يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه، {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم {لَيْلًا} أي: في جنح الليل {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وهو مسجد مكة {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جُمعوا له هناك كلُّهم فأمَّهم في محلتهم ودارهم، فدلَّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

وقوله تعالى: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} أي: في الزروع والثمار قلت بركات دينية وبركات دنيوية {لِنُرِيَهُ} أي: محمدًا {مِنْ آيَاتِنَا }

ولم يقل: “لنريه آياتنا”؛ أي أنَّ ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من علو مقامه واستعداده الكبير هو بعض آيات الله الكبرى وليس كل الآيات، واللام في قوله تعالى (لِنُرِيَهُ) تعليلية، أي أن الله تعالى أسرى بنبيه صلى الله عليه وسلم ليرى من آيات ربه الكبرى.

وما دام الله قد بدأها بسبحان فهو تنزيه ان يأتي أحد بمثل هذه المعجزة
وجميل قبل أن نخوض في الحديث عن هذه المناسبة أن نتكلم عن المعجزة وما يشابهها:

أولاً: ما المعجزة: يعرف في الشرع أن الأمر الخارق للعادة له ثلاثة أحوال إما معجزة أو كرامة أو آية وتسمى أحيانا خارقة.

أما المعجزة فأمرٌ خارق للعادة [حاجة غير طبيعية وعلى غير المعتاد]، يُظهِرُه الله على يدِ نبي أو رسول [يظهره الله وليس النبي والرسول من يقول أنا سأفعل المعجزة ] بدليل لو كانت المعجزة من عند الرسول لما خاف منها، اسمع لما أراد المولى سبحانه أن يظهر المعجزة على يد سيدنا موسى عليه السلام قال: ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: الآية 10] فلو كان يعلم لما خاف منها الكليم موسى عليه السلام وقد تطلب منه فيأيده ربه كحادث انشقاق القمر لرسولنا صلى الله عليه وسلم .

والمعجزات خاصة بالأنبياء والمرسلين، مثل سيدنا المسيح عيسى عليه السلام قال المولى عنه: ﴿ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49]، وعصى موسى الذي تحول إلى ثعبان وما جرى لنبينا عليه الصلاة والسلام من المعجزات التي أفرد العلماء لها الأبحاث والكتب الطوال

إذا فالمعجزة هي أمر خارق للعادة يظهر الله على يد نبي أو رسول تكريمًا له، ونُصرَةً لدينِ الله، وعلانية ويتحدى بها المكابرون

ثانيا : الكرامة :
وأما الكرامة فهي أمرٌ خارق للعادة، يُظهِرُه الله تعالى على يدِ عبد صالح وولِيٍّ من أوليائِه، تكريمًا له، ولا يتحدى بها وانما غاية ‌الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه اليه ويرفع به درجته

‌الكرامة، لها ضابطان :

أولاً: أن يكون صاحبها على العمل بالكتاب والسنة، وعلى منهج الكتاب والسنة

الأمر الثاني: أن تستخدم هذه ‌الكرامة لنصرة دين الله عز وجل
وقد عرف بعض العلماء الكرامة بأنها تكريم أو أمر خارق يجريه الله على يد عبده المؤمن التقي لا صنع له فيه، ولا قدرة له عليه بسبب تقربه إلى الله، وتمسكه بشرعه، وليس متحدى به، ومثالها كرامة عمر رضي الله عنه في إجراء نيل مصر لما أرسل إليه الرسالة المشهورة

ثالثا : الآية :
وأما الآية وتسمى الخارقة وأحيانا الاستدراج، فهي أمر خارق للعادة وأن الآية قد تطلق على المعجزة كما في قول صالح عليه السلام لقومه: هذه ناقة الله لكم آية… وأصلها في اللغة العلامة

وقد لا تكون معجزة انما استدراج ان كان الفعل الخارق للعادة يظهر على يد مُشَعْوِذ أو كاهن أو ساحر أو فاسق، مثل فرعون قال الله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ﴾ [يونس:92 ]
وحتى يتبين لك الكرامة من الآية كان أئمتنا يقولون: إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تقل عنها كرامة حتى تنظر إلى عمله، إن كانت موافقة للشرع فهي كرامة وإلا فهي استدراج، لأن القاعدة هي أن [الاستقامة عين الكرامة] فالاستقامة على شرع الله وسنة النبي المطهرة هي من أعظم الكرامة التي يكرم بها الله عباده

إذًا هناك ثلاثة أمور

* الأول: آيات الأنبياء وهي معجزات،
* والثاني: كرامات الأولياء،
* والثالث: ما هو من الأحوال الشيطانية والسحر والشعوذة.

ونلتقي في الموضوع القادم عن لماذا الاسراء والمعراج
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *